لماذا كتبت لنا شاهين الطريق الى مصر ؟؟؟ سؤال قد يطرحه الكثيرون وبحزمة مختلفة من الصياغات ، مبتداها التساؤل الاستفهامي ، واوسطها تساؤل المندهش المستغرب ، ومنتهاها ليس تساؤلا على الاطلاق بل استنكارا واستهجانا وربما استعلاء ايضا .. وبصفتي الممثلة الشرعية والوحيدة للنا شاهين ، دعوني احاول الاجابة على هذا السؤال بكل الحرص على لملمة جوانبه ومن كل زوايا طرحه حسنة النية كانت ام سيئتها.
انا لم اكتب الطريق الى مصر ، لكني فتحت قلبي وعقلي لكم في زمن يشهد اختلاط الحبيب بالعدو اختلاط ماء بماء ، وربما يقول قائل انه يمكن تمييز الماء عن الماء بعد التمازج بطريقة او باخرى ، مش اشكال ، فلنجعلها اختلاط هواء بهواء ، والشاطر يميز ، اعود فأقول اني فتحت قلبي وعقلي لكم لتروا بامهات اعينكم ما قد سطره على كل خلية من خلاياهما حب مصر ، ومن قبله ومن بعده حب فلسطين .
واعترف انني لم اذهب الى مصر لتغطية الاحداث بطلب مني ولكن بتكليف من جهة العمل لاقى رغبة في نفسي ولامس شغفا في قلبي فذهبت ، ولم اندم رغم كل المعاناة ، ولم احزن لما بدر من بعض اخوة او اخوات في ميدان التحرير او غيره ، فالقول ما قالت بائعة الترمس العجوز القابعة على احد الارصفة باطراف الميدان ، صوابعك مش زي بعضيها يا بنتي ، والقول ما قلته انا لنفسي وما زلت اقوله بكل الايمان بصدقه ، لا مكان للتعميم فيما يتعلق بالمبادئ والمفاهيم ، وحتى في ردود الفعل ، من الاخر ، كل ما يتعلق بالمحبة والبغضاء وما لا يكون الا بالحس والشعور معززا بالادراك والوعي والمعرفة بما ظهر وما خفي من بواطن الامور .
لن اطيل عليكم ، يعني اطمئنوا مش حعملها مسلسل ، كانت تجربة شخصية لم اختر خوضها بمحض ارادتي ولكني كنت راغبة فيها وبشدة ، وايضا استمتعت بها وافدت منها رغم كل منعطفاتها الحادة والخطرة والمؤلمة في بعض الاحيان ، ولانني اعتقدت جازمة ان فيها ، على الاقل فيها وليس كلها ، ما يستحق اطلاعكم عليه ، وما قد يزيدكم معرفة بالواقع على الارض ومن قلب الاحداث ، ودعكم من جانب معاناة الصحفيين فذلك الجانب لم يعد هناك من يجهله ولم اضعه انا في اي بند من بنود حساباتي عندما نقلت لكم تجربتي ، وايضا لانني طمعت في ، او طمحت الى تقديم صورة حية للوضع في مصر ممثلا بميدان التحرير ، تحملكم بعيدا الى هناك من خلال احداث الطريق الى مصر ، وتمنحكم فرصة قد تكون ذهبية للخوض في ذلك البحر المتلاطم الامواج وانتم تنعمون براحة بيوتكم وتستظلون بامن ركونكم الى الشاطئ ، وارجو خالصة الرجاء ان اكون قد افلحت ونجحت ، واكون قد وفقت حين عرضت ما انجزت.
