خبر : تنازلات معقوله!! ...د.ناجى صادق شراب

السبت 03 أغسطس 2013 01:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
تنازلات معقوله!! ...د.ناجى صادق شراب



يبدو أن الوحيد المتفائل في إمكانية الوصول إلى إنجاز تفاوضى أو إلى تسوية سياسية خلال تسعة شهور هو وزير الخارجية ألأمريكية جون كيرى ، وقد يكون لهذا التفاؤل مبرراته التي قد يحتفظ بها ، لكن من منظور تفاوضى له سبب او أكثر ، وهو معرفة مسبقه بإستعداد كل طرف لتقديم تنازلات وصفها بالمعقولة ، وإدراك إن الولايات المتحده قد تلعب دورا أكبر ، لكن السبب الأكثر قبولا هو أن البيئة التفاوضية العربية والفلسطينية أكثر نضجا للوصول إلى إتفاق تفاوضى . 

وهنا يقفز إلى الذهن أكثر من تساؤل ما هو المقصود بالتنازلات المعقولة ؟ وما هى التنازلات التي يمكن أن يقدمها الطرفان الفلسطينى والإسرائيلى ؟ وما هى القضايا التي يمكن أن تتم فيها التنازلات المعقولة ؟ وما مدى وحدود أى تنازل لكل طرف؟ والإجابة علي هذه التساؤلات تحتاج إلى وقفة تحليلية موضوعية ، وتحتاج إلى صراحة في الموقف التفاوضى ،لكل طرف. وكما هو معروف في أدبيات المفاوضات أن المفاوضات هى فن إدارة التنازلات ، وهو ما يعنى انه لا توجد مفاوضات بدون تنازلات ، لكن حدود ومدى هذه التنازلات تتوقف على قوة كل طر ف، وما يملك من أوراق قوة ، وفى طبيعة التنازلات هل هى شكلية إجرائية لا تمس جوهرعنصرى ألأمن والبقاء لكل طرف ، ام أن التنازلات تتعلق بقضايا جوهرية وقد تشكل مساسا بعنصرى ألأمن والبقاء.

وقد يختلف مفهوم التنازلات من طرف لآخر ، فوزير الخارجية ألأمريكية يسميها بالتنازلات المعقولة . وتعرف المفاوضات أيضا بإمكانية التوصل لحلول وسط ، وهو ما يعنى أيضا أن أى طرف لن يحصل على ما يريد بشكل كامل ومطلق ، وإلا تحولت المفاوضات إلى مفاوضات إستسلام وهزيمة كاملة وهذه لا تحدث إلا في أعقاب الحروب وهزيمة طر ف بالكامل . ودعنا نطبق هذه التعريفات والمفاهيم على الواقع التفاوضى القائم . وبداية أريد إن اشير إلى اكثر من ملاحظة الأولى وهى أن ضعف الموقف فالفلسطينى لا يعنى بالضرورة تقديم تنازلات ، بالعكس عامل الضعف قد يصبح ورقة قوة يمكن أن توظف جيدا ، والملاحظة الثانية أن المفاوضات التي تتم ليست مفاوضات حرب ، اى اننا نستبعد مفاوضات بهزيمة كاملة ، على العكس تماما الموقف التفاوضى الفلسطينى ليس ضعيفا إلى درجة التنازل ، بل إن المفاوضات وإن بدت أنها تتم في بيئة تفاوضية لا تعمل لصالح الفلسطينيين ، بل إن كثيرا من المعطيات التفاوضية تعمل لصالح الفلسطينيين ، ومنها الواقع السكانى ، والتحولات العربية وألإقليمية ، والتحولات في موازين القوة دوليا ، وقد اذهب للقول ان فشل االمفاوضات قد لا يصب في مصلحة إسرائيل اكثر من الفلسطينين ، بمعنى أن إسرائيل في حاجة لإنهاء الصراع العربى ألإسرائيلى في هذه المرحلة أكثر من غيرها ، وإسرائيليا صحيح أن إسرائيل تحكمها حكومة يمينية متشددة تتمسك بالإستيطان ، وعدم قبول قيام دولة فلسطينية ، لكن في الوقت ذاته إسرائيل كدولة وليس كحكومة تعانى من تراجع في صورتها دوليا ، ولا يوجد ضمانات لإستمرار تحالفاتها الدولية وخصوصا مع الولايات المتحدة على حالها ، ولا أقصد بذلك تفكك التحالف الأمريكى الإسرائيليى ـ بل اقصد التحول في مكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية أحادية . 

