خبر : في الفصل الثالث من الثورة يظهر الجنرال في محاولة للتفوق عليها ...حسين حجازي

السبت 27 يوليو 2013 10:03 ص / بتوقيت القدس +2GMT



يعرف دارسو نظريات الصراع او التخطيط الاستراتيجي تمرين او لعبة سباق السيارات الشهيرة، كأحد التمارين الافتراضية للتنبؤ او التعرف على الطريقة التي يمكن من خلالها توقع نتيجة الصراع، بناء على الخيارات التي تحدد رد فعل الطرف المقابل او الخصم المنافس في هذا الصراع. والتمرين يصور متنافسين في سباق للسيارات يفترض ان ينطلق كلا منهما بأقصى سرعته من مكانين متعاكسين، ولكن يجب على كليهما اجتياز ممر واحد على الطريق لا تتسع الا لمرور سيارة واحدة، وهذا يعني انهما سوف يجبران على التقاطع عند نقطة مرور واحدة في هذه الطريق، ويكون الخيار امامهما صعبا ومصيريا يحدد نتائج السباق او الربح والخسارة، وهذا الخيار اما الصدام وبالتالي موت المتسابقين معا، او توقف احدهما بمركبته جانبا عن الطريق، ويكون بذلك الاكثر جرأة واستعدادا للمخاطر بعدم التنحي جانبا هو الذي يحقق الفوز او الانتصار اذا كان الثاني باختياره السلامة والتنحي جانبا سوف يخسر السباق، وان كان بهذا السلوك الاختيار النجاة بنفسه من خطر الموت المحقق او الهلاك، والغريب ان السيدة فيروز في احد مسرحياتها الغنائية القديمة كما لو انها تشارك في هذه اللعبة تقول ان الذي يخاف من الموت اولا هو الذي يموت.
يوم الاربعاء ظهرا في الازمة المصرية كنا بإزاء هذه اللعبة، ولكن ليس كتمرين لتدريب القادة الجدد , وانما كتطبيق حي ومباشر مرعب ومفزع لم نشهد له مثيلا في مصر المحروسة، وهاكم اعادة ترتيب للسياق المتدرج والمتصاعد الذي تطورت اليه اللعبة حتى بلغت نقطة التقاطع الصدام الحاسمة بدنو المركبتين المتنافستين عند نقطة خطر الموت او حافة الهاوية الرهيبة. دونما تراجع او تنحي احد الطرفين خطوة واحدة الى الوراء , وبدا الوضع واضحا ولا يحتمل اي خيار اّخر اما نحن واما هم، وهي اللحظة التي يتقرر عندها وبصورة مستقلة عن ارادة الطرفين مدفوعين بعتمة البصيرة ونزعة الدمار الذاتي , الولوج في الحرب الاهلية اي الخسارة المتبادلة . ولكن هذا تسلسل الاحداث في الطريق الى هنا الجمعة الفاصلة , او الحزينة او الاخيرة.
1- الرئيس محمد مرسي يفوز بالانتخابات كأول رئيس مصري يحكم مصر بالانتخابات، ولكنه وقد جاء عبر هذه الطريق المخالفة منذ تأسيس الجمهورية الاولى العام 1952، فقد بدا للمصريين ايضا كرئيس او زعيم من خارج الصورة النمطية او البرواز لصورة الرئيس النمطي الكاراكتر او الموديل، كفلاح بسيط من العامة دونما كاريزمة عبد الناصر او الظهور المسرحي للسادات الاقرب الى الملوك الفراعنة او استعلائية حسني مبارك و اناقته. بدا رجلا يشبه من جاء يحكمهم فبدا الامر ملتبسا عليهم، فحاولوا البحث عن صورة الزعيم نصف الاله.
2- الحركة الثانية او النقلة القاتلة والخاطئة في المشهد وهذه الحركة حدثت يوم 12 اّب من العام الماضي حينما اطاح بضربة واحدة الرئيس مرسي بالمشير حسين طنطاوي وسامي عنان، وهما رئيس المجلس العسكري الاعلى ونائبه وكان اول اخطاء مرسي القاتلة بأن يطيح بالرجلين اللذين سلماه السلطة عن طيب خاطر، اعتقادا منه بأن تعيين اّخر بديلا عن المشير طنطاوي بنفسه سوف يجعل هذا مواليا له، باعتباره هو ولي نعمته.
3- الحركة الثالثة يوم 30 حزيران عن سابق تصميم سوف تحشد المعارضة في الميدان الغطاء او التفويض الشعبي لدعوة الجيش التدخل في الحياة السياسية وحسم الصراع على السلطة لمصلحة المعارضة اللبرالية، الامر الذي سيطرح على بساط البحث ازمة الديمقراطية في مصر والعالم العربي ككل، كما مسالة الشرعية اولوية الشرعية الدستورية ام اولوية الشرعية المباشرة على الطريقة الاّثينية، أي التصويت في الشارع؟ ام الشرعية الدستورية بالتصويت عبر صناديق الاقتراع ؟ وهو ما سوف يحسم يوم 3 تموز لمصلحة اقرار شرعية الامر الواقع او القوة في هذا الانقلاب الذي يتخذ له غطاء شعبيا.
4- الحركة الرابعة وتمثل بالرد على الانقلاب الاخير بحشد الاخوان وانصار الرئيس المعزول محمد مرسي في الميادين والشارع، وهنا طرحت علامة سؤال مجددا: (الشارع لمين؟) او من يملك الشارع ؟ وهو سؤال تشاء الصدف او المفارقات ان المخرج المصري الشهير يوسف شاهين , سوف يطرحه مبكرا العام 1977 في فيلمه السياسي الرمزي (عودة الابن الضال) .
5- الحركة الخامسة هنا على مدار هذا الحشد والتظاهر الذي لم يتوقف على مدى اكثر من عشرين يوما من حرارة شهر تموز , وصيام رمضان , ظهر الاحتجاج الذي نظمه الاخوان المسلمين وحلفائهم في الشارع وكانه يلقي بدش بارد على ادعاء خصومهم بأنهم اطاحوا بالرئيس مرسي , بفعل حشد شعبي حقيقي وكاسح نزل يوم 30 حزيران . وازاء هذا الحرج والتشكيك الذي شعر به الجنرال عبد الفتاح السيسي , والذي يترافق مع تردد واضح من قبل معظم المجتمع الدولي , في الاعتراف بالسلطة الجديدة في مصر , وانتقاد الصحف الغربية ما اعتبرته انقلابا عسكريا على الديمقراطية . وانضمام مجموعات اخرى الى الاخوان في مصر , بدا وكان الوقت لا يعمل لمصلحة نجاح الانقلاب الذي حدث يوم 3 تموز، فكان لا بد الاّن من استدعاء وطلب هذا الغطاء او التفويض الشعبي، لاجل اصدار الامر بالتحول الى اطلاق الرصاص في الفصل الثالث من المسرحية، كما يحدث في المسرحيات المأساوية .

ثمة بعض التعليقات هنا :
يقول الجزائريون ما بالكم ايها المصريون وانتم تملكون نهر النيل لتغتسلوا بمائه من هذه الفتنة التي اكتوينا بها لئلا تغتسلوا بدمائكم لاحقا ويتحول النيل الى نهر من الدماء. ويقول الشباب الاشتراكيون الثوريون في مصر , وجماعة 6 ابريل الذين رفضوا هذه الدعوة للاحتشاد، لقد تحملنا روث الاخوان المسلمين لسنة ويمكن تحمل ذلك، لكن ما لا يمكن تحمله او غفرانه ان ننزل الى الشارع لمباركة ولادة قيصر جديد يحكم مصر بالحديد والنار.
ويقول ماركس في الثامن عشر من برومير ان التاريخ لا يمكنه ان يغفر او يتسامح مع المرأة او الامة التي يخدعها اول نصاب . ويقول مترنيخ ان الدولة التي تتخذ قراراتها في الشارع تخاطر بالذهاب الى الفوضى والحرب الاهلية . ولكن تراها هذه الفوضى التي امتزجب بالارهاب في الفصل الثاني من الثورة الفرنسية , ارهاب روبسبير , هي التي مهدت الطريق الى ظهور الجنرال في الفصل الثالث , للتغلب على هذه الفوضى ووضع حد للارهاب؟ ولكن في الحالة المصرية كأستباق لهذا الارهاب , ومع فارق ان ارهاب الثورة الفرنسية كان ارهابا واقعيا وحقيقيا , اما ارهاب ثورة 25 يناير فهو ارهاب افتراضي اقله حتى الاّن , والخوف ان يكون استدعائه هو من قبيل الذريعة او الخداع.