تريدون الحق ، كل ما سلف من قولي جميل وعلى العين والرأس ، ولكن ... توقفوا عند "ولكن" هذه ما شاء او ماطاب لكم التوقف ، فهي قد غدت سمة عصرنا وملح زماننا ، واتحداكم ، بلاش اتحداكم ، لسه كابوس حرب الهوانم كابس على نفسي ، اراهنكم ، كمان بلاش الرهان ونحن في رمضان ، ادعوكم ، لا غبار على ادعوكم هذه حسب اعتقادي ، ادعوكم الى التأمل في كل ما نقرأه ونسمعه ، او نشاهده ، او حتى نعيشه من احداث ، ولا اخالكم ستجدون شيئا لا يمكن ان تتبعونه بكلمة " ولكن " الا الموت والولادة .. لهذا ساعود مطمئنة واثقة الى قولي ولكن .. ليس كل ما قلت في ردي على سؤال لماذا كتبت الطريق الى مصر ، ولا حتى بعضا منه ، هو بيت القصيد
بيت القصيد هو ، وبكل صراحة وجلاء ووضوح ، هو حب مصر ، ولا تظنوا انني عندما اؤكد على حبي لمصر اتناسى او اتجاهل حبي لفلسطين ، بل العكس هو الصحيح ، حب مصر بالنسبة لي هو حب فلسطين ، وصدقوني انني ارى واحس واؤمن بانه يكفي ان اقول انني احب مصر ليتاكد من يسمعها او يقرأها انني احب فلسطين ، فهما صنوان لا ينفصمان ..
وقد راعني ما شهدته من غياب او تغييب للوعي في مفاهيم واحاسيس بعض المصريين تجاه اشقائهم الفلسطينيين وعلى وجه الخصوص اهل غزة ، وآلمني اشد الالم وانكى الاسى والفجيعة ان يتخذ بعض الاعلاميين في مصر ، ولا اريد ان اسير معصوبة العينين على درب التعميم حتى في استخدام الالفاظ والمفردات واقول المأجورين او الحاقدين او كذا وكذا ، فهم حتى وان كانوا كذلك فلابد ان لهم منطقهم ورؤيتهم الخاصة ، رؤية قد تحتاج توضيحا او تصحيحا او تقويما ، نعم ، لكنها تبقى وجهة نظر لابد من التعامل معها دون انفعال يصب الزيت على النار ...
وهالني الى حد الفجيعة ان يتخذ هؤلاء الاعلاميون على قلتهم العلاقة الايديولوجية بين حماس غزة واخوان مصر ، احجارا يرصونها فوق بعضها البعض ليرتقوها ويطلون على بعض الفئات من الشعب المصري فيسمعونهم ما يحبون ، كونهم كارهين للاخوان ورافضين لحكمهم ، فترد عليهم تلك الفئات والقطاعات بما يحبونه ايضا ، وما يحسبونه انتشارا لهم وشهرة قد تزيدهم علو مكانة في نطاق المهنة والعمل ، غير آبهين بما يهيلونه من ركام تدمير علاقة ازلية بين شعب مصر وشعب فلسطين ، على المقهورين الذين تتقطع انفاسهم وتكاد تزهق ارواحهم في غزة تحت اكداس المعاناة والبؤس والشقاء جراء حصار اقل ما يمكن ان يقال عن افرازات لا مسؤولية بعض المتكسبين من العمل الصحفي والاعلامي في مصر ، انها تعيد احكامه من جديد وبدقة واتقان غير مسبوقتين في كل العهود ، لضمان خنق الغزيين ، ليس حماس وحدها ، ولكن كل الغزيين .
لهذا كتبت الطريق الى مصر ، او هو قد كتبني ، لا فرق .. ولهذا ادعوكم الى اعادة التأمل في فسيفساء الصورة وستدركون ان الحب هو اولها والحب هو اوسطها والحب هو اخرها ، واخر اخرها ، وبغيره لا ارى اي افق لتقويم ما فقد استقامته من اوضاع على الصعيد المصري الفلسطيني ، ولا لتصحيح مسار علاقة ود وتعاطف واقتسام آمال وآلام و مصير بين المصريين والفلسطينيين ، لا يعرف كم هي موغلة في اعماق التاريخ الا من يعرف متى بدأ التاريخ بالفعل .
الطريق الى مصر كان عزفا منفردا على اوتار روابط لا تنفصم عراها وحب سرمدي بين الاشقاء في مصر وفلسطين ، لا اراه الا اضافة قد تسبق او تلحق او تواكب جهودا مشكورة من قبل اخرين لرأب صدع علاقة لا اراها الا باقية على وديتها وحميميتها الى يوم الدين ، وان كره الكارهون


