خبر : عزل مرسي : جزء من سيرورة سقوط بشار الأسد وليس العكس ..ماجد عزام

الجمعة 02 أغسطس 2013 11:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
عزل مرسي : جزء من سيرورة سقوط بشار الأسد وليس العكس ..ماجد عزام



تعاطى أنصار الرئيس السوري بشار الأسد مع سقوط الرئيس المصري محمد مرسي بمزاج متشفي وثأري وحاولوا الإيحاء بأن عزل مرسي يثبت نظريتهم عن بقاء الأسد وتجاوز القلق الاستراتيجي له ولنظامه، ويؤكد من جهة أخرى سقوط الإسلام السياسي ليس فقط في مصر، وإنما في عموم المنطقة، بما في ذلك سورية طبعاً، وعلى قاعدة أسلمة أو أخونة الثورة السورية ونزع الطابع المدني الديموقراطي عنها.
هذا التعاطي يعبر حقيقة عن الأمنيات أكثر مما يعبر عن الوقائع، عوضاً عن تجاوزه المتعمد والمنهجي لمغزى انتفاضة 30 حزيران بوصفها إحدى روافد ثورة 25 يناير. كما لدلالات ميدان التحرير المتنقل من دولة عربية إلى أخرى الذي وضعه أنصار الأسد في سياق المؤامرة الخارجية المتنقلة، والهادفة إلى إضعاف وحتى تقسيم وتفتيت الدول العربية، وخاصة الممانعة منها خدمة للأهداف الأمريكية الصهيونية في المنطقة.
مثلت ثورة 25 يناير - كما الثورات العربية الأخرى - رفضاً جماهيرياً مليونياً لفكرة التوريث السياسي، كما للنظام العربي في مرحلة ما بعد الاستقلال الأول، والتي امتدت لستين عام تقريباً، نظام القهر والاستبداد الاستئثار والفساد الذي أمّم كل شيء لصالح السلطة الحاكمة قبل أن يخصخص ما أمّمه لصالح العائلة الحاكمة، هذا النظام الذي تم تأسيسه في مصر مع انقلاب يوليو 1952 قبل أن يتم استنساخه في جمهوريات العالم العربي، ومنها بالطبع سورية وبناء على ذلك فإن سقوط النظام الأصل في القاهرة جعل من سقوط أنظمة التقليد في الجمهوريات العربية الأخرى مسألة وقت فقط، وهذا هو الاستنتاج الأهم برأيي الذي تم الهروب المنهجي منه عبر شيطنة الثورات وتلطيخها بالدم ووضعها في سياق المؤامرة الخارجية الهادفة التي تستهدف وحدة الدول العربية واستقرارها.
أسقطت ثورة يناير فكرة التوريث السياسي، كما االنظام الملكي المقنع بقناع جمهوري، أما انتفاضة 30 حزيران المليونية، فلم تأتي بغرض العودة إلى الماضي أو بهدف نسف مكاسب ثورة يناير، وإنما للحفاظ عليها والتأكيد على فكرة الدولة المدنية الديموقراطية كبديل للنظام الأحادي الاستبدادي ورفض أي استبداد آخر فكري أو حزبي ما يعني أن لا مجال لبقاء نظام الأسد في العالم العربي الجديد، لأن التأسيس لنظام عربي مدني ديموقراطي عادل في القاهرة يعنى حكماً يصبح استنساخه في العالم العربي مسألة وقت فقط تماماً، كما كان الأمر مع انقلاب 1952، وبالتالي فلا مجال للشك أن لا مكان لنظام الأسد في العالم العربي الجديد الذي ظهرت أولى ملامحه مع ثورة يناير، ثم تبدت بشكل أكثر وضوحاً مع انتفاضة حزيران.
الاستنتاج الآخر من انتفاضة حزيران والذي يثبت أن احتفال جماعة الأسد ليس في محله، يتعلق بالمواقف العربية من عزل مرسي وتجاوز الموقف الأمريكي المتعلثم والمرتبك من التطورات المصرية، علماً أن نفس الأمر يمكن قوله أيضاً عن المقاربة الأمريكية للثورة السورية.
