خبر : دقيقه سكوت لله ...لنا شاهين

الخميس 01 أغسطس 2013 03:42 م / بتوقيت القدس +2GMT
دقيقه سكوت لله ...لنا شاهين



دق جرس هاتفي ، بالمناسبة ، هاتفي يغني ولا يدق و لكنها العادة قد جرت ان نقول دق جرس الهاتف ، في انتظار مجمع لغوي سبور او بحبوح يقوم بتحديث اللغة العربية من جديد فيصبح بامكاني ان اقول غنى هاتفي ، دون ان يستهجن احد قولي .. اسراف في الكلام ، اعرف ذلك ولكن الضرورة اقتضت التنويه ، فلنعد الى صلب الموضوع ، دق جرس هاتفي وكان المتحدث صديقا عزيزا ، قال ضاحكا على غير عادته ، الضحك هو الذي على غير عادته وليس القول :

- يا عمي انتي غاوية خروج على الاجماع ، لسه ما طبتي من الحول الفكري اللي صايبك..

اجبته وانا اتحفز لهجوم صاعق تتشكل هيئته شيئا فشيئا:

- خير يا سيدي ، قال يا قاعدين يكفيكو شر المتصلين..

اجاب بنبرة ودية اعرفها جيدا عندما يكون مستشعرا تلبد غيوم غضبي فيعمد الى تبديدها مسبقا ..

- انا قريت مسلسلك وقريت قبل هيك مقالاتك ، لقيتك في واد وكل العالم اللي بتكتب معاكي وحواليكي وفي نفس الموقع في واد اخر

ادهشني قوله فتعمدت ضبط اعصابي حتى لا اضيع فرصة قد تكون ذهبية لافهم ما يدور في عقله

- مش فاهمه ، هي وزارة الثقافه او الاعلام موزعين جدول بالموضوعات اللي ممكن نكتب فيها ، زي ما وزارة الاوقاف بتعمل في خطب المساجد ؟

- لا ، مش قصدي ، بس يعني مستغرب ، كل الناس بلا استثناء بتكتب في موضوع واحد اللي هو موضوع الساعه ، وكل يوم ، وانتي بس اللي مش منضبطه ، شكلك من الخوارج..

ضحكت وقد ادركت انه يمازحني :

- شكلك مواظب على مسلسلات رمضان ، ماشي يا سيدي ، من بكره راح اشوف ايش الموضوع اللي داير اليومين هادول واحط راسي بين الروس واقول يا قطاع الروس .

صاح محدثي في فزع

- لا منشان الله ، انا بمزح وحياة ربنا ، وللا اقولك ياستي ضربوا الاعور على عينه ، اكتبي زي غيرك وماحدش بيموت من نكد القراءة

اغلقت الهاتف فاكتشفت ان عيون الزملاء الجالسين امام مكتبي تحملق في بشيء من الاستغراب الاستنكاري ، سألت

- ايش في ، مالكو..

سمعت الرد ياتي كصدى الصوت ، موجات موجات ..

- انتي بتتكلمي جد ، بدك تكتبي في نفس الموضوعات اللي بيكتب فيها التانيين .. يا عمي الناس ملت مقالات السياسة بدها تهرب لاي شي تاني .. طيب الاول حاولي تقري ولو كام سطر من اي مقال من اللي بدك تكتبي زيهم .. وليش نروح بعيد ، شوفي عدد القراءات لاي مقال منهم وقارنيه باي مقال مختلف زي اللي بتكتبيهم .

- فكرة معقولة ، والميه بتكدب الغطاس..

قلتها لنفسي وانا اتحول عن الزملاء الى التركيز في اللاب توب في اشارة لانهاء الحوار .

يا اهل المغنى دماغنا وجعنا ، دقيقه سكوت لله .. طفت على سطح ذاكرتي وانا اتنقل بين المواقع الاخبارية والصحف الالكترونية ، ليس بخفة وبهجة فراشة تحاول ارضاء كل الازهار ، ولكن بقلق وعصبية طائر كركز لا يستقر في موضع ولا يثبت في اتجاه واحد ، اينما وليت وجهي لم اقرأ الا عناوينا تقطر دما ، ولم اكتشف بين السطور الا مؤامرات ونوايا خبيثة واتهامات تلقى جزافا ، وحملات تحريض وتأليب وتخوين ، ولم تكتحل عيني الا بصور القتلة والمقتولين ومن هم سائرون على ذات الطريق .. مش اشكال ، هذه طبيعة الاخبار ومهمة من ينقلها ، وهذه المواقع لا تصنع الخبر وانما تحاول ان تقدمه للمشاهد كما هو على الارض ، طبعا انا افترض حسن النية ولا اترك لعقلي فسحة من شك او ريبة في ارتباطات هذا الموقع وتوجهات ذاك ، ما يجعل بين القائمين عليه وبين الحيادية في عرض الخبر ما صنع الحداد .

