خبر : سورية هي المستهدفة وليس النظام ...هاني المصري

الثلاثاء 03 سبتمبر 2013 02:08 م / بتوقيت القدس +2GMT
سورية هي المستهدفة وليس النظام ...هاني المصري



بالرغم من أنّ العدّ العكسيّ للحرب، الأميركيّة الإسرائيليّة التركيّة "العربيّة"، على سوريا قد بدأ، إلا أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما أعلن في اللحظة التي كان من المتوقع فيها اندلاع الحرب أنه سينتظر قرار الكونغرس الأميركي، مع أنه ليس بحاجة إلى تفويض من الكونغرس.

جاء تأجيل الحرب على الرغم من إعلان أوباما أنه قرر الحرب ولن يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن ولن ينتظر تقرير المراقبين الدوليين، رغم نشر وكالة "أسوشيتد برس" خبرًا نقلا عن معارضين للنظام السوري أن بعض عناصر المعارضة هي التي استخدمت السلاح الكيماوي عن طريق الخطأ.
لقد أدى تأجيل الحرب، الذي قد يصل إلى الامتناع عنها في حال التوصل إلى صفقة أميركيّة روسيّة، إلى ثورة غضب عارمة إسرائيليّة ضد أوباما، فقد اتهمت أوساط إسرائيليّة متعددة أوباما بأنه جبان ولا يريد الحرب، وإذا كان يخشى الحرب ضد سورية، فكيف سيحارب إيران؟
جاء في صدر صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيليّة، أن إسرائيل هي العقل المدبر والمحرك الرئيسي للحرب رغم أنها لن تشارك فيها، لا في بدايتها ولا في نهايتها، إلا إذا تعرضت إلى اعتداء، لدرجة أن قادة إسرائيليين انتقدوا نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيليّة، وطلبوا منه عدم الظهور بمظهر القائد للحرب؛ حتى لا تدفع إسرائيل ثمنًا باهظًا مقابل ذلك.
ما الذي أدى إلى تأجيل الحرب، وهل سيؤدي إلى إلغائها؟
إن العامل الأبرز الذي أدى إلى تأجيل الحرب أن نتائجها غير مضمونة والعواقب التي تنجم عنها قد لا يمكن السيطرة عليها.
فالإدارة الأميركيّة تحدثت أكثر من مرة أن الحرب التي ستشنها ستكون محدودة، ولن تستهدف إسقاط النظام، وإنما عقابه، والحد من قدرته على استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، وستحاول تدمير هذا السلاح حتى لا يستخدم مرة أخرى، وحتى لا يقع في أيدي أطراف قد تستخدمه ضد إسرائيل. فأمن إسرائيل وتأمين النفط هما الهدفان الرئيسان من الحرب، أما الحديث عن الإنسانيّة والأخلاق وحقوق الإنسان فما هو الا دعاية رخيصة لا تنطلي على أي إنسان عاقل، لأن المصالح لا البحث عن العدالة هي التي تحرك أميركا والغرب الاستعماري، وإذا لم يكن الأمر كذلك لوافقت الإدارة الأميركيّة على الدعوات المتعددة، بما فيها دعوة سوريّة سابقة، إلى الاتفاق على حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط، فهذه الدعوات لم تتحقق، لأن حكام واشنطن يريدون استثناء إسرائيل وتمكينها من الاحتفاظ بكل أنواع أسلحة الدمار الشامل، الكيماويّة والنوويّة، وغيرها.
"أن تكون الحرب محدودة" هذا وصف غير محدد بالضبط، لأنه إذا كان يشمل مثلا تدمير المراكز الحيويّة للقوة السوريّة، بما في ذلك المطارات، ومنصات إطلاق الصواريخ، ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات؛ فهذا يعني أنها ستخلف نظامًا سوريًّا معرضًا للانهيار السريع، وهذا أمر قد يدفعه للرد على الحرب رغم أنها محدودة، لأنه سيظهر في هذه الحالة لأول مرة كنظام مقاومة وممانعة يقارع الولايات المتحدة الأميركيّة وحلفاءها وليس أذنابها فقط، وهذا قد يدفع حلفاءه، خصوصًا حزب الله إلى ضرب إسرائيل في محاولة لتوسيع الحرب لضمان وقفها أو لمنعها من تحقيق أهدافها.
وإذا كانت الضربة محدودة، بمعنى أنها ليست أكثر من ضربة رمزيّة يتم الاتفاق عليها وعلى حدودها وما بعدها بين موسكو وواشنطن، فإنها ستستهدف في هذه الحالة حفظ ماء وجه الرئيس الأميركي وإدارته، التي تبدو في موقف حرج بعد أن تم تجاوز الخط الأحمر الذي رسمته أكثر من مرة من دون أن تفعل شيئًا، وبعد أن رفض مجلس العموم البريطاني مشاركة بريطانيا الحليف الأبرز للولايات المتحدة بالحرب؛ الأمر الذي أضعف كثيرًا من ادعاء شرعيّة الحرب، خصوصًا أن معظم بلدان أوروبا أعلنت إما أنها لن تشارك رغم تأييدها للحرب، أو تعارض الحرب إذا لم تحصل على تفويض من مجلس الأمن.
