خبر : العراق 2 \ بقلم: جدعون ليفي \ هآرتس

الأحد 01 سبتمبر 2013 03:27 م / بتوقيت القدس +2GMT




إليكم تدريبا على الصدق (والاخلاق المزدوجة): ماذا كان سيحدث لو أن اسرائيل استعملت سلاحا كيميائيا؟ أكانت الولايات المتحدة تهاجمها؟ وماذا كان سيحدث لو أن الولايات المتحدة نفسها فعلت ذلك؟ صحيح أن اسرائيل ما كانت لتستعمل أبدا سلاح الابادة الجماعية برغم أنه في ترسانتها إلا في وضع متطرف جدا، لكنها استعملت من قبل سلاحا مُحرما بحسب المواثيق الدولية، وهو الفوسفور الابيض وقذائف الفلاشت على سكان مدنيين في غزة، واستعملت قنابل عنقودية في لبنان ولم يُحرك العالم ساكنا.
ولا حاجة الى أن نُكثر الكلام على سلاح الابادة الجماعية الذي استعملته الولايات المتحدة استعمالا وحشيا، وأعني القنبلتين الذريتين على اليابان وقنابل النبالم على فيتنام.
لكن سوريا هي بالطبع مشهد مختلف. فلا يستطيع أحد أن يعتقد في جدية أن الهجوم الامريكي على نظام الاسد نابع من تقديرات اخلاقية. إن 100 ألف قتيل في هذه الدولة البائسة لم يحثوا العالم على العمل، ويحث التقرير عن 1400 قتيل بالسلاح الكيميائي – الذي لم يثبت نهائيا الى الآن هل استُعمل وهل النظام هو الذي استعمله – يحث جيش الخلاص العالمي على العمل. ولا يمكن أحدا أن يشك في الكثرة من الاسرائيليين الذين يؤيدون الهجوم – 67 في المائة بحسب استطلاع "اسرائيل اليوم" – وأن ما يُحركهم هو الاهتمام بسلامة مواطني سوريا. ففي الدولة الوحيدة في العالم التي يؤيد فيها أكثر الرأي العام الهجوم المبدأ الموجه غريب تماما وهو: إضربوا العرب، ولا يهم لماذا بل يهم أن يكون ذلك بأكبر قدر ممكن.
ولا يستطيع أحد ايضا أن يعتقد في جدية أن الولايات المتحدة هي "قوة عظمى اخلاقية"، كما عرّفها هنا آري شبيط ("هآرتس"، 29/8). فالدولة المسؤولة عن أكبر قدر من سفك الدماء منذ الحرب العالمية الثانية – هناك من أحصوا ثمانية ملايين قتيل من صنع يديها – في جنوب شرق آسيا وفي امريكا الجنوبية وفي افغانستان والعراق، لا يمكن أن تُعتبر "قوة عظمى اخلاقية". ولا يمكن أن تُعتبر كذلك ايضا الدولة التي يوجد رُبع عدد سجناء العالم فيها، والتي نسبة سجنائها أعلى من نسبتهم في الصين وروسيا، والتي أُعدم فيها 1342 انسانا منذ 1976. بل إن قول شبيط إن "الروح الدولية بعد الحرب العالمية الثانية قالت إنه لا عودة الى سيناريوهات رعب قتل شعب وإماتة بالغاز" مقطوع عن الواقع. ففي كوريا وفيتنام وكمبوديا وروندة والكونغو – وفي سوريا ايضا، يمكن أن يبتسموا ابتسامة مُرة فقط بسبب هذا القول الداحض.
إن الهجوم الذي أخذ يقترب سيكون العراق 2. إن الولايات المتحدة التي لم تُعاقَب قط على أكاذيب العراق 1 وعلى مئات آلاف القتلى الذين قُتلوا عبثا في تلك الحرب، توشك أن تُنشب حربا مشابهة بلا مسدس مدخن مرة اخرى بل مع أدلة جزئية فقط وخطوط حمراء حددها براك اوباما بنفسه وهو ملزم الآن أن يفي بوعده. تدور في سوريا حرب أهلية وحشية يجب أن يحاول العالم أن يضع لها حداً ولن يفعل الهجوم الامريكي ذلك.
يبدو أن التقارير من سوريا منحازة في أكثرها، ولا يعلم أحد ما الذي يحدث فيها بالضبط، ومن الأشرار ومن الأخيار إن وُجد أمثال هؤلاء أصلا. يحسن أن نصغي الى الكلام الصائب للراهبة من سوريا إغنوس مريم التي اشتكت في نهاية الاسبوع على مسامعي في دير في جبال القدس نزلت فيه ضيفة في طريقها عائدة من ماليزيا الى سوريا، من التشويه في وسائل الاعلام العالمية. فقد وصفت إغنوس صورة تختلف عن الصورة الرائجة، فقد تحدثت عن 150 ألف مجاهد أجنبي في سوريا هم المسؤولون عن أكثر الاعمال الفظيعة، ونظام الاسد هو الوحيد الذي يمكن أن يصدهم، والشيء الوحيد الذي يجب على العالم أن يفعله هو أن يتوقف عن تسريبهم وتسليحهم. "لا أفهم ما الذي يريده العالم؟ هل أن يساعد القاعدة؟ هل أن يُنشيء دولة جهاد في سوريا؟". إن هذه الراهبة التي يقوم ديرها على أم الطريق بين دمشق وحمص على يقين من أن الهجوم الامريكي سيقوي الجهاديين فقط. "أهذا ما يريده العالم؟ أأفغانستان اخرى؟".
ربما يعلم العالم ما يريد وربما لا يعلم. لكن شيئا واحدا يبدو واضحا الآن: وهو أن هجوما امريكيا اختياريا آخر قد يتحول الى كارثة اخرى.