غزة / سما / ان وصول التفجيرات والعنف إلى لبنان عامة وإلى المناطق التي يسيطر عليها حزب الله لم تفاجئ احدا وهى بالتأكيد مرشحه للزيادة والتصعيد وتهدد بإعادة لبنان إلى حرب أهلية مذهبيه، ويبدو ان لبنان لم يعد استثناء في مشهد الاحتراق العربي ولم يعد الأمر مرتبط فقط بأقطاب الحل والربط في لبنان، لأن النيران التي بدأت تشتعل في لبنان ليست وليدة الظروف والمعادله اللبنانية اللبنانية فحسب، بل هي نتيجة لخليط كبير من الظروف والاسباب منها ما هو داخلى واكثرها خارجي، وقد كان لبنان في فترات كثيره ارضا لصراعات قوى اقليميه ودوليه لها مصالح سياسيه وامنيه.
بعد تفجير الضاحية الاخير سارع بعض السياسيين اللبنانيين وفى مقدمتهم الرئيس ميشيل سليمان في اتهام (إسرائيل) وتحميلها مسؤولية التفجير باعتبارها المستفيد الاول من محاولة اغتيال الاستقرار في لبنان ورغبة منهم لدرء شبح الفتنه الطائفيه، وتحميل (إسرائيل) المسؤوليه عن اعمال كثيره هو امر دارج في منطقتنا ويخضع في بعض منه للتهرب من تحمل المسؤوليه، لكن في حالة حزب الله فإن الامر مختلف، فأتهام (إسرائيل) له ما بعده وقد يدخل في اطار التحضير للرد، وفى حال اتهام طرف اخر غير (إسرائيل) فقد ينظر اليه البعض على انه تهرب من مواجهة العدو صاحب المصلحه والمستفيد الاول من تداعيات العمليات التي تستهدف حزب الله ولبنان.
بيد ان نصرالله في خطابه الاخير احتفالا بذكرى النصر كان جريئا وواضحا ودقيقا في اعلان تحديه على جبهتين، جبهة الجنوب مع (إسرائيل) عبر كشقه لتفاصيل عملية اللبونه التي اصيب فيها عدد من جنود الوحده الخاصه من لواء جولانى عندما كانت تقوم بمهمه غامضه داخل الاراضي اللبنانيه، وقد اشتمل حديثه عن العمليه على رسائل تهديد وتحدى لأى اختراق ستقوم به (إسرائيل) لحدود لبنان البريه، الامر الذي اكد من خلاله نصرالله انه ومع انشغاله بمعاركه التي يخوضها داخل لبنان ام داخل سوريا لا زال حريصا على ان يبقى هدف الحزب وهدف سلاحه في التصدى لـ(إسرائيل) وفى الدفاع عن حدود لبنان وسيادته في مواجهة التهديدات الاسرائيليه، وهو ما سمح له لأن يوجه اتهامه عن تفجيرات الضاحيه لمجموعات تكفيريه حسبما وصفها، دونما خشيه من انتقاده بانه من اى طرف بانه يتهرب من المواجه مع (إسرائيل) عبر توجيه الاتهام والسلاح لاطراف اخرى.
نصرالله الذي اظهر انه ملم تمام الالمام بما يتهدد لبنان وبما يحيكه اعداء لبنان من مؤامره تستهدف احراقه عبر بوابة الاستقطاب والحرب الطائفيه، ليدفع لبنان كله ثمن مقاومته، يبدو انه لا يتحسب له ولا يأخذه كمعطى كبير وهام في سياساته الاخيره، حيث لا زال متمسكا وبأصرار شديد على استمرار مشاركته في حرب يستصعب الكثير من اصحاب الضمير الحر ومن الجمهور العربي الكبير الذي الذي احتضن واحب حزب الله ورفع راياته في الميادين وصوره في البيوت، يستصعبون ان يقفوا مع أى من طرفيها، رغم كل التقدير لحساسية الحاله السوريه ولوطئة الصراع الاقليمى والدولى على الارض السوريه.
