خبر : المشكلة ليست في التصاريح بل في ثقافتنا ومؤسساتنا ...بقلم: عبد الناصر النجار

السبت 03 أغسطس 2013 12:58 م / بتوقيت القدس +2GMT



قبل أيام توجه زميلٌ مع أفراد عائلته للإفطار في حديقة عامة أنشأتها إحدى الدول الأوروبية، ففوجئ بأنه يتوجب عليه دفع 30 شيكلاً مقابل استخدام إحدى الطاولات، ما اضطره إلى الإفطار على الأرض، السبب في ذلك أننا نعشق مفهوم الخصخصة، لأننا خصخصنا عملياً معظم الحدائق العامة، وربما جميعها في محافظة رام الله والبيرة، بحيث أصبح من المحرّم على ذوي الدخل المحدود والفقراء الوصول إلى هذه الحدائق.

ولعل الطبقية تظهر بشكل جلي في رام الله والبيرة، فالفئات الفقيرة الكادحة لا تستطيع الخروج من بيوتها للتسوق أو التنزه لأن كل شيء له ثمن، وبل ثمن باهظ، ففي المدينتين مقاه أغلى من باريس، فنجان القهوة قد يصل إلى 40 شيكلاً و"الأرجيلة" إلى 50 أو 60 شيكلاً تحت مسمّيات ما أنزل بها من سلطان، إلاّ انسلاخنا عن ثقافتنا المحلية لثقافة مستوردة قشورها تبدو جيدة ولكن جوهرها ربما يكون فاسداً.
عندما لا تكون هناك متنزهات عامة أو حدائق خضراء مفتوحة للمواطنين، وأسعار جنونية في كل المجالات، يحاول الناس البحث عن بديل لهذا الوضع.. البديل الأقرب والأرخص، هو القدس المحتلة أو داخل "الخط الأخضر"، فكل شيء متاح وربما مجاناً.. عائلة من أربعة أشخاص مثلاً تستطيع الوصول إلى يافا بتكلفة 100 شيكل من القدس المحتلة إلى يافا، ومن هناك تتجول في كافة المتنزهات وعلى شاطئ البحر... ولن يسألك أحد عن رسوم دخول إلى المتنزهات أو إلى الشاطئ فالكل سواسية.
يمكنك، أيضاً، أن تتسوق في القدس المحتلة وتقضي ساعات في الحرم القدسي والأماكن الدينية والأثرية والسياحية وتجلس في الحدائق المحيطة بأسوار البلدة القديمة.. وكل ذلك مجاناً.. أمام هذا الواقع المرير يحاول كثير من المواطنين أن يجدوا المتنفس في هذه التصاريح التي لا مفرّ منها بما أن كل قيادتنا، أيضاً، تحصل عليها أيضاً.. فلا نريد مزاودة على الناس فالقيادة تصنف تصاريحها من VIP1 وحتى 2 و3... وتصاريح الصفر صفر إلى التصاريح المقيدة بساعات محدودة.
إذن المشكلة ليست في التصاريح بل في ثقافتنا نحن، ثقافتنا التي قبلت مبدأ التصاريح، ثقافتنا التي يرغب تجارنا من خلالها بمضاعفة رؤوس أموالهم في سنة واحدة.. وإلاّ بماذا نفسر الأسعار الأرخص في مراكز التسوق الإسرائيلية. كثير من المواطنين الذين يتسوقون داخل "الخط الأخضر" خلال شهر رمضان والأعياد يؤكدون أن الأسعار هناك أرخص، والبضائع وإن كانت صينية فإنها أفضل.
المشكلة، أيضاً، في مؤسساتنا العامة، التي لا يعكس اسمها أفعالها، ادخلوا المتنزهات التابعة لهذه البلديات، عائلة مكونة من أربعة أشخاص لا تستطيع أن تدخل هذه الحدائق أو تجلس على الكراسي المتوافرة إلاّ بثمن باهظ، الأطفال لا يمكنهم استخدام الألعاب أو الأراجيح إلا بثمن... هذه التكلفة لا تستطيع العائلات الفقيرة أو محدودة الدخل تحمُّلها مطلقاً.. ورغم ذلك تصرُّ مؤسساتنا على تسمية نفسها بالعامة.
يا قيادتنا.. يا مسؤولينا لا تلوموا الناس.. يا تجارنا لا تلوموا المتسوِّقين.. بل لوموا أنفسكم.. تمهَّلوا قليلاً وانظروا ماذا أنتم فاعلون... إذا كنتم أنتم القدوة فلا تتهموا الشعب.. فكما يقول الشاعر:
إذا كان ربُّ البيتِ للدفِّ ضارباً
فشيمةُ أهل البيت كلّهم الرقص
abnajjarquds@gmail.com