وضعت إدارة أوباما ما يشبه المحددات تجاه التطورات في مصر وتحديداً منذ وصول الرئيس محمد مرسي للسلطة العام الماضي، وتضمنت تلك المحددات الحفاظ على الاستقرار العام في مصر، وعدم تحولها إلى دولة فاشلة وضمان استمرار معاهدة السلام مع إسرائيل والحفاظ على الاستقرار والهدوء على الحدود بين البلدين، وكل ذلك على قاعدة الانفتاح والتعاون مع الإخوان المسلمين في سياق مواجهة أوسع مع التنظيمات الإسلامية السلفية االجهادية، مثل تنظيم القاعدة والأطر الأخرى المتفرعة عنه أو المتساوقة معه فكرياً.
بناء على تلك المحددات تعاطت الإدارة الأمريكية مع التطورات العاصفة في القاهرة، وهي لم ترى ضرراً في بقاء الرئيس مرسي ونظامه، طالما أنه لم يكسر الخطوط الحمر، وهددت باتخاذ إجراءات عقابية رداً على عزله بحجة الالتزام بالقوانين الأمريكية، التي تمنع تقديم أي نوع من المساعدات أو الحماية لمن ينقلب على نظام ديموقراطي منتخب، وعلى طريقتها حاولت الهروب من المأزق بتلافي أي تعريف محدد لعزل مرسي سواء أكان ذلك انقلاب عسكري أو تدخل منطقي من الجيش لدعم حركة شعبية واسعة، كما لمنع حرب أهلية بين أنصار الرئيس المعزول ومعارضيه، ما قد يحول مصر فعلاً إلى دولة فاشلة، وهو ما تخشاه واشنطن حفاظاً على مصالحها القومية التي تمثل الأساس لموقفها من التطورات والأحداث العاصفة في المنطقة.
هذا الموقف الأمريكي المتلعثم والمرتبك والأحجام، ولو المرحلي عن تقديم الحماية السياسية والاقتصادية للنظام المصري الجديد دفعت دول عربية عدة إلى أخذ زمام المبادرة وتقديم الحماية السياسية والاقتصادية اللازمة والضرورية للقاهرة، وتجاوز أو حتى عدم المبالاة بالموقف الأمريكي الذي لا يأخذ بعين الاعتبار إلا المصالح الأمريكية وبغض النظر عن مصالح المنطقة وأهلها.
أمر مماثل يمكن توقّعه في السياق السوري، أيضاً لجهة تجاوز المحددات أو اللاءات الانعزالية الأمريكية التي طرحها الرئيس الأمريكي ببرود في مقابلته التلفزيونية الشهيرة مع قناة سي بي أس - الاثنين 15 حزيران - والتي لا تهتم بإحراق الأسد لسورية أو حتى للمنطقة كلها، طالما أنه ذلك لا ينال من المصالح القومية الأمريكية أو يؤثر بشكل مباشر وسلبي على أمن إسرائيل واستقرارها، كما أن واشنطن ترفض ممارسة أي ضغوط فعلية، وحتى تقديم تنازلات جدية لموسكو لإقناعها بالضغط على حليفها السوري من أجل التنفيذ الأمين الدقيق والعادل لإعلان جنيف لجهة إجراء انتقال سلمي وجدي للسلطة، عبر تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات ما يعني ليس فقط نهاية نظام الأسد وإنما نهاية المأساة التي تعيشها سورية منذ عامين ونصف تقريباً.
التجاوز العربي المبادر والجريء للموقف الأمريكى على قاعدة وقف المعادلة المجنونة القائلة الأسد أو نحرق سورية والمنطقة، وتقديم دعم عملي وملموس للمعارضة السورية عبر قيادتها المدنية الديموقراطية وجناحها العسكري لإجبار الرئيس السوري على الاقتناع بتسليم السلطة، وإن لا أمل له بالنجاة حتى عبر الكيان الطائفي والممر الآمن من دمشق إلى الساحل مروراً بحمص، علماً أنه خيار انتحاري له ولنظامه وغير قابل للحياة على المديين المتوسط والبعيد.
عزل مرسي عبّر إذن عن المعطيات الفكرية والسياسية السابقة مجتمعة ما يعنى أن سقوط الأسد هو حتمي وأكيد ومسألة وقت فقط، علماً أن هذا حدث نظرياً منذ يوم 15 آذار، عندما كسر الشعب السوري حاجز الخوف وحطم جدار الصمت، وربما منذ يوم 25 يناير عندما أسقط الشعب المصري فكرة التوريث السياسي ولو بأثر رجعي ليس في مصر، وإنما في المنطقة العربية التي تأخذ تاريخياً صورتها وهو ما تبدى بصورة لا تقبل أي شك في العقود الست الأخيرة.
• كاتب فلسطيني