بعد ثلاث سنوات من القطيعة التفاوضية بين الفلسطينيين و الاسرائيليين و افق الرئيس عباس على العودة الى طاولة المفاوضات التي بدأت من الناحية العملية في واشنطن قبل يومين. القرار لم يكن سهلا في ظل التنازل الفلسطيني عن اهم سبب في تعطيل هذه المفاوضات طوال الفترة السابقة و هو الاستيطان، اضافة الى عدم قبول نتنياهو بأن تكون المفاوضات على اساس حدود 67 و الافراج المسبق عن كافة الاسرى القدامى.
عاد الفلسطينون الى طاولة المفاوضات مجبرين في ظل عدم قناعه من كافة الفصائل تقريبا و في ظل تشكيك يصل الى حد اليقين انها لن تفضي الى اتفاق يحقق الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية. عاد الفلسطينيون الى المفاوضات في ظل انقسام طولي و عرضي يذبح بلا رحمه في الجسد الفلسطيني النازف منذ سنوات.
التشاؤم في الجانب الفلسطيني غير مسبوق، ليس فقط مقصورا على اولئك الذين يرفضون المفاوضات من حيث المبداء او اولئك الذين يعترضون على الشروط المجحفه التي على اساسها تم استئناف هذه المفاوضات، التشاؤم يشمل ايضا حتى الذين يدعمون قرار العودة لطاولة المفاوضات بما في ذلك المفاوضين انفسهم. لم اسمع فلسطيني واحد مقتنع بأنه في نهاية التسعة الشهور سيكون هناك اتفاق يقود الى دولة على حدود 67 و عاصمتها القدس الشرقية و حل عادل لقضية اللاجئين وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
ليس هناك فلسطيني واحد مقتنع ان نتنياهو سيعرض على الرئيس عباس اكثر مما عرضه باراك على الرئيس الرمز ياسر عرفات في واشنطن عام 2000، الموقف الاسرائيلي ابعد بكثير من هذه النقطة. ليس هناك قناعة ايضا بأن يعرض نتنياهو على الرئيس عباس ما عرضة اولمرت عام 2008، نتنياهو ابعد من ذلك بكثير. ليس فقط نتنياهو و حكومته اليمينية بعيدين جدا عن هذه النقطة بل ايضا الوضع الفلسطيني اسوء بكثير مما كان عليه اثناء مفاوضات كامب ديفيد او مفاوضات انابولس.
السؤال الذي يطرح نفسه، اذا كانت الادارة الامريكية غير متفائلة و تتحدث عن مفاوضات صعبه و ان الاسرائيليين في غالبيتهم العظمى سواء كان على صعيد القيادات السياسية او الرأي العام لا يثقون و لا يتوقعون ان تحقق هذه المفاوضات اتفاق سلام مع الفلسطينيين، و اذا كان الغالبية العظمى من الفلسطينيين سواء على صعيد الفصائل او القيادات او الرأي العام غير مقتنعين و لا يثقون في اسرائيل بأنها ستقدم اي شيئ في هذه المفاوضات يكون كافي لكي يقبل به الفلسطيني كحد ادنى من حقوقه المشروعه، ماهي مصلحة كل طرف في العودة الى طاولة المفاوضات؟
اولا: المصلحة الاسرائيلية
بلا ادنى شك فأن اسرائيل هي الطرف الاكثر استفادة من العودة الى طاولة المفاوضات ، ليس لانهم تواقون الى السلام او جاهزون لتقديم تنازلات للفلسطينيين ، بل لان اسرائيل عانت في السنوات الاخيرة من توقف العملية السياسية التي كانت تشكل لها غطاء لممارساتها الاستيطانية. خلال السنوات الماضية تم توجيه الكثير من الانتقادات لسياسة الحكومة الاسرائيلية و ممارساتها على الارض ، خاصة في مدينة القدس التي تتعرض الى عملية تهويد متواصله. العودة للفاوضات، حتى و ان كانت شكلية، يريح الاسرائيليين من الضغط الدولي، خاصة الاوروبي، سيما ان اوروبا اتخذت الكثير من الخطوات التي اوجعت الاسرائيليين و التي كان آخرها حرمان منتوجات المستوطنات المصدرة لاوروبا من الاعفاءات الضريبية و في نفس الوقت الزام اسرائيل بوضع علامة تحدد فيها ان هذه المنتوجات قادمة من المستوطنات .
