خبر : لماذا يجب عقد مصالحة مع "الجماعة" ؟!....بقلم: هاني حبيب

الأحد 04 أغسطس 2013 03:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
لماذا يجب عقد مصالحة مع "الجماعة" ؟!....بقلم: هاني حبيب



جملة من الملاحظات، التي قد يعتبرها البعض حقائق، هي تلك التي يمكن تسجيلها على ما يجري في مصر المحروسة هذه الأيام العصيبة، ولعلّ أولى هذه الملاحظات أن المليونيات، مهما بلغت من التعداد، غير كافية لإنجاز ثورة حقيقية، بالعودة إلى تلك المليونيات المصرية، منذ ثورة 25 يناير، مروراً بمليونيات 30 يونيو و26 يوليو، فإن الثورة، رغم التعداد الهائل والهادر للملايين التي أيدت واستدعت الجيش لإنقاذ البلاد من حرب أهلية مدمرة، رغم ذلك، فالثورة لم تنجز، بل إن الانقسام على الصعيد الأفقي والعمودي، تحول من اعداد إلى دماء، ومرة أخر فإن الأمر لا يتعلق بالحق والعدل، ولكن بما تم إنجازه فعلاً.
ثاني هذه الملاحظات أو الحقائق، أن وصول "الجماعة" إلى الحكم، وفشلها، ليس كله ضرراً ومصائب، بل ربما يرى البعض أن ذلك، مكن الجماهير الشعبية من الوقوف على حقيقة هذه "الجماعة" وأهدافها، وقدرتها على الكذب والخداع، والتراجع عن الشعارات البراقة، وأن قدرتها على التنظيم والحشد ليس بالضرورة يوازي قدرتها على أن تحكم وأن المشروع الذي تطلق عليه مشروعاً إسلامياً، ما هو إلاّ مشروع إخواني، لا نقصد هنا "أخونة الدولة المصرية" فقط، بل أخونة المنطقة العربية، وسقوط الجماعة في مصر، مهدها وانطلاقتها قبل حوالي 90 عاماً، هو سقوط أخونة المنطقة برمتها، وإذ كانت هذه الجماعة تنادي "عالقدس رايحين شهداء بالملايين" فإنها كانت تبرر عدم إقدامها لتنفيذ هذا الشعار، بنظام حسني مبارك، "المستسلم الخائن"، ولكن عندما سقط مبارك ونظامه، وتمكنت الجماعة من الوصول إلى رأس وكل السلطة في مصر، سارعت إلى تطمين إسرائيل وأميركا بالتزامها باتفاقيات كامب ديفيد، الأمر الذي كان أحد أسباب تلك الصدمة التي ألمّت بواشنطن وتل أبيب بعد سقوط الجماعة.
تلك "المليونيات" التي حشدتها الجماعة في كل من "رابعة" و"النهضة" وما تخللها من وضع جماهير تلك المنطقة في حالة "رهائن" وما انطوى على هذه الاعتصامات المسلحة من جرائم ارتكبتها بحق عدد من المواطنين، وهذه هي الملاحظة الثانية، فإن ذلك يشير بشكل واضح إلى أن هذه الجماعة لا يوقفها شيء عن الوصول إلى أهدافها، بما في ذلك ترويع المواطنين وإسالة الدماء، وهي ليست منظمة مسلحة، لكنها تستخدم هذا السلاح، ببساطة ضد من يختلف معها، فهي لا تكتفي بإقصاء الآخر، ولكن تدمره إذا ما سنحت لها الفرصة، إضافة على أن هذه الاعتصامات لم تعد للمطالبة بعودة "مرسي والشرعية" بل ميداناً آمناً لهروب قادتها المطلوبين للعدالة، ذلك أن هؤلاء، هم الأكثر حرصاً على استمرار هذه الاعتصامات، رغم قناعتهم أن الأمر قد قضي، ولا عودة لمرسي وشرعيته المزعومة، كون هذه الاعتصامات هي السبيل الوحيد لعدم القبض عليهم، ويجند هؤلاء كل المعتصمين لصالح قضيتهم ليس أكثر!
ولا يبدو في الأفق، وهذه هي الحال، أن حلاً أمنياً يمكن أن ينهي هذا الوضع بسلام، ولا نعتقد أن تأخير الحل الأمني يعود إلى دراسة السيناريوهات من قبل الداخلية المصرية، لفض الاعتصامات، بل بسبب العجز عن القيام بهذا الأمر بسلام، ففي مواجهة تنظيم مسلح، أمام شاشات الفضائيات، ينطوي هذا الحل على دماء غزيرة، لا تقبل الداخلية المصرية بإسالتها، ومرة أخرى، فإن الأمر لا يتعلق هنا بالحق والقانون، بل بالقدرة الهائلة التي تتمتع بها قيادات المرحلة الانتقالية من صبر وتعال على الجراح حتى لا تقدم وزارة الداخلية على اقتحام ميادين الاعتصام ما يكلفها الكثير من الدماء، حتى لو كانت دماء هؤلاء الذين لم يتوانوا عن إهدار دم الجنود والشرطة، وهذه حقيقة ثالثة.
ومن الواضح أن "الجماعة"، تحاول أن تجر الشرطة وربما الجيش إلى مواجهة دموية، تعود من خلالها إلى كونها "ضحية مظلومة" وفي هذا الوضع، يجب عدم الاستجابة لمحاولتها هذه، بل على العكس، فإن هذه الجماعة التي تشهد تآكلاً على كل المستويات، ينبغي عقد مصالحة معها، وهي في هذه الحال من الضعف والانحسار، ان المطالبة باستبعادها وإقصائها، رغم أنه مطلب محق، إلاّ أنه في ظل تعقيدات الوضع الراهن، فإنه من الأفضل بمكان، احتواء هذه "الجماعة" ودعوتها إلى المشاركة في الحياة السياسية بعدما يتم تقليم شعاراتها الدينية وفقاً لدستور، يمنع قيام الأحزاب على أساس ديني، أو على الأقل عدم رفع الشعارات الدينية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية وكافة أشكال العمليات الانتخابية الأخرى، وباختصار، يجب منع الجماعة من أن تقدم على "الانتحار" لأسباب عديدة، بعضها يتعلق بالقوى الإسلامية الأخرى، وعلى رأسها القوى السلفية، التي باتت في معظم فصائلها، بعد تجربة حكم الإخوان لعام كامل، أبعدوا هذه القوى التي كانت قد ناصرتهم في أكثر من ميدان ومجال، فإن الملاحظة الأخيرة في هذا الصدد تتعلق بفسح المجال أمام انكشاف مدى الخداع الذي تمارسه هذه القوى على الجمهور، وفي كل الأحوال، فإن "الجماعة" قد لا تذهب إلى انتخابات قادمة، كونها باتت تعلم مدى تدني شعبيتها بعد انكشافها، مع ذلك يجب عدم إقصائها أو إبعادها لأن ذلك يساعدها على الانتحار، وهو الأمر الذي يجب تجنّبه!
Hanihabib272@hotmail.com
www.hanihabib.net