خبر : المفاوضات بين مُخَيلَتينْ..!....بقلم: محمد ياغي

الجمعة 02 أغسطس 2013 10:50 ص / بتوقيت القدس +2GMT



المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية التي بدأت هذا الأسبوع كانت متوقعة. ما هو غير المتوقع، أنها لم تبدأ من قبل. لا يعود السبب في ذلك الى رغبة القيادة الفلسطينية في التفاوض، ولكن لعدم استعدادها لتحمل تكلفة خيارات أخرى. إذا أضفنا لذلك العجز المالي الذي تعاني منه السلطة منذ سنوات ووجود أكثر من 150 ألف موظف في "رقبتها" تعيلهم شهرياً، فإن صمودها لمدة تزيد على الثلاث سنوات بدون تفاوض هو المفاجئ حقاً.

من لا يعيش في الوطن، يتردد كثيراً قبل أن يطلب من السلطة أو غيرها أن يفعل كذا وأن لا يفعل كذا.. ففي نهاية المطاف من يتعرض للضرب بالعصي ليس مثل الذي يَعُدها، وانا أَعُدها، ولا أتعرض لها.. لذلك لن أطرح خياراً يُعرِضْ الفلسطينيين "للضرب"، ولن أعترض على المفاوضات، وعوضاً عن ذلك سأقترح أن تترك السلطة إسرائيل تقوم بأعمال رسم حدودها من جانب واحد.
بإمكان السلطة أن تفاوض وأن تذكر بأن حدود ما قبل هزيمة العام 1967 هي حدود الدولة التي تريدها وأن القدس العربية عاصمتها وأن هنالك قضية لاجئين يجب حلها.. لكننا نتخيل طبعاً أن إسرائيل، وفي عصر يَمينها، لن تقبل بذلك.. والحقائق تعزز ذلك حيث بدأت المفاوضات بدون مرجعية الحدود وبدون وقف الاستيطان.
نتائج المفاوضات كما نعلم خاضعة لموازين القوة..اليوم الطرف الفلسطيني في أضعف حالاته، فالوفد الفلسطيني يذهب للتفاوض والعالم العربي يعيش أسوأ لحظاته، بما فيه الدولة الكبرى مصر. لذلك لا يوجد أدنى أمل في أن يتمكن الوفد الفلسطيني من تحصيل الحدود الدنيا من مطالبه على الرغم من التنازلات المعلنة التي قدمها بما في ذلك تبادل الأراضي والتنازل عن حق العودة لفلسطين التاريخية، ودولة منزوعة السلاح، وربما أيضا أشياء أخرى لا نعرفها مثل "منزوعة السيطرة على حدودها ومعابرها."
في المحصلة الوفد الفلسطيني يجلس على طاولة المفاوضات.. لكن إسرائيل ستفاوض إسرائيل.. الوفد الفلسطيني سيتحدث بالتأكيد، وصوته سيكون عالياً، لكن إسرائيل غير معنية بالإنصات له أو حتى بالرد عليه، فهي تعلم ما يريد وما هو جاهز لتقديمه من تنازلات، لكن ذلك لا يعنيها..لماذا؟
لأن قيادات إسرائيل نفسها لا تعلم الى الآن ماذا تريد أن تترك للشعب الفلسطيني من أرضه.. بلغة أوضح، لو كانت إسرائيل حقيقة على استعداد لإعادة 70 في المائة من أرض الضفة للفلسطينيين، لكانت قد أعلنت بأن هذا أقصى ما يمكن أن تقدمه لهم، لكنها حقيقة لا زالت في مرحلة التفاوض مع نفسها.. ما يجعل إسرائيل مترددة في تقديم حل هو أن الظروف المحيطة متغيرة.