بلاها الاخبار يا سيدي ، فلنلج عالم المقالات الرحب بما يتمتع به من استقلالية تتيح لمن يدلوا بدلوهم فيه ان يختاروا موضوعاتهم ويعرضون وجهات نظرهم دون ضغط او اكراه ودون تحديد لطبيعة المقال ، يعني ليس موضوع انشاء تحدده المعلمة للتلاميذ فلا يستطيعون منه فكاكا ولا يقبل منهم الا ما يندرج في اطاره ، ولن اقول لكم او اصف ما رايت وما قرأت من عناوين ، انظروا الى يمين مقالي هذا والى يساره ، او الى ما فوقه وما تحته ولن تسألونني ماذا رأيت ، وماذا قرأت ، وبصراحة انا لم اقرأ غير العناوين وبصراحة اكثر ليس كلها . وقبل ان ينبري لي من يقول ، يعني ايش بدك يكتبوا واحنا في حالة حرب وضرب واشتباكات وصراعات وتحضيرات لما هو اسوأ ، اقولها انا بنفسي ، اعلم ان هذا هو ما وصلنا اليه الان في كل ارجاء المنطقة ، او في معظمها والباقي لا احسبه الا قادما وباسرع مما نتوقع ، ولكن ، صديقتي العزيزة هذه ال " لكن " تتيح للمرء ان يميل باتجاه صاحب وجهة النظر فيرضيه ، ثم يجره معه الى حيث يريد ، لذلك اقول ، ولكن اهو حتما مقضيا ان يكتب الجميع في ذات القضية وذات الاطار وذات التوجه مع اختلاف العناوين والمسارات ، اي ان الهدف واحد والاختلاف فقط في التكتيك وآليات العرض والتقديم ، الا يكفي مقال او اثنان في هذا الشأن ، او ، وهذا ما اتمنى لو كان ممكنا ، اليس لدينا كتاب يستطيعون تقديم كل مآسي الوضع الحالي مدمجة في قرص مغلف بالثقافة والفكر وربما الفن ايضا ، او حتى دس السم في الدسم من خلال حكايات سهلة الهضم وسريعة الذوبان في العقل ..

ما علينا ، قد يكون هذا صعبا ، افلا يجدر بنا بدلا من كل هذا الاستغراق في تحليل وتفنيد كل هذه المآسي والكوارث ما ظهر منها وما بطن ، ان نكتب في الامن والسلام وندعو الى اعتناق الحب ونبذ الحرب ، ولا اجد بدا هنا من ان اتذكر معلقة عنترة العبسي ويحضرني احد ابياتها وانا بصراحة اعشقها ، ولقد شفى نفسي وابرأ سقمها .. قيل الفوارس ويك عنتر اقدم .. طب يا عم عنتر مالقيت واحد يوحد الله ويقول لك ردك الله يا عنتر ، استهدى بالله يا عنتر ، عليها وش ابو فلان يا عنتر ؟!!

الكل يحرض ويشجع ويدفع باتجاه القتل وسفك الدماء .. ولا اريد ان اتهم العرب ، او اضيف الى ما لصق بهم من اتهامات على مر الزمان ، فاقول ان هذه عادة العرب وهي جزء من تركيبتهم او جيناتهم ، ولكني اقول ان هذه هي عادة الحرب وعادة موجات العداء التي تجتاح الشعوب في بعض الاحيان ، لا احد يقف ليفكر في السلام والحب ، ولا احد في وقت كهذا يكتب شعرا او ادبا لا علاقة له بالتحريض والتأليب ، ولو ان الالهام او شيطان الشعر املى على شاعر قصيدة غزل مثلا فسيخجل من البوح بها في ظل هذه الظروف ، ولو ان نزار بعث حيا في زمن كهذا لتبرأ من احلى قصائد الشعر في زماننا ولم يعترف الا بقوله ، ، خازوق دق ولن يقلع من شرم الشيخ الى سعسع ، هذا مع توسيع الرقعة الجغرافية بالتاكيد .. وبالمناسبة للمرة الثالثة ، هذه القصيدة يقال انها مدسوسة على شعر نزار ، لذا اقتضى التنويه ايضا .

وحتى الغناء يكاد يتوارى خجلا ، ولا اقصد الغناء خارج سرب طبول الحرب، بمعنى الكتابة في موضوعات اخرى فحسب ، ولكن غناء من ذلك النوع الذي ارانا سنجهله بعد حين ولا نعرف متى كان وفي اي عصر كان يشجي ويطرب ويهدئ النفوس وتسكن به الارواح وتستقر ..

وكم احسد اهل ذلك الزمان في اواسط القرن الماضي والذين رغم قلة عددهم كان من يغني منهم اكثر من المستمعين ، الى حد استفز شاعر العامية الاسطورة بيرم التونسي فقالها ، ولحنها وغناها المبدع زكريا احمد ، يا اهل المغنى دماغنا وجعنا ، دقيقه سكوت لله .. ترى لو اسقط بيرم على زماننا هذا ، هل كان سيصاب بحمى المقالات السياسية فيجدد دعوته لاهل المغنى بالسكوت ولو دقيقة عشان خاطر ربنا ، وتاخذه حمية الجاهلية فيصرخ ، هذا اوان الشد فاشتدي زيم.. ام انه كان سيقبل رجائي فيستبدل اهل المغنى باهل السياسة وكتاب مقالاتها .

ويا ايها الكاتبون في السياسة والحرب والضرب والمؤامرات وحملات التحريض ، وكل ما يقتل الرغبة في الحياة .. دماغنا وجعنا ، دقيقة سكوت لله .