لا أحد يمكنه أن يعرف ماذا سيكون عليه قرار الرئيس محمود عباس، في مواجهة استحقاق الرابع عشر من الشهر الجاري، هل سيمدد لرئيس الحكومة رامي الحمد الله، وهل يسمح له القانون الأساسي للسلطة بذلك، أم انه سيكلف شخصية أخرى لرئاسة الحكومة، ام أنه سيتولى رئاسة الحكومة بنفسه، دون انتظار للتوافق مع حماس والفصائل، على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسته، ام أن معجزة ستتحقق خلال أقل من أسبوعين، بحيث تتوافق "حماس" مع الكل الوطني، وتستجيب لدعوة الوحدة، فتكون حكومة الوحدة مبتدأ عملية المصالحة والوحدة الداخلية، التي ستتبعها انتخابات عامة وترتيب أوضاع م ت ف، وما إلى ذلك.
الاهتمام الفلسطيني العام يبدو قليلا بهذا الاستحقاق، نظراً الى ان الجانب الفلسطيني قد بدأ عملية تفاوضية مع الجانب الإسرائيلي قبل أيام، كما أن الفلسطينيين انشغلوا منذ شهر بما يحدث في مصر من سقوط مدو لنظام الأخوان المسلمين، الذي ينعكس بقوة على الوضع الفلسطيني الداخلي، ليس ارتباطا بأهمية مصر بالنسبة للفلسطينيين، بل نظرا الى ان حركة حماس ترتبط بعلاقات أيديولوجية وتنظيمية مع أخوان مصر، وبالأخص حماس / غزة، فيما لا تخفي السلطة الفلسطينية وفتح ومعظم الفصائل والقوى انحيازها الى جانب وحدة الشعب المصري وجيشه وشرطته في مواجهة الإخوان و"القاعدة" والجماعات الجهادية التي تجر مصر الى حرب أهلية في سيناء وبعض المدن المصرية، لذا فإن حرباً إعلامية عادت مجدداً بين حماس وفتح، على هذه الخلفية، بما يشير الى أن أجواء المصالحة ما زالت بعيدة المنال.
الفعل الأهم إذا هو العملية التفاوضية التي تجري في واشنطن في اجواء قريبة من السرية، تشير الى أن هذه الجولة التفاوضية تختلف عما كان قبلها، فلا هي تشبه مفاوضات مدريد / واشنطن، ولا كامب ديفيد، شرم الشيخ، طابا ولا أنابوليس العلنية، حيث كان المتفاوضون يخرجون على الملأ بعد كل جولة محادثات للتصريح والإعلان عن مواقف الطرفين بخصوص كل بنود الحوار، والحديث عما اتفق وعما اختلف بشأنه بينهما، وبالتالي لم تفض بالنتيجة ورغم كل تلك السنين وكل تلك الجولات الى شيء، ولا هي تشبه مفاوضات أوسلو السرية التي أفضت الى اتفاقات إعلان المبادئ، وما تبعه من اعتراف متبادل واتفاق القاهرة أو غزة / أريحا أولاً.
تتضارب الأنباء، نظراً الى عدم إقدام أطراف التفاوض للإعلان او التصريح عما جرى مناقشته، ولا عما حدث بالضبط، لم تخرج تسيفي ليفني ولا صائب عريقات ولا حتى جون كيري بتصريح أو إعلان لأحد، وربما هذه هي طريقة جون كيري أصلا، والتي حققت له النجاح في التوصل الى الحل فيما يخص جنوب السودان، حيث كان شماله من أول الدول التي اعترفت باستقلال جنوبه!
بين تفاؤل بنيامين نتنياهو الذي قال بأنه لو تم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين داخل حدود الدولة الفلسطينية واتفق الجميع على التعويضات فان اغلبية الأمور الأخرى يمكن ان يتم اتفاق عليها خلال أيام، وبين تشاؤم ياسر عبد ربه الذي قال بأنه لا ينصح أحدا بالتفاؤل بنجاح المفاوضات نظراً لأنه ينتظرها قدر هائل من الصعوبات، خاصة في ظل حكومة يمينية، وفي ظل تصاعد قوة المستوطنين، لا احد يمكنه أن يقف عند حدود ما حدث في الجولة التفاوضية الأولى، وإن كان جون كيري لمح بقدر من التفاؤل أقل من نتنياهو الى نجاح مرتقب للمفاوضات حين أشار بحديثه الى بعض أعضاء الكونجرس الى ان اكثر من 85% من المستوطنات ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية.
مع ذلك نحن نظن بأن مصير المفاوضات سيظهر خلال بضعة أسابيع فقط، فتصرف الرئيس إزاء استحقاق حكومة السلطة خلال أيام سيظهر الى حد ما الاتجاه الذي تراهن عليه السلطة اكثر من غيره، كما ان أواخر أيلول، أي موعد اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، يشكل بدوره محطة مهمة، كان مصدر أميركي في البيت الأبيض أشار الى أن الهدف من إطلاق المفاوضات أصلاً كان محاولة إسرائيلية / أميركية لتجنب سعي فلسطيني محتمل في ظل توقف العملية السياسية، لشن حرب ديبلوماسية على إسرائيل كما حدث العام الماضي، وذلك بالسعي لنيل عضوية فلسطين في عدد من المنظمات الدولية، ومن خلال تقديم طلب عضوية فلسطين الى مجلس الأمن.
لذا فربما تفتر عزيمة الأميركيين والإسرائيليين، بعد شهرين من الآن، وتعود "ريمة لعادتها القديمة" بتمويت المفاوضات، التي هي على كل حال، تحتاج فقط الى قرار سياسي والى ارادة سياسية بعد ان تم إشباع الملفات كافة بالحوارات والمباحثات، خاصة في طابا العام 99، وخلال حكومة اهود أولمرت / تسيفي ليفني، والجميع يعرف تفاصيل الاتفاق حول كل بنود التسوية والحل.
Rajab22@hotmail.com


