خبر : برنامجهم لا يتلاءم مع حقائق العصر ....بقلم: صادق الشافعي

السبت 03 أغسطس 2013 12:56 م / بتوقيت القدس +2GMT



هل يمكن التقرير، باطمئنان، ان تجربة قوى الإسلام السياسي وبالذات حركة الإخوان المسلمين في الحكم كما كان روج لها وتوضحت أسسها قد انتهت الى الفشل؟ واذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا كان الفشل سريعاً الى هذه الدرجة؟

الإجابة عن السؤال الأول هي: نعم واثقة، التجربة قد سقطت فعلاً وسقوط التجربة لا يتعلق بقدرة تلك القوى في الوصول الى السلطة بأي طريق كان، وانما يتعلق أساسا بقدرتهم على بناء نظام سياسي مستقر يحظى بقبول أغلبية جماهيرية وعلى أساس برنامج وطني يتناسب مع احتياجات البلد الذي يحكمون، ومع طموحات أهله وحاجاتهم وأشواقهم بالذات لجهة الأمن والاستقرار والتنمية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني، تجربة قوى الإسلام السياسي في الحكم وبالذات تجربة الإخوان في دولة بحجم وأهمية مصر أكدت عدم امتلاكهم لمثل البرنامج المذكور، بل أكدت انهم يطبقون برنامجا نقيضا يقوم أساسا على الاستحواذ الكامل على الحكم وعلى كل مقدرات البلد وإنكار وجود وحقوق ومشاركة اي آخر وطني، وهو ما افقدهم قبول الأغلبية الكبري من أهل البلد وافقدهم بالتالي شرعيتهم حين خرجت تلك الأغلبية تنزعها عنهم وتفرض إسقاط حكمهم وقد كشفت تجربة مصر كل حركة الإخوان وامتداداتها خارج مصر ايضا، وحتى لو تحقق حلم حركة الإخوان في استعادة الحكم بالعنف او بالمخادعة او الاستقواء بالخارج او بأي طريق آخر، وهو امر يقترب من الاستحالة، فإن ذلك لن يكون النظام المستقر الموصوف أعلاه، بل سيكون حكماً يفرض نفسه وبرنامجه بقوة القمع وأشكال العنف والمعتقلات ولا يحظى بقبول الناس بل برفضها وسعيها المستمر لإسقاطه مرة أخرى خصوصاً وقد اكتسبوا نضجاً سياسياً وتجربة نضالية أعمق.
اما الجواب على السؤال الثاني، فهو اكثر تفصيلاً، واكثر قابلية للتأثر بالأفكار السياسية والمفاهيم الاجتماعية لمن يحاول الإجابة عنه فلو اخترقنا دائرة التابو التي يحاولون فرضها علينا بادعائهم تمثيل الدين والنطق باسمه وابتعدنا عن الأسباب التفصيلية العديدة سنصل الى ان السبب الجوهري وراء فشل تجربة قوى الأسلام السياسي في الحكم وبهذه السرعة هو عدم تلاؤم البرنامج الذي يحملونه مع طبيعة وحقائق العصر الذي نعيش فيه، وما كرسه من مبادئ وقيم وقواعد ومفاهيم عامة وحقوق عابرة للأوطان.
فلم يعد من الممكن ان يحكم الناس ببرنامج يتجه الى الوراء ويسعى لإعادتهم للخلف في وقت يتجه فيه العالم الى الأمام، خصوصاً وان الاستدارة للخلف لا تتم بهدف استقراء دروسه والاستفادة منها وتطويرها لتتلاءم مع العصر وحقائقه ومتطلباته، وانما بهدف استنساخ تجارب ومعطيات ذلك التاريخ كما حصلت قبل مئات السنين، بل وانتقاء اكثرها تشدداً وبعداً عن حقائق العصر ولم يعد من الممكن قبول مقولات مثل التعايش بين مواطنين في وطن واحد، او مثل مقولة التسامح في العلاقة بينهم، بعد ان ارسى العالم قواعد نظام يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية المتخطية لمثل هذه المقولات والمتخلصة من اي احتكام للدين او الطائفة او القبيلة، وعلى ضمان حق كل مواطن في اعتناق الدين الذي يؤمن به وفي ممارسة عباداته كأمر خاص بينه وبين الخالق، كما هو حقه في معتقداته الفكرية الاخرى وفي مزاولة نشاطاته السياسية والنقابية وكافة نشاطاته الأخرى لم تنجح حركة الأخوان المسلمين وهي الحركة الأم لمعظم قوى الإسلام السياسي في تطوير برنامجهم ليتوافق مع تطور العصر وما يحمله من حقائق وقيم ومعطيات جديدة، ودون ان يعني ذلك ضرورة لمغادرة الأساس الفكري الإيماني الذي قام عليه لم تكن الحركة مؤهلة، ولا يبدو انها الآن، للقيام بذلك، بما يتطلبه من عصف فكري جريء ومن نظرة نيّرة للعالم وللمستقبل ومن قدرات فكرية متميزة.
ما حصل هو العكس فبرنامج الحركة في تطبيقاته وتجلياته العملية زاد في سكونه وتصلبه وامعن في سيره الى الوراء بل خرجت من عباءته القوى الأكثر انشداداً الى الخلف والأكثر تصلباً وظلامية والتي تقف على يمين حركة الإخوان نفسها ووصل بعضها حد إدانتها ومناهضتها من اهم نواحي السكون والانشداد الى الخلف في برنامج حركة الإخوان المسلمين يبرز ثلاثة أمور : الأول، هو عدم القبول لأي آخر في الوطن والاعتراف به وبحقوقه والفرق ليس كبيراً في جوهر النظرة الى الآخر بين من كان من دين آخر او من نفس الدين فالنظرة في جوهرها تقوم أساسا اما على الانكار او على السيطرة والاستحواذ، ويصل في بعض الحالات الى الرفض. وانكار الآخر يصبح اكثر وضوحا حين يتعلق بالقوى السياسية الأخرى، اما اذا فرضت عليهم ظروف معينة في التعامل مع الآخر، السياسي منه بالذات، فإن ذلك يبقى في اطار التعامل الاستعمالي والظرفي المؤقت والثاني، هو النظرة الى المرأة بشكل عام ولدورها في المجتمع وهي نظرة تتسم بالتخلف والتفسير الذكوري الذي يحرم المرأة من كثير من حقوقها الأساسية ويجعل منها ملحقاً للرجل بدلاً من ان تكون متساوية معه في الحقوق والواجبات ومساهمة معه على قدم المساواة في الشأن العام وفي مسؤولية بناء المجتمع والدولة وتطورهما والثالث، رؤيته للدولة الوطنية ومعها الانتماء الوطني. حيث تقفز هذه الرؤية من الانتماء الضيق للجماعة الى تصور يوتوبي الى ما بعد الوطن، الى خلافة عابرة للأوطان وعابرة للوطنية وللقومية ايضا. يحدث هذا في الزمن الذي ارتضى به العالم فكرة الدولة الوطنية بعد اندثار الامبراطوريات.