خبر : سورية: من الذي يتحكم في حدود الضربة الأميركية المحدودة؟! ...بقلم: هاني حبيب

الأحد 01 سبتمبر 2013 03:00 م / بتوقيت القدس +2GMT



في سياق التبرير الأميركي لتوجيه ضربة محسوبة إلى سورية، كرر كل من الرئيس الأميركي ووزير خارجيته، أوباما وكيري، مصطلح "تهديد الأمن القومي الأميركي" وهو المصطلح الذي استخدم دائماً لتبرير التدخل الأميركي في أي منطقة في العالم، بما في ذلك أفغانستان والعراق، الفرق الأساسي هذه المرة أن "النخوة" الأميركية لم تكن انتقاماً لضحايا الحرب الكيماوية التي اتهم بها النظام، ولا سعياً لوقف الاحتراب في الساحة السورية، بل خشية من تهديد الأمن القومي الأميركي، وفي هذا السياق، كما قال كل من أوباما وكيري، التأكيد على مصداقية الولايات المتحدة، التي حددت أكثر من مرة خطوطاً حمراء، من دون أن تتجاوز أي خط منها، لكنها هذه المرة، ولأسباب أميركية أساساً، اتخذت ـ على الأرجح ـ قرار توجيه ضربة عسكرية مؤلمة، غير مميتة لنظام بشار الأسد!

وبينما ينشط المحللون في وضع سيناريوهات لهذه الضربة المحتملة، كيفيتها وزمانها ومكانها، يخفق هؤلاء في محاولة الإجابة عن أسئلة جوهرية تتعلق بالضربة المحتملة ذاتها: لماذا تكرر واشنطن أن الضربة محدودة جداً؟ وهل يمكن السيطرة على تداعياتها؟ ماذا لو أن النظام السوري، وهو في مأزق خطير، قد استغل هذه الضربة، برد فعل عسكري، الرد على مصادر النار، أو تصدير الأزمة عسكرياً إلى دول مجاورة كإسرائيل وتركيا، مثلاً، هل ستبقى هذه الضربة محدودة في الزمان والمكان والفعالية؟
نتذكر كيف اندلعت الثورة السورية، النسخة السورية من "الربيع العربي"، تلك الثورة التي ظلت سلمية تماماً لأربعة أشهر متتالية، اعتمدت على التظاهر ورفع الصوت بإسقاط النظام، وكان يمكن لهذه الثورة أن تنجح، كما نجحت النسخ الأخرى في مصر وتونس، في إسقاط النظام السابق، من دون أن يجري احتراب داخلي، لكن النظام السوري كان أكثر دهاءً، فاستجدى تحويل هذه السلمية للمظاهرات، من خلال ضربها بكل قوة، مستجلباً عمداً، كل قوى الإرهاب في المنطقة للتحول إلى كل مناطق سورية، ونجح النظام السوري في أن يحول الثورة إلى احتراب داخلي من خلال مواجهته المسلحة للمعارضة المسلحة التي جمعت ثواراً حقيقيين انشقوا عن الجيش النظامي، وتجار الدين والإرهاب من "القاعدة" ومشتقاتها، التي لم تقصر في خدمة النظام من خلال ممارساتها الإرهابية ذات الطبيعة الفاشية ضد المواطنين السوريين على أساس طائفي ومذهبي وقتل على الهُويّة أمام المصورين الذين نقلوا ما صوروه من مجازر وحشية إلى شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، في خدمة غير مقصودة للنظام السوري، والآن ليس من الغريب أن يظل السؤال هو: هل سورية ستصبح أفضل بعد انهيار نظام الأسد واستبداله بنظام الفاشية الدينية؟!
نورد هذا السياق المتعلق بقدرة النظام السوري على استجداء تدخل خارجي ليؤكد الأطماع الاستعمارية والمصالح الغربية والأمن القومي الأميركي وراء كل ما يجري في سورية وان الأمر، يتعدى الثورة إلى تحويل الربيع إلى خريف عربي بامتياز، وبالتالي فإن أميركا التي باستطاعتها أن تحدد زمان ومكان ونوعية ضربتها المحتملة، ليس باستطاعتها التحكم بتداعياتها، وقد حدث ذلك في أفغانستان والعراق، ورغم الفارق في طبيعة وظروف التدخل الأميركي، إلاّ أنه في كل المرات، فشلت سيناريوهات أبحاث الأمن القومي الأميركي وخبراء السياسة في أميركا في لجم التطورات التي تعقب هذا التدخل، وها نحن على مشهد من محاولة الخروج الأميركي من أفغانستان، أما في العراق، فنحن نشهد كيف تحول هذا البلد العريق إلى حرب أهلية حقيقية بعدما تم استبدال قيادات البعث العراقي، بأصحاب اللحى والعمم من "آيات الله" ومشايخ يحكمون ويتحكمون في ساحة إرهابية تطال كل الوطن العراقي الشقيق.
هذا حول "الضربة المحدودة" التي من المحتمل أن توجهها أميركا التي فقدت حلفاءها في هذا التوجه إلى سورية، ومدى التحكم في محدوديتها، لكن لماذا تريدها أميركا "ضربة محدودة"؟ هنا تختلف الاحتمالات، لكن أبرزها أن أميركا لا تريد للاحتراب السوري أن ينتهي، بل من صالحها، ومن صالح كل المنظومة الغربية، استمرار هذا الاحتراب الذي لن يؤدي فقط إلى انهيار الجيش السوري وعودة سورية إلى العصر الحجري، بل وهو الأهم، فإن قوى الإرهاب ستظل مشغولة بالاقتتال والاحتراب على الأرض السورية، كما بالضبط منشغلة الآن في شبه جزيرة سيناء المصرية، وإذا كان الغرب بقيادة أميركا قد فشل في مواجهة الإرهاب، فإنه على الأقل، أبعده عن عواصمه ومرتكزاته الاقتصادية والأمنية لسنوات طويلة، وكما نشهد الآن أن قوى الإرهاب الديني منشغلة هذه الأيام في مواجهات مع الجيش المصري، رغم أن حدود فلسطين على مرمى حجر، ما يوفر للدولة العبرية الأمن المطلوب من دون أن تدفع أي ثمن، فإن انشغال فصائل الإرهاب الفاشي في سورية، يوفر نفس الضمانات لأمن إسرائيل كما أمن المنظومة الغربية.
وهناك احتمال آخر، لمحدودية الضربة العسكرية الأميركية لسورية، وهو أن أميركا لا تريد أن يقال إن نظام الأسد قد سقط بفضل التدخل الأميركي، كما حدث في العراق، وأن الثورة السورية استعادت دمشق على ظهر دبابة أميركية، وواشنطن على ما يبدو، لا تريد تكرار التجربة العراقية، لكن كما رأينا، فهي قد تحدد حدود الضربة، لكنها لن تتمكن من تحديد تداعياتها!

Hanihabib272@hotmail.com