عندما سقط مبارك ربما في المُخيِلَة الإسرائيلية، ارتفعت نسبة الأرض التي يمكن عرضها على الفلسطينيين في أية مفاوضات، ليس احتراماً للفلسطينيين، ولكن احتراما لمصر.. عندما سقطت سورية في حربها الأهلية، هذه النسبة تراجعت في المخيلة الإسرائيلية، لأن العرب أصبحوا أضعف.. وعندما بدأت مصر تنكمش على نفسها بسبب "معاركها" الداخلية، قَلَتْ النسبة في مخيلتهم أكثر وأكثر.. الآن من يدري.. والحديث لا يزال عن المُخيلَة الإسرائيلية، ربما يتوفر ظرف لا داعي فيه أصلاً لعرض أي شيء على الفلسطينيين.. ربما تكون هنالك فرصة لتهجيرهم الى الأردن مثلاً.. وربما فرصة لإلحاق الأجزاء ذات الكثافة السكانية العالية بالأردن، وليس من الضروري التهجير المباشر.
المُخيلة الإسرائيلية لا تتعامل مع واقع ثابت.. بمعنى هنالك أرض مُحتَلَة، فيها شعب، ولديه قيادة مصممة على استرداد حق شعبها..وهي مسألة يجب أن تقوم بِحلها الآن.. بل تتعامل مع المسألة الفلسطينية من واقع متغير.. ومتغير بسرعة.. هذه المخيلة هي محصلة تجربتهم في المائة عام الأخيرة.
إسرائيل حصلت على وعد بوطن في فلسطين عندما لم يكن في فلسطين أكثر من ثلاثين ألف يهودي.. وحصلت على قرار تقسيم يعطيها 56 في المائة من أرض فلسطين عندما كان اليهود يمتلكون من أرض فلسطين الزراعية أقل من ثمانية في المائة وعددهم يقل بمرتين عن عدد الفلسطينيين.. وإسرائيل حصلت على 78 في المائة من أرض فلسطين في لحظة لم تخطر على بالها هي.. وإسرائيل حصلت على 100% منها في عصر القومية العربية.. المُخيلة الإسرائيلية فيها كل ذلك..المجهول بالنسبة لها، ليس من الضروري أن يكون في غير صالحها.
هذه المُخيلة، تدفع قادة إسرائيل الى تأجيل الاتفاق فيما بينهم، وليس مع الفلسطينيين، على ما يجب أن يقدم للفلسطينيين بمثابة حل للصراع.. المشكلة إذاً، هي ليست في الرفض الفلسطيني للعرض الإسرائيلي، ولكن في عدم وجود عرض إسرائيلي من حيث الأساس.
ماذا بإمكان الفلسطينيين أن يفعلوا؟
بإمكانهم أن يشاركوا إسرائيل مُخيلتها.. بمعنى أن يطيلوا من جانبهم أمد المفاوضات على أمل حدوث تغير في غير صالح إسرائيل.
ركزوا جيداً، إسرائيل لم تهزم حيث توجد الدولة العربية القوية.. إسرائيل هزمت في غيابها.. حزب الله لم يحرر جنوب لبنان لأن الدولة اللبنانية قوية.. الصحيح لو أنها كانت قوية لكانت قد منعت حزب الله من المقاومة.. جبهة الجولان لم تطلق منها رصاصة واحدة عندما كانت الدولة السورية قوية..المقصود من ذلك مثلما للإسرائيليين مُخيلة عَينها على المستقبل لتسوية الصراع مع الفلسطينيين في غير صالحهم.. يحق للفلسطينيين أن تكون لهم نفس المُخيلة.. بمعنى رؤية الأشياء من خلال المستقبل الذي قد يعمل في غير صالح إسرائيل.
بانتظار ذلك، ستقوم إسرائيل بسرقة الأرض، وهي لا تنتظر من الفلسطينيين إقرارا بسرقتها، وعندما لا يتوفر المزيد منها للسرقة، وفي غياب حل يأتي من "المتغير" المرتبط بالمُخيلة، ستقوم إسرائيل برسم حدودها من جانب واحد.. ليس في هذا ما يجب أن يُخيف الفلسطينيين، وربما يكون هذا أفضل لهم من حَلْ يُكْرَه الفلسطينيون عليه في المفاوضات ثم يُقال عنه بأنه عادل ودائم ومتفق عليه بينما في حقيقته هو نتاج مفاوضات إسرائيل لذاتها.