خبر : بين مبالغة "فتح" بالنشوة و"حماس" بالخوف يمكن دفع المصالحة..! .. أكرم عطا الله

الأحد 01 سبتمبر 2013 02:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
بين مبالغة "فتح" بالنشوة و"حماس" بالخوف يمكن دفع المصالحة..! .. أكرم عطا الله



هي عملية تبادل للأدوار والأماكن للفصيلين الأكبر في الساحة الفلسطينية كلما تغيرت القاهرة تعيد ترتيب توازنات القوة في الساحة الفلسطينية .... تغير الوضع الذي كان قبل عامين ونصف العام عندما أعلن عن تنحي الرئيس المصري حينها كانت "حماس" في ذروة نشوتها تطلق النار في الشوارع ابتهاجاً أما في رام الله فكان صمت الحزن مطبقاً حيث خسرت حليفها الأبرز ...إنها القاهرة وعندما يسقط الحليف الحاكم ينهار الجدار القوي الذي تستند عليه القوى الفلسطينية الغارقة في الاصطفافات حد الرقبة.
الآن زلزال جديد في القاهرة يعيد توزيع أدوار الحزن والفرح في حفلة معاكسة تماماً يضع "فتح" من جديد على مقعد الفائز ويعيد "حماس "مرة أخرى إلى مكانها السابق؛ الشعور باليتم ونظرية والمؤامرة التي تسكن عقل وقلب الحركة، "فتح" تبالغ في نشوتها حد الشعور بهزيمة الحركة الخصم في الساحة الفلسطينية بالضربة القاضية إلى الحد الذي يفقدها توازن الفعل المطلوب بعد هذه المتغيرات بمسؤولية وطنية و"حماس" تبالغ في خوفها إلى الحد الذي يجعلها مرتعشة من كل حركة وكل مقال وكل موقف وكل مظاهرة وكل تغريدة وكأن الجميع يتآمر عليها ويخططون لإسقاطها على النمط المصري.
وما بين المبالغة في النشوة حتى الترنح والمبالغة في الخوف حد الهوس يغيب حديث العقل والمنطق ليفسح المجال أمام احتفالات الوهم.. وهم انتصارنا على ذاتنا كما حدث عام 2007 هنا في غزة، وكما حدث لحظة تنحي الرئيس مبارك والآن يتكرر المشهد وإن بشكل مختلف هذه المرة لصالح الحركة الخصم لحركة حماس والتي لديها شعور أن التغيير في القاهرة يعطيها ورقة قوة في غزة لأول مرة منذ انتخابات 2006 فيما "حماس" تشعر أنها تخسر أهم أوراق القوة في قطاع غزة هذا إلى حد ما صحيح ولكن ليس للدرجة التي يعبر عنها الفصيلان حد العبث وإلى حد ما تعكس هذه التغيرات في التوازنات انكشاف الفصائل واعتمادها على الإقليم بشكل كبير إلى الدرجة التي يمكن أن تكون على حساب الوطنية الفلسطينية.
حركة فتح تعيش لحظة غابت منذ ثماني سنوات حين خسرت آخر انتخابات للمجلس التشريعي أعقبتها حركة حماس بانقلاب عسكري على الرئيس، ولم يكن بيد "فتح" حيلة وقد فقدت فجأة كل أوراق الأمل بعودتها وأتى انتخاب رئيس من حركة الإخوان المسلمين في مصر لينهي ما تبقى من حلم لديها، ولكن فجأة تتغير مصر ويخلع حكم الإخوان المسلمين وكأن هدية سقطت في حجرها وقد حاولت حركة فتح سابقاً تطويع "حماس" للمصالحة ولكن الأخيرة خصوصاً في قطاع غزة كانت تقطع الطريق على معظم تلك المحاولات وترفع الشروط وتضع فيتو، ورأينا ذلك بعد اتفاقي القاهرة حزيران 2011 والدوحة شباط 2012 وفجأة ينغلق الأفق أمامها وتهدم الأنفاق وتخسر عاصمة هي الأهم ويتعرض التنظيم الأم لرجة عنيفة فلا شك أن هذا يعطي حركة فتح شعوراً بالتشفي والنشوة التي قد تفصلها عن واقع فلسطيني على درجة من المرارة التي لا تقبل فعل العواطف هذا.