ان رؤية حزب الله للصراع على الارض السوريه على انه صراع خالص بين الحق والباطل بين معسكر المقاومه وبين ادوات القتل المأجورة اقليميا ودوليا و هي رؤيه مشوشه ولا تبدو مفهومه ومسلما بها، لاسيما وانها حربا مشبوهه بشبهة الطائفيه ويلتبس فيها السياسي مع المذهبي ويشتد على اثرها التجاذب الطائفي على المستوى العربى والاسلامى، يدخل على اثره الاعداء وكل مثيري الفتن والانقسام وكل اصحاب المصالح ولأن حزب الله له سمه طائفيه ويثابر الاخرون ( من خصومه على الساحة العربيه واللبنانية) على مذهبة سياساته وتوجهاته ووضعها وقرائتها في سياق مذهبي لاستغلالها في التحريض عليه، فأننا نعتقد ان الحزب ارتكب خطأ جسيما في اعلانه الاشتراك في الحرب ووقوفه إلى جانب نظام الاسد، وهو بذلك انما وقع في فخ الطائفيه وزود خصومه ببراهين على اتهاماتهم المألوفة له بالطائفيه.
بعد كل هذه التدخلات المباشره من قبل الحزب في الحرب السوريه الطاحنه، لا يمكن للحزب التهرب من مسؤوليته عن اندلاع اى عنف طائفى لبناني في المستقبل والذى بات مسألة وقت، ولن يستطيع الحزب ان يكون بمنأى عنه، ولا يهم من سينتصر فالمنتصر الاكبر هو الشيطان الطائفى صديق (إسرائيل) وحليف امريكا.
وحزب الله اليوم بدأ في حصاده المر جراء ذلك واهم هذا الحصاد المر هو تراجع وتأكل شعبيته بشكل كبير بين الشعوب العربيه، وقد كان يتمتع برصيد كبير في قلوب العرب صنعه بفعل مقاومته البطله وخطابه الوطنى العروبي، ان محبة الناس التي يخسرها هي اهم بكثير من اى انتصار او انجاز اخر. وفضلا عن ذلك يحصد ايضا الارهاب الذي بات يستهدف مناطق تواجده والتجرؤ على مهاجمته وعلى كيل الاتهامات له ، والخشية الاكبر ان يضطر تحت اى مبرر لأن يكون طرفا في حرب طائفيه لبنانيه باتت تطرق ابوابه بقوه وتشعل حرائقها فيه من طرابلس حتى صيدا.
ويبدو ان توقعات (الإسرائيلي) في ان النيران الطائفيه ستشتعل في اطراف عباءة نصرالله حسبما قدر غانتس رئيس اركان الجيش (الإسرائيلي) باتت تتحقق، اسرئيل التي لا تكتفي بمراقبة المشهد بأرتياح، بل ونجزم انها تنفخ بطريقتها ووسائلها في نار الفتنه ، استغربت باستنكار اتهام جهات لبنانيه لها بالوقوف خلف التفجير، ومعقبين منذ اللحظة الاولى انه ثمن تدخل الحزب في سوريا، وكانت جهات اسرائيليه كثيره قد توقعت منذ ان انفجرت الازمه السوريه ان يكون لها ارتدادات على الحزب.
ان حزب الله الذي كان رمزا لانتصار الاراده العربيه على الغطرسه الصهيونيه وعاملا رئيسيا في استقرار لبنان ينزلق بقوه نحو مكانه قد تشكل خطرا على مستقبله كحزب مقاوم وعلى مستقبل المقاومه اللبنانيه وحاضنتها الشعبيه، لذلك فإن الحزب مدعو لإعادة تقييم مشاركته الفعليه في الحرب السوريه بغض النظر عن مدى مصداقية مبرراتها او مسوغاتها.


