فوجئت بالطريقة التي طلب بها القائد العام للقوات المسلحة المصرية الفريق أول عبد الفتاح السيسي من الجماهير المصرية للنزول للشارع لمنحه تخويلاً وتفويضاً بمواجهة الإرهاب والعنف، ذلك أن القوات المسلحة مفوضة بذلك وليست بحاجة إلى تخويل من أية جهة كانت، فهذا بعض واجبها، كما أن هذا الطلب المباشر من السيسي يتجاوز الرئيس المؤقت ورئيس الحكومة، لكن ما أثارني في هذا السياق، أن السيسي طلب تفويضاً شخصياً وخاصاً به، إذ على المصريين النزول إلى الشارع لمنح السيسي شخصياً تفويضاً، والاستخدام لهذه الصيغة في أكثر من مناسبة، عوضاً عن "تفويض القوات المسلحة والأمن والشرطة" لم يكن مريحاً لي على الأقل، خاصة وأن إحدى ميزات هذا الرجل الذكاء والحنكة.
لكن الرجل كان مستعجلاً، فالدعوة لنزول الجماهير المصرية لمنحه هذا التفويض، كانت قبل يومين من "الجمعة" التي يتوجب فيها أن يتم هذا الأمر، الزمن والتاريخ هنا يلعب دوراً أساسياً، 26 يوليو، هو يوم ذكرى خلع وطرد ملك مصر بعد ثورة 23 يوليو، وهو ذات اليوم عام 1956 الذي يؤمم فيه الرئيس المصري الخالد جمال عبد الناصر قناة السويس، ويوم الجمعة المذكور، في حسابات شهر رمضان، يمثل 17 من الشهر، ذكرى أول حرب في الإسلام "غزوة بدر" وهو ذات الأمر الذي أدى بالإخوان المسلمين في مصر، التهيئة لحشد هائل في "يوم الفرقان" كان من المتوقع أن يشكل تهديداً وجودياً لخارطة الطريق التي نادتها القوات المسلحة المصرية بعد ثورة 30 يونيو الماضي، دون أن ننسى، أيضاً، أن 17 رمضان من العام الماضي، شهد استشهاد 16 جندياً مصرياً أثناء الإفطار في سيناء على يد الإرهابيين.
لا أعتقد أن الفريق أول السيسي، كان قد اختار التوقيت الملائم حول يوم الجمعة 26 يوليو، آخذاً بالاعتبار التوقيتات السابقة المشار إليها، إلاّ أنه على الأغلب، اختار هذا التوقيت، كرد فعل على ما هددت به جماعة الإخوان المسلمين من مواجهات في المدن المصرية وشبه جزيرة سيناء في "يوم الفرقان" لذلك عمد السيسي إلى إحباط هذا التحرك الدموي، بتحرك شعبي من شأنه أن يعزز التغطية المطلوبة لأي رد فعل عسكري مصري على الإرهاب والعنف.
وعلى الرغم من ملاحظاتي السابقة على "الطريقة" التي طلب بها السيسي جماهير مصر النزول للشارع، إلاّ أني أعتقد أن مثل هذا الطلب كان ضرورياً وفي التوقيت المناسب، ويعبر عن إرادة قوية لدى القوات المسلحة المصرية وقوى الأمن والشرطة، بعد أن نفد صبرها، وتحملت تشكيك قوى عديدة بقدراتها، في أن تواجه كل احتمالات التحركات الدموية، خاصة وأن إمارتي "رابعة" و"النهضة" لم تتركا فرصة إلاّ وأكدتا على أن البديل عن عدم عودة الإخوان إلى الحكم في مصر، هو تدمير مصر، شعباً ودولة ومؤسسات، إما نحن أو الطوفان من بعدنا.
وكان من الضروري، التأكيد على أن الشرعية تنطلق من مبدأ السيادة للشعب أولاً وأخيراً، الشعب قال كلمته في الحشود الهائلة يوم 30 يونيو/حزيران، قبل خارطة الطريق التي أعلنتها القوات المسلحة، والآن، حشود شعبية أوسع، لدعم خارطة الطريق هذه، والأهم أن هذه الحشود، تشكل الرد على التشكيك الأميركي، بمدى شعبية الخطوات التي اتخذتها القوات المسلحة المصرية في سياق خارطة الطريق.
وإذا أشارت وسائل الإعلام العربية، إلى أن الحشود المصرية ضد "الجماعة" لم يشهد العالم لها مثيلا، فإن ذلك يفترض إعادة النظر بإحدى أهم المسلمات في علم السياسة، التي تفترض أن الديمقراطية المباشرة، "ديمقراطية أثينا" عندما كان العقد الاجتماعي يوقع على كل مواطني العاصمة الإغريقية، وأن اتساع نطاق المدن وزيادة أعداد السكان، أدت إلى الديمقراطية غير المباشرة، من خلال انتخاب الشعب لنوابه، الذين بدورهم يشكلون إحدى أدوات الحكم.. مع قدرة الشعب المصري على التعبير عن نفسه من خلال هذه الحشود الهادرة في الميادين، تبين أنه يمكن العودة إلى الديمقراطية المباشرة، ديمقراطية أثينا، وأن المبرر الذي أوجد البرلمان، لم يعد قائماً، بعدما أثبت الشعب المصري، القدرة على الاحتشاد و"التوقيع" على العقد الاجتماعي بدون الحاجة إلى نواب عنهم.
هذه صورة افتراضية بطبيعة الحال، نهدف من سياقها إلى أن ما يحدث في مصر هو خارج عن المفاهيم السائدة، وتأكيد إضافي على أن الشعب المصري العظيم يجدد عظمته وقدرته على الإبداع، وطريقته في التعبير هي الشكل الأدق من أشكال الإبداع، وليس غريباً على الشعب المصري الشقيق الذي قاد الأمة العربية في أحلك الظروف، وقاد من خلال ثورة 23 يوليو/تموز قوى التحرر في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية نحو الانعتاق من الاستعمار، هذا الشعب الذي أسهم ثقافياً وفنياً وعلمياً، في كل ما شهدته المنطقة العربية من تطور ونمو، ليس غريباً على مصر، أن تعود إلى دورها الطليعي في المنطقة، بعد إخلاء ساحتها من القوى الظلامية والتكفيرية!!
Hanihabib272@hotmail.com – www.hanihabib.net


