أعلن الرئيس الامريكي أنه سيهاجم سوريا، كما قال حكماؤنا "في الزمان والمكان اللذين يختارهما". يمكن أن نعود الى الحياة المعتادة حتى إشعار جديد. فالهجوم سيُنفذ كما يقولون عندنا بعد الأعياد.
لا يريد العالم أن يحارب من اجل مواطني سوريا، فهذه دولة غير مهمة لا تهم أي أحد. وهذا هو الدرس الذي يجب على اسرائيل أن تحفظه وهو أنه اذا دُفعنا الى ازمة مع ايران فلن يكون أحد في العالم مستعدا لتحريك طائرة واحدة من أجلنا، بل سنحصل في الأكثر على دعم كلامي.
على حسب الجدول الزمني الجديد يمكن أن ينفذ الهجوم على سوريا بعد تسعة ايام أو عشرة في أدنى الاحتمالات. وسيشارك اوباما منذ بعد غد الى السبت في مؤتمر الدول الصناعية في ستوكهولم. وفي يوم الاثنين التاسع من ايلول سيجتمع مجلس النواب الامريكي لمباحثة سيتم في نهايتها تصويت تأييدا للهجوم أو اعتراضا عليه. وقد تستمر المباحثة بضعة ايام أو أكثر من ذلك.
إن مشكلة الرئيس هي ماذا يفعل اذا لم يوافق مجلس النواب. وكيف يتم الحفاظ على الغضب على سوريا في الرأي العام وقتا طويلا؟ إن عشرة ايام في الشرق الاوسط هي بحر زمن لتطورات غير متوقعة توجب على الرئيس أن يؤجل ويؤجل ويؤجل.
إن الشيء الوحيد الذي أعلنه الرئيس هو أنه لا يوجد طريق رجعة وأنه يجب على الولايات المتحدة أن تجبي من النظام السوري ثمنا عن استعمال السلاح الكيميائي. وعلى حسب الخطة، وهذا صحيح الى اليوم، يفترض أن يهاجم الجيش الامريكي نحوا من 90 هدفا في سوريا في نفس الوقت.
حدث في اليوم الاخير انطباع أن الولايات المتحدة تغير صورة الهجوم المخطط له: من هجوم على دفعات يطول يوما أو أكثر الى هجوم مُركز لبضع ساعات على التوالي مع مُهل قصيرة فقط. إن الفرق بين هجوم مستمر على دفعات طول يوم كامل أو اثنين وبين هجوم مُركز يدوم بضع ساعات شديد الأهمية بالنسبة إلينا لأنه كلما طالت العملية زاد خطر أن يفلت زمام السوريين ويطلقوا قذائف صاروخية أو صواريخ على اسرائيل.
اذا استقر رأي الامريكيين على العمل في مواجهة منظومة صواريخ ارض – ارض السورية المتحركة، فليس من المنطق أن تُستعمل صواريخ توما هوك لذلك بل وسائل طيران (مع طيارين أو بغيرهم) تتعرف على الأهداف وتطلق عليها سلاحا موجها دقيقا من الجو.
إن تغيير تصور العملية هو نتيجة مباشرة لتأخر تجنيد دعم داخلي للهجوم وانشاء تحالف دولي استعدادا له. وبسبب التسويف تفقد الادارة الامريكية التأثير ولهذا كلما تأجل القرار أكثر أخذت العملية المخطط لها تتضاءل من هجوم عقاب قاسٍ مؤلم الى عملية محدودة مع قدر أقل من أخطار التورط السياسي والعسكري.
إن المادة الاستخبارية الدامغة التي عرضها وزير الخارجية الامريكي جون كيري على العالم ليست مادة امريكية فقط، فقد شارك في هذه المعلومات البريطانيون ايضا، ويجوز لنا أن نفرض أن الامريكيين لن يتخلوا عن تعاون استخباري مع دول كتركيا واسرائيل.
ويتبين أن سوريا شفافة جدا للاستخبارات، وهذه بشرى طيبة. فمن المنطقي جدا أن نفرض أن كل محاولة سورية لتوجيه سلاح غير تقليدي أو صواريخ ارض – ارض على اسرائيل سيُكشف عنها في الوقت.
إن الشيء البارز في كشوف كيري هو حقيقة أن "المسدس المدخن" لا يرتبط ارتباطا مباشرا بالرئيس الاسد. فالاستخبارات التي اعترضت مكالمات بين القيادة العليا السورية وبين الوحدات الميدانية قبل المذبحة وبعدها أدانت النظام بتنفيذ المذبحة، لكن الاسد نفسه لا يظهر في هذه المكالمات. من الممكن جدا أنه ظهر في المقاطع الاستخبارية السرية التي لم تُنشر. ومهما يكن الامر فان كيري يسمي الاسد "قاتلا" ويمهد بذلك لتقديم لائحة اتهام على الرئيس السوري بجرائم حرب في المحكمة الدولية في لاهاي.
قدّمت الاستخبارات البريطانية تقارير عن 14 واقعة استُعمل فيها السلاح الكيميائي في سوريا، تمت إحداها بواسطة صاروخ سكاد كان يحمل رأسا كيميائيا أصاب حلب في مطلع السنة. وهذه شهادة اخرى على أن العالم كان يعرف طول الوقت ما يحدث في سوريا وصمت. حتى إن العالم يتلعثم الآن وهم يُحركونه بالقوة.


