خبر : كــيــــري لن ينجح ...بقلم: هاني عوكل

الجمعة 26 يوليو 2013 12:04 م / بتوقيت القدس +2GMT



للمرة السادسة التي كان يأتي فيها وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة، كانت إسرائيل تستقبله بقرارات لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وكأن هذه القرارات ارتبطت ووُقتت بمجرد قدوم كيري.

ومع ذلك تمكن الرجل من إصدار بيان مفاده عودة المفاوضات المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لكن ما لا يعلمه أحد، هو تلك التفاصيل والمقترحات الدقيقة التي قدمها كيري للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من أجل استئناف المفاوضات.
مع ذلك، لا يبدو في الأفق أن مفاوضات جدية ستنعقد، سواء في واشنطن أو في أي مكان آخر، ذلك أن كيري حقق اختراقاً دبلوماسياً شكلياً في عملية التسوية المجمدة لست سنوات، وعلى الأرجح أنها ستعاود التجمد من جديد.
لماذا لن ينجح كيري؟ علينا أن نلاحظ أولاً البون الشاسع والواسع بين كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فالأول يريد مفاوضات مبنية على موافقة إسرائيلية لدولة فلسطينية على حدود العام 1967، وزائداً معها وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى والمعتقلين أصحاب المحكوميات العالية.
الموقف الإسرائيلي غير معني بمفاوضات تؤدي إلى حل نهائي، هذا ثانياً، والقصد من ذلك، أن لا نتنياهو رئيس الحكومة ولا الشارع الإسرائيلي مقتنع بفكرة قيام دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل، والأهم أن نتنياهو الذي يتفهم الضغط الأميركي للتقدم بمفاوضات مباشرة، يدرك أن الأخيرة مجرد متنفس أو مساحة للعب والمراوغة في الوقت.
ثالثاً، الحكومة الإسرائيلية الحالية اشتغلت على موضوع الاستيطان جيداً، فهي لم تدخر جهداً إلا ووضعته من أجل بناء المستوطنات وتأمين احتياجات إسرائيل الأمنية، وكأن المستوطنات الحصن الأول المتقدم والمنيع لإسرائيل، إلى جانب الجدار العنصري، ضد أي مواجهات محتملة مع الطرف الفلسطيني.
نقول إن تلك الحكومة لا تؤمن بالسلام مع الطرف الفلسطيني، خصوصاً إن كان الحديث عن مفاوضات تقود إلى حل نهائي، وليس أدق في التعبير عن مصلحة إسرائيل شخص مثل أفيغدور ليبرمان، الذي قال إن حل الصراع صعب ومستحيل بين الطرفين، أقله خلال السنوات القليلة المقبلة، وإن أفضل الحلول اتفاق مؤقت طويل الأمد منجز على طريقة إدارة الصراع.
ويبدو أن إدارة الصراع هي الغرض الفعلي من المفاوضات، ذلك أن مجرد التكتم على تفاصيلها بهذه الطريقة، يعني أن هناك التباسا وتخوفا من وضعها ونتائجها، وعلى الأرجح أن الإدارة الأميركية تتبنى هذا الخيار، على ضوء التباين الواضح بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
تدرك الولايات المتحدة أن إسرائيل تعاني من انعزال دولي تدريجي، وتدرك أيضاً أن جمود التسوية في ظل الأوضاع العربية غير المستقرة، كل ذلك من شأنه أن يفجر الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى انتفاضة ثالثة، قد لا تتجنبها إسرائيل.
الأميركيون يريدون من عودة المفاوضات، حماية حليفهم الاستراتيجي إسرائيل، لمنع اندلاع انتفاضة في ظل نظرية إسقاط الجغرافيا الفلسطينية عبر مصادرة الأراضي وبناء الوحدات الاستيطانية، ولفرملة توجه الفلسطينيين إلى المحافل الدولية وتحويل الصراع إلى دبلوماسي يمكنهم من الحصول على دولة مستقلة.
قبل عدة أشهر، طرح كيري أثناء زيارته للمنطقة، خطة بأربعة مليارات دولار لتنمية الاقتصاد الفلسطيني، تشبه إلى حد ما مصطلح السلام الاقتصادي، الذي يفترض أنه يحسن أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية، الاقتصادية والمعيشية والتنقلية، دون أن يدخل أو يركز على السياسة.
كيري طرح تلك الخطة وهو مقتنع بأن الضفة الغربية عبارة عن قنبلة موقوتة في وجه إسرائيل، ولذلك أراد من خطته التنفيس عن الفلسطينيين الغاضبين من سياسات إسرائيل العنصرية، وهو يشعر بأن عليه حماية إسرائيل وتأمين وجودها، عبر الولوج في مفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
الآن ماذا سيحصل؟ على الأرجح أن تعود المفاوضات إلى الواجهة من جديد برعاية كيري للاطمئنان على مسارها، وربما تقدم إسرائيل بعض التسهيلات للفلسطينيين أو تفرج عن بعض الأسرى والمعتقلين، لكن لن تدوم هذه المفاوضات طويلاً.
لكونها مبنية