اسرائيل من اكثر المستفيدين من استئناف المفاوضات، خاصة نتنياهو الذي اتهمه خصومه دوما بأنه ومن خلال مواقفه المتشددة يضر بمصلحة اسرائيل، العودة الى طاولة المفاوضات دون ان تستجيب اسرائيل لكل الضغوطات الدولية ، و على رأسها وقف الاستيطان في المناطق المحتله عام 67 يعتبر انتصار لخط نتنياهو المتشدد.
التنازل الجزئي الوحيد الذي قدمه نتنياهو هو الافراج عن الاسرى الفلسطينيين القدامى على اربعة مراحل.
ثانيا: المصلحة الفلسطينية
الجانب الفلسطيني وافق مكرها على العودة الى طاولة المفاوضات لثلاثة اسباب رئيسية، الاول، بسبب الضغوطات الامركية و الدولية التي مورست و التي لم تمارس بنفس القدر على نتنياهو الذي لم يتزحزح تقريبا عن موقفه. و السبب الثاني ان الرئيس عباس لا يملك اي خيار آخر في هذه المرحلة في حال رفضه هذه المفاوضات. رفض العودة الى طاولة المفاوضات سيكون له استحقاقات سياسية و اقتصادية قد تؤدي الى تقويض السلطة وربما انهيارها.
اما السبب الثالث فهو ان الرئيس عباس يدرك ان نتنياهو لا يملك شيئ و انه لن يحصل على اي شئ حقيقي من هذه المفاوضات و لكنه لا يريد ان يكون السبب او يكون الفلسطينيون هم السبب في تعطيل هذه المسيرة. هذا الامر لو حصل سيريح نتنياهو و سيعفيه من اي مسؤولية و سيقع اللوم كله على الجانب الفلسطيني في تعطيل عملية السلام.
ثالثا: المصلحة الامريكية
الادارة الامريكية التي كلفت وزير خارجيتها جون كيري بأدارة هذا الملف تعتبر ان استئناف المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني و الاسرائيلي هو مصلحة امريكية من الدرجة العليا. مجرد استئناف المفاوضات حتى بدون ان يكون هناك تقدير على انها ستقود الى اي شيئ حقيقي هو خطوة مهمة لعدم ترك فراغ في المنطقة.
ليس هناك ادنى شك بأن الادارة الامريكية قلصت كثيرا من تفاعلها مع ما يجرى من احداث و تطورات في الساحة الشرق اوسطية بالمقارنه مع السنوات الماضية و ان التركيز اكثر هو على الوضع الداخلي، لكن ما زالت تتحمل الكثير من المسؤوليات ، خاصة عندما يتعلق الامر باسرائيل.
اهمية العودة الى طاولة المفاوضات بالنسبة للامريكان هو اولا لملئ الفراغ السياسي الذي يسود هذا المسار منذ اكثر من ثلاث سنوات، و الامر الاخر هو للتأكيد على ان امريكا ما زالت هي القوى الاعظم المسؤولة عن ادارة النزاعات الاقليمية و الدولية. و الامر الثالث وهو التأكيد للراي العام الامريكي، و على رأسهم اللوبي الصهيوني ان ادارة اوباما نجحت في جلب الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات دون ان تضغط على اسرائيل في القضايا الجوهرية، خاصة قضية الاستيطان.
على اية حال، القاسم المشترك بين الاطراف الثلاثة هو ان الجميع يريد ان يكسب الوقت و يملئ الفراغ، كل طرف يريد ان يملئ الفراغ بما يعتقد انه يخدم مصلحته. اسرائيل تريد المفاوضات لملئ الفراغ السياسي و تخفيف الضغط جراء ممارساتها الاستيطانية، و السلطة و الرئيس عباس يريد ان يكسب المزيد من الوقت في ظل غياب الخيارات البديلة لديه و الامريكان ايضا يريدون ان يكسبوا الوقت الى ان تتضح اكثر معالم الامور في المنطقة.
الفرصة في ان ينتج عن هذه الماوضات سواء بعد عام او اكثر اتفاق مقبول على الطرفين هو احتمال متدني جدا، لسبب بسيط ان الفارق بين ما تستطيع اسرائيل تقديمه للفلسطينيين و بين ما يمكن ان يقبل به الفلسطينيين ما زال كبيرا جدا. في احسن الاحوال قد يتمخض عن هذه المفاوضات اتفاق مرحلي آخر تسبقة العديد من المحفزات الاقتصادية للسلطة لكي تستمر بالبقاء على قيد الحياة.
Dr.sufianz@gmail.com