إذا ضمنت الولايات المتحدة نتائج الحرب فلا يهمها كثيرًا من سيشارك معها، ولكنها لا تضمن الحرب وتخشى التورط فيها، بحيث لا تستطيع وقفها، خصوصًا أن النظام السوري لديه حلفاء أقوياء لا يمكن أن يفرطوا به بسهولة، يقف على رأسهم روسيا والصين وإيران، وانضمت إليهم، بشكل أو بآخر، مؤخرًا مصر، وما يعنيه ذلك من أن الغطاء العربي الذي قدمته الجامعة العربيّة للحرب مخروق ومشكوك فيه كثيرًا.
إن قرار تأجيل الحرب مثله مثل أن تكون محدودة أغاظ إسرائيل وأردوغان والأطراف العربيّة المتحمسة لها، وسيغيظهم أكثر الامتناع عنها، حيث حذر أردوغان من أن الحرب المحدودة غير كافية، بل يجب أن يكون هدفها الإطاحة بالنظام، فهم راهنوا بكل ما يملكون على إسقاط النظام، وإذا صمد النظام بعد الضربة الرمزيّة أو من دونها فسيكون ذلك مقدمة لانتصاره القادم.
لا أعرف ماذا سيقول القرضاوي "مفتي البنتاغون" إذا لم تقع الضربة أو كانت رمزيّة، بعد أن أفتى بالاستعانة بالتدخل الأجنبي ضد ليبيا ومصر وسورية، ويستخدم الدين بصورة فظّة خدمةً لآرائه المنحرفة ومصالح أسياده من خلال القول "إن الله سخر الإدارة الأميركيّة للانتقام من النظام السوري وإحقاق الحق"؟ هل توقفت إرادة الله عن العمل في هذه الحالة أيها الشيخ؟!
إن الهدف من الحرب إذا وقعت واضح وهو سورية وليس النظام، والدليل أن الحرب في سورية تحولت منذ زمن طويل إلى حرب إقليميّة دوليّة تغذّيها إسرائيل، ودور الأطراف المحليّة فيها يتراجع باستمرار؛ لإضعاف سورية وتقسيمها والقضاء على جيشها تمامًا، مثلما حصل في العراق، فلو كان الهدف تحقيق مصالح الشعب السوري وتمكينه من تحقيق إرادته في الحريّة والعدالة والديمقراطيّة والاستقلال؛ لما تم دعم حرب استنزاف داخليّة طويلة تدمر سورية، ولوضعت أميركا والمجتمع الدولي بكل ثقلهما من أجل دعم الأطراف الديمقراطيّة السوريّة المنادية بوقف الحرب، والتوصل إلى حل سياسي يقوم على تغيير النظام بوسائل سلميّة وديمقراطيّة عبر مرحلة انتقاليّة يتم فيها اختيار الشعب السوري لمن يمثله بكل حريّة، بعيدًا عن التدخلات الخارجيّة التي تريد فرض قيادة على مقاس المصالح الأجنبيّة، وإذا لم يتم ذلك فلتذهب سورية إلى الجحيم.
هناك احتمال بالتوصل إلى صفقة أميركيّة – روسيّة على عقد مؤتمر "جنيف 2"، سواء قبل الضربة أو بعدها، ولكن هذا يمكن أن يتحقق إذا جاءت الضربة تأديبيّة رمزيّة تستغرق عدة ساعات فقط. ولكن يجب عدم الرهان على مثل هذا الاحتمال وإسقاط الخديعة المحتمل أن تكون وراءه من دون إسقاطه كليًا من الحسبان.
إن رد الشارع العربي ليس في مستوى الخطر الذي يتهدد سورية، لأنه منقسم بين الديني والعلماني، وبين العرب والأقليات، والمسلم والمسيحي، والسني والشيعي، والإسلام المعتدل والإسلام المتطرف، وبين إعطاء الأولويّة للحرب مع إيران أو مع إسرائيل، في وقت تنشغل فيه البلدان العربيّة إما في صراعات داخليّة مدمرة، أو في العمل على إبقاء هذه الصراعات بعيدة عنها، ولو عن طريق إذكائها وحرفها عن طريقها الصحيح. طريق تحقيق الحريّة والعدالة والديمقراطيّة والاستقلال الوطني.
ويساهم في صمت الشارع العربي بالرغم من الغضب والقلق وظاهرة الاحتجاج أنه لا يعرف من يؤيد تمامًا، فالأخطاء والجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد كافية للحذر من تأييده الكامل، كما أن الجرائم التي ارتكبتها أوساط نافذة في المعارضة، وأهمها أنها أصبحت إما مطيّة بأيدي الآخرين الذين لا يهمهم مصالح سورية ولا ديمقراطيتها، وإنما مصالح بلدانهم ومصالح إسرائيل، فأخشى ما تخشاه الولايات المتحدة الأميركيّة أن تتضرر إسرائيل، أما أكثر من مائة ألف قتيل سوري وتدمير سورية فليس مهمًا، فالمهم هو أمن إسرائيل؛ أو جماعات إرهابيّة متطرفة تعتبر سوريا مجرد نقطة في بحر حربها العالميّة العمياء.
لهذا السبب وغيره، لاحظنا كيف أن أميركا دفعت إلى إطالة الحرب الداخليّة السوريّة وعدم حسمها لكي تستنزف الجميع، وإلى عدم انتصار أي طرف، بحيث لا يقوى أحد بعد ذلك على تهديد إسرائيل؟
وإذا كانت سورية هي المستهدفة، فنحن مع سورية ضد كل من يحاول تدميرها وتقسيمها من دون أن يعني ذلك أننا يجب أن نختار التحالف مع شيطان ضد الشياطين الأخرى. فمن يتحالف مع الشيطان مهما كان شكله ودوره سيصبح عبدًا له.
Hanimasri267@hotmail.com