إذن توجد حاجة مشتركة للتفاوض والتسوية تخوفا من البدائل البديلة للفشل والتي لا تعمل لصالح من الطرفين ، وهذا ما قد يفسر لنا الموافقة على إستئناف المفاوضات وفى هذه الدائرة يسجل نجاح وزير الخارجية ألأمريكى ، يوجد تراجع بالإهتمام بالقضية الفلسطينية ، ، وهذا التخوف على الجانبين هو الذي دفعهما للذهاب للمفاوضات ، وكما يقال اخف الضررين أو ألإختيار السئ من بين ألألسوأ. وحتى تنجح المفاوضات تحتاج إلى تنازلات ، وهنا العمل الشاق والضغوطات التي قد تبذل على كل طرف ، وحدود ما يمكن أن يقدمه من تنازل.

 والتنازل لن يكون شكليا وإجرائيا ، بل هو تنازل جوهرى وحقيقى ويتعلق بقضايا الصراع نفسها كاللاجئيين والقدس تحديدا ،وهاتان القضيتان جوهريتان لكل طر ف وقد تمس عنصرى البقاء وألأمن ،إسرائيل تصر على الإعتراف بيهوديتها وهو ما يعنى رفضا مطلقا لعودة اللا جئيين ، وإعادة تقسيم القدسن، وفلسطينيا لا احد يملك سلطة التصرف بحق العودة ، والقدس ،و ولكن ووفقا للميراث التفاوضى السابق ، والموقف من المبادرة العربية ، والقناعات والمدركات التفاوضية يمكن القول إن توجد مدركات بصعوبة التسليم بالموقف المطلق ، وهنا قد تبدو بعض المرونة والتي يسميها جون كيرى تقديم تنازلات معقولة ، وقد تطفو مقترحات التوطين ، والتعويض، والعودة للدولة الفلسطينية وهى أصلا قائمة ، والحلول الإقليمية وخصوصا مع ألأردن ومصر. والمقترحات الدولية لإدارة القدس ، وسيادة مفهوم السيادة الوظيفية بالنسبة للقدس، بعبارة أخرى أنه وإستنادا لمواقف تفاوضية سابقه مع توفر القرار السياسى يمكن الوصول إلى حلول وسط بالنسبة لهذه القضايا الجوهرية ، والذى قد يساعد على ذلك هو الإعترا ف بالدولة الفلسطينية في إطار حدود عام 67 ، وفى إعتقادى أن المفاوضات قد قطعت شوطا بعيدا فى موضوع الدولة الفلسطينية والقبول بها إسرائيليا في ظل ضمانات أمنيةليس صعبا الوصول إليها ، والقبول بمبدأ مقايضة ألأراصى لإدراك الجانب الفلسطينى بإستحالة إزالة الكتل الإستيطانية الكبيرة, في إطار هذا التصور التفاؤلى يمكن فهم التفاؤل الأمريكى .

 ويبقى القول أن هذه المفاوضات وإذا لم تنجح فلن تتم مفاوضات في المستقبل القريب وهو ما يعنى خلق واقع سياسيى جديد وخيارات جديدة قد تكون خارج سيطرة أى طرف ، ويبقى لي قولا أخيرا أن المفاوضين الرئيسيين الدكتور صائب عريقات وتسيبى ليفنى يعرفان بعضهما جيدا وسبق أن إتفقا على قضايا كثيرة في حكومة أولمرت . والسؤال الاخيرا إذا كان الواقع غير ذلك لماذا نذهب للمفاوضات؟
استاذ العلوم السياسية غزة
drnagish@gmail.com