يجري على "بنك الأهداف" الامريكي في سوريا تغيير ديمغرافي في الايام الاخيرة. فبحسب تقارير المعارضة سيطر الجيش السوري على عشرات المدارس والمساجد بالقرب من مواقع الهجوم المتوقعة ونقل إليها ضباط جيش وجنودا مفترضا أن الولايات المتحدة ستمتنع عن الهجوم على هذه المواقع المدنية. والى ذلك نُقل مئات السجناء الى مواقع الهجوم أنفسها كي يكونوا درعا حية، هذا مع تقديم تقرير عن تصفية رئيس القسم الكيميائي في الحرس الجمهوري المسؤول عن استعمال السلاح الكيميائي بأمر من قيادة الجيش.
يصعب أن نتحقق من هذه التقارير، لكن لا شك في أن المهلة التي حصل عليها الاسد ستُمكّنه من أن يُعد مواقع الهجوم اعدادا جيدا على نحو يجعل من الصعب على الادارة الامريكية أن تضربها. ومن جهة اخرى سيضر الاعداد بشرعية الهجوم بعد أن يقع لأن هجوما يقتل بضع مئات أو آلافا من المدنيين ليس هو بالضبط الهدف الذي سعى اليه رئيس الولايات المتحدة.
لكن الغلاف الحي الذي يُنشئه الاسد في أهداف الهجوم وتصريحاته بأن "سوريا مستعدة للهجوم" لا يمكن أن تخفي الزعزعة التي أصابت حليفتيه القريبتين روسيا وايران. فعلى حسب تقرير في الصحيفة الروسية "كومرسانت"، استقر رأي روسيا على تجميد بعثة طائرات "الميغ" المحسنة وصواريخ الـ "اس 300" وطائرات التدريب من طراز "ياك" الى سوريا. وكان التعليل الروسي الرسمي هو أن دمشق لم تفِ بشرط الدفع لكن يبدو أن الوقت ليس عرضيا.
إن استعمال السلاح الكيميائي ضعضع موقف روسيا الصلب بازاء الولايات المتحدة. وبرغم أن موسكو ما زالت تزعم أن ليس النظام هو الذي استعمل السلاح الكيميائي فانها ستضطر الى أن تواجه الأدلة التي ستُعرض عليها كما يبدو في لقاء الدول الصناعية هذا الاسبوع. ولا يمكن أن تشجع التصريحات من طهران ايضا الاسد على نحو خاص، فقد ندد الرئيس روحاني باستعمال السلاح الكيميائي لكنه امتنع من أن يطرح المسؤولية على طرف من الأطراف، بل كاد الرئيس السابق رفسنجاني يُسوغ هجوما امريكيا بل اكتفى الزعيم الأعلى خامنئي بالتحذير من أن الهجوم على سوريا سيكون كارثة، لكنه لم يعد بدعم عسكري مباشر لدمشق.
لكن في الوقت الذي ما زال فيه التهديد بالهجوم موجودا في الجو، ولأن روسيا تهب منها ريح باردة، فان القناة الدبلوماسية لم تُغلق تماما. فقد تعرض روسيا أن ينقل النظام احتياطيه من السلاح الكيميائي إليها بدل الهجوم كما عُرض في حينه على ايران بشأن اليورانيوم المخصب، أو أن يتم القضاء على السلاح برقابة دولية. إن روسيا التي تسعى الى لقاء "جنيف 2"، قد تقترح ايضا جدولا زمنيا سريعا لنقل السلطة من الاسد الى حكومة مؤقتة متفق عليها تكون بديلا عن الهجوم. ومع ذلك توجد حاجة الى موافقة العروس والى موافقة المعارضة ايضا على اجراء حوار مع ممثلي النظام.
ليس للمعارضة اليوم قدر كافٍ من الخيارات، فالجيش السوري الحر لا ينجح في أن يهزم النظام، وبرغم البعثة الجديدة التي تبلغ نحوا من 400 طن من السلاح والذخيرة، فانه قادر على أن ينتصر فقط في معارك تكتيكية صغيرة نسبيا، لكن يصعب عليه أن يُنشيء اتصالا بين المناطق التي يسيطر عليها. وكان التوقع أن يُمهد الهجوم الامريكي لحسم عسكري. ولا يُعلم حتى الآن وجود تنسيق استراتيجي بين الولايات المتحدة والجيش السوري الحر، وقد أُثيرت عدة تخمينات بهذا الشأن لكنه بعد خطبة اوباما اكتفى وزير الخارجية كيري بمكالمة هاتفية مع قيادة المعارضة المدنية ومع مندوب السعودية وعد فيهما بأن الولايات المتحدة لم ترجع عن القاء المسؤولية على الاسد.
لم تدخر قيادة المعارضة أي عبارة لاظهار خيبة أملها من تأخر الهجوم. وقال أحد ممثلي المعارضة، وهو يمكث في تركيا لصحيفة "هآرتس" إنه "ربما لا يقع هجوم آخر الامر ونبقى في نفس الوضع الذي كنا فيه قبل استعمال السلاح الكيميائي". وأجاب عن سؤال هل سيوافقون على التوجه الى المسار الدبلوماسي في هذه الحال بقوله: "سنضطر الى أن نقرر آنذاك. اذا وقع هجوم فربما نستطيع الاستمرار في النضال والانتصار، لكن اذا لم يقع فيبدو أنه لن يبقى لنا خيار". وليس هذا هو الموقف المعلن للمعارضة التي ما زالت تتمسك بالصراع العسكري. ومع ذلك ليس من الفضول أن نذكر أن المعارضة ايضا ليست مصنوعة من جلد واحد وأن القرارات التي تُتخذ اليوم ليس من الضروري أن تكون مُلزمة في الغد.


