خلصوا في الغرب الى استنتاج أن الاسد استعمل في يوم الاربعاء سلاحا كيميائيا على مواطنيه. وتلائم الحادثة الفظيعة التي قُتل فيها نساء وأولاد كثيرون التعريف بأنها جريمة على الانسانية. وللعالم قدرة على الرد، وقد برهنت اسرائيل بحسب مصادر اجنبية للعالم في الآونة الاخيرة على أنه يمكن ضرب أهداف للجيش السوري بسهولة دون تعرض للخطر. وسيكون لضرب نظام الاسد تسويغ واضح من جهة سياسية اخلاقية ايضا. فلماذا ينتظر العالم؟.
أولا لأن مجلس الامن لن يُمكّن من عملية كهذه: فموسكو ستستمر في تأييد نظام الاسد آخر حليف لها في الشرق الاوسط. لكن يوجد سبب آخر ايضا وهو ان رئيس الولايات المتحدة وعد نفسه – ووعدنا – بأن يدخل التاريخ بصفة رئيس يُنهي معارك لا رئيس يعلن حربا.
في آب 2012 وعد اوباما بأن استعمال السلاح الكيميائي في سوريا هو بالنسبة اليه "تجاوز خط احمر" من نظام الاسد. ومنذ ذلك الحين استعمل الاسد – كما تزعم الصحيفة الجدية "ليفيغارو" – 13 مرة في سوريا. وقد فضل اوباما ان يدفن رأسه في الرمل مع قدرة الردع الامريكية. إن حلفاء واشنطن قلقون، فهذه ليست امريكا التي يعرفونها.
وعند اوباما تسويغ جيد للتردد وهو ان المعارضة في سوريا بعيدة عن أن تكون بريئة من عناصر جهادية، لكن الفائز بجائزة نوبل للسلام يأمل أن تُحل الامور من تلقاء نفسها على نحو ما كما في مصر. فهو في مصر مثلا راهن أولا على الشعب وانتقل الى الاخوان وانتهى الى الجيش الذي لا يسارع الى العفو عنه بسبب تلويه المدهش. إن قدرة اوباما على المبادرة هي في الأساس بالخطب وباستعمال طائرات بلا طيارين كما في اليمن وافغانستان. أما فيما يتعلق بسوى ذلك فليس هناك سوى كلمات، كلمات، كلمات.
ومن المنطق أن نفرض أن تبقى واشنطن في هذه المرة ايضا خارج اللعبة برغم أنه توجد ايضا خيارات تلتف على الامم المتحدة مثل حل بواسطة الجامعة العربية أو حل كالحل في كوسوفو في 1999 حينما عارضت موسكو العملية آنذاك ايضا.
نحن في سوريا الآن في طريق مسدود برغم ان العالم يعرف الفظائع. ويجب أن نعترف بأن ليس اوباما وحده في وضع اشكالي بعد أن تحول خطه الاحمر الى انعطافة عالمية. فالامم المتحدة غير قادرة ايضا على اتخاذ قرار قوي موجه على زعيم يذبح أبناء شعبه بالسلاح الكيميائي. ويا لسخرية كون رئيس ايران، حسن روحاني، وهو شريك كبير للنظام السوري، قد اعترف بحقيقة أنه تم استعمال السلاح الكيميائي في سوريا دون أن يذكر المستعمِل. ومن المنطق أن نفرض أن يجلس الايرانيون في صمت في حال ضرب نظام الاسد. فهم يفضلون أن توجه الأضواء الى سوريا ومصر ولبنان والمغرب، وأن يدعوهم يستمرون في مشروعات مهمة.
تراهن ادارة اوباما اليوم على حل سياسي بواسطة "مؤتمر جنيف الثاني" الذي سيبحث القضية السورية. وقد خُطط للقاء امريكي روسي في تشرين الاول في لاهاي وهو المكان الذي يجب أن يصل اليه الاسد الى المحكمة في عالم سوّي.
إن منطقتنا تتعقد أمورها فقط. فقطر والسعودية تؤيدان المتمردين لكنهما تتصارعان على صورة النظام القادم؛ وتركيا تخشى جدا من وصول السلاح الى الاكراد الذين يطمحون الى الاستقلال؛ وما زالت الامور في مصر غير مستقرة، وفي لبنان عمليات تفجيرية – وهذا أمر مُعتاد. ما أفضل وجود تفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين يغطي على عورة السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط. وقد كنا نعلم من البداية ان الاختيار في سوريا بين الأشرار والأشرار. وفي هذه الحال يجب على اوباما ان يختار الوقوف – بالاعمال لا بالاقوال فقط – الى جانب الضعفاء، أي مواطني سوريا. ونضمن له بعد ذلك ان يوجد وقت للخطب ايضا.