أغلب الظن أن هناك تياراً في حركة فتح يعتبر أنها فرصة لتركيع حركة حماس فهي الخصم الذي ساعدت كل الظروف للنيل منه وها هي تعود للانحسار في غزة بعد أن جابت الإقليم وافتتحت عواصم، وستنعزل أكثر مع إشهار النظام الجديد بمصر عداءه لها ولن يسمح لقيادتها وحتى عناصرها بالسفر ولن يسمح أيضاً بزيارات وقوافل من الخارج ومع هدم الأنفاق والخناق المالي ليس أمام "حماس" سوى أن تأتي رافعة الراية البيضاء أو أن تنتهي سيطرتها بالتجفيف الهادئ وهذه المعطيات تتطلب ركن المصالحة جانباً.
وبالمقابل تعيش حركة حماس حالة من الخوف ربما لم تمر بها حتى في ظل أشد الظروف قسوة، وتعتقد أن هناك مؤامرة كبرى في الإقليم تستهدفها أولاً وهذا يجعل علاقتها مع الجميع في حالة من الشك الدائم. فالخائف يشك في كل شيء وربما هناك في الحركة من يعتقد أن تغيرات الإقليم هي تغيرات مؤقتة سيعود التوازن لصالحها بعد فترة ولأنها في أصعب مراحلها لهذا ينبغي أيضاً ركن ملف المصالحة حتى تتحسن الظروف وتعيد التقاط أوراق قوة. ومن الممكن أن تتصرف الحركة بمنطق أن هذه مرحلة مؤقتة يريدون تجريدنا من السلطة ويتربصون بنا على نمط التجربة المصرية لهذا يجب التعامل بقسوة معهم وإسكات الرأي الآخر والضرب بيد من حديد لوأد المؤامرة، هذه الأجواء وما يزيد عليها من تصريحات على قدر من الفوقية من بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح وسلوك على قدر كبير من الارتباك والتشويش من حركة حماس يجد تعبيره من خلال نشر قائمة المائة وستين الذين تقول "حماس" انهم يعدون التمرد ضدها وفي اليوم التالي تبدأ قيادة الحركة بالاعتذار وسط حالة الخوف والشعور بالتربص من الجميع.
أزمة النظام السياسي هي أزمة العلاقة بين حركتي فتح وحماس والتي استهلكت كل هذا الوقت في مفاوضات المصالحة العبثية تخللها استقواء كل طرف بالقاهرة وانتظار وخوف الطرف الآخر والآن نحن في مأزق جديد حيث حركة فتح تحلق عالياً منتشية بالقاهرة الجديدة وحركة حماس كمن وقع ملتصقاً بالأرض وتلبسته حالة خوف جعلته عاجزاً عن الحركة وما بين هذه وتلك يغيب المنطق وتغيب واقعية التفكير بالمصالحة ويتباعد التفكير بإعادة بناء النظام السياسي.
هنا تبرز اللحظة التاريخية وسط انشغال العواصم بقضاياها القاهرة بمستجداتها والسعودية بالملف السوري وقطر المشكوك بدورها أصلا وتركيا التي تتابع كل قضايا الكون وأظهرت انحيازاً كبيراً للإخوان لا يعتقد أن "فتح" ستقبل وساطتها بعد هذا الانكشاف. لم يبق سوى ظهور تيار أو محرك جديد للمصالحة على شكل لجنة وطنية هي وحدها القادرة فقط بالنزول بحركة فتح إلى ارض الواقع والمصلحة الوطنية ورفع حركة حماس أيضا إلى الواقع والمصلحة الوطنية لجنة تفكك وهم الانتصار على بعضنا والخوف من بعضنا.
إنه لمن المخجل أن تستجيب القوى المتنازعة في الساحة الفلسطينية لدعوات المصالحة الخارجية ولا تحترم الدعوات الفلسطينية فهل هو الخوف من تلك القوى الخارجية أم الخوف على المصالح الحزينة هو ما يجعلها تتعاطى مع كل العواصم وتتجاهل دعوات القوى الفلسطينية، ليس هناك متسع سوى للتفكير بكيفية صناعة أدوات فلسطينية علها تكون قادرة على إلزام الطرفين فالإقليم لن يتوقف عن التغيير ومن العبث انتظار نتائجه فالإسرائيلي يسير بمشروعه بمعزل عن العرب وهذه دعوة لحراك من اجل المصالحة وهي ممكنة وفي حال لم يستجب أي من الأطراف هناك الإعلام القادر على الإشارة اليه وتعريته وبالإمكان بعدها دعوة الشعب لأخذ قراره بيده فلنجرب ليس هناك مستحيل وخاصة حين تتسلح لجنة المصالحة بحرصها وإرادتها الوطنية التي أثبتت أنها أقوى من كل المستحيلات.
Atallah.akram@hotmail.com