خبر : احباط مركز في سوريا \ بقلم: روبين مرحاف \ هآرتس

الخميس 29 أغسطس 2013 11:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT



          اجتازت الولايات المتحدة طريقا طويلا منذ ان تتدخل لاول مرة بالقوة في الشواطئ الاجنبية  حفاظا على المبادىء الدولية وحماية لمصالحها. كان هذا في بداية القرن التاسع عشر، حين عملت في شواطىء شمال افريقيا لتصفية معاقل القراصنة الذين كانوا يسطون على السفن في المنطقة. ووجه الامريكيون ضربة قاضية وانصرفوا.

          وكانت هذه بداية استراتيجية "فرض القوة" (Power Projection)، التي تصرفوا في ضوئها نحو مائتي عام. وفي اثناء هذه السنين دفعت الولايات المتحدة ثمنا باهظا على جهودها للحفاظ على مبادئها ومصالحها ومصالح العالم، وساهمت مساهمة عظيمة القيمة للانسانية. وبرفضها الفهم الامبريالي التقليدي في السيطرة الدائمة على الشعوب الاخرى وفي البلدان الاجنبية، لم تنشيء الولايات المتحدة مستعمرات لها واجتهدت لحصر تواجدها العسكري بالحد الادنى الضروري، او تبعا للترتيبات الدولية المتفق عليها (والتي اتاحت تواجدها في اوروبا، في اليابان وفي كوريا في اعقاب الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

          دروس تدخلها العسكري في عشرات السنوات الاخيرة – في فيتنام، في العراق وفي افغانستان – والتي دفعت لقاءها عشرات الاف القتلى واضرارا اقتصادية لمئات مليارات الدولارات – وكذا الاحتجاج الجماهيري والتغييرات في طبيعة المعركة، أدت الى انتهاء عصر التدخل العسكري البري. وقد اضيف الى ذلك ايضا الاعتراف في أن الفهم التبسيطي الذي يقول انه يمكن فرض الديمقراطية من خلال أعمال عسكرية قصيرة المدى هدفها اسقاط النظام واقامة مؤسسات بديلة، ليس واقعيا. فلا توجد طرق مختصرة، وما بدا في البداية كانجاز يتبين لاحقا كاخفاق نازف.

          لا يوجد حل سحري لاعادة بناء الدول بطريقة مصطنعة صيغت في اعقاب تفكك امبراطوريات قديمة. فدول مثل العراق، سوريا، وكذا يوغسلافيا، ما ان ضعفت القوى التي اعدتها من الخارج، وتلك التي أيدت الامر من الداخل – لم تعد لها حق في الوجود. مسيرة تفككها المضرجة بالدماء ومسيرة اعادة تصميمها من جديد ستكون بضرورة طويلة المدى، دون أن يكون بوسع القوى الاجنبية التأثير عليها تأثيرا حقيقيا. ومثلما تنشأ عن العراق ثلاث وحدات سياسية، ونشأت عن يوغسلافيا حتى الان سبع وحدات، من سوريا ايضا سينشأ على ما يبدو في نهاية المطاف ما لا يقل عن ثلاث وحدات سياسية – للسنة في ارتباطات مختلفة، للعلويين وللاكراد. ما الذي تبقى إذن للولايات المتحدة وباقي البلدان الغربية وللجيران ليفعلوه؟ اولا، الحرص على الا تنزلق الحروب المرتبطة بالتفكك السياسي الى المحيط. بمعنى انه يجب اتخاذ اعمال للدفاع عن الذات، حسب قواعد واضحة. ثانيا، ينبغي الحرص، من خلال اعمال احباط مناسبة، على ألا تشوش قوى الشر العاملة في الدول المتفككة في فترة الاضطرابات النظام العالمي؛ وهذا يمكن عمله من خلال استخدام الاساليب القائمة والتنسيق الدولي الوثيق – دون ادخال قوات برية. ويضاف الى هذا في حالات معينة استخدام عاقل للقوات الجوية، مثلما حصل في الصرب، وفي ليبيا، في ظل استخدام التكنولوجيات الحديثة.

          ولكن بعد كل هذا، حين يدور الحديث عن حكام مثل بشار الاسد، ممن لا يترددون في استخدام أي وسيلة للحفاظ على حكمهم ويعيدوننا جميعا الى الايام المظلمة للقتل الجماعي – توجد حاجة الى عملية جراحية تتمثل باحباط مركز.

          لقد كان يمكن لالاف اليهود ان يبقوا على قيد الحياة بعد تموز 1944، لو نجح اغتيال هتلر. ولا يعقل انه بعد سبعين سنة من انتهاء الحرب العالمية الثانية يسلم العالم بحكم لا كوابح له لقاتل الجماهير الذي يذبح ابناء شعبه. وليعلم كل حاكم فرد طاغية ومتعطش للدماء بانه حياته ليس آمنة. وليعلم كل اولئك الذين يرغبون في خلافته، في أن حياتهم ايضا ستكون دوما في خطر. ولهذا فمطلوب الان ضربة برق – ويوجد للولايات المتحدة بقيادة براك اوباما قدرة على توجيهها.


* مستشرق، خدم لسنوات كثيرة في اسرة الامن والاستخبارات، ومدير عام وزارة الخارجية في سنوات 88 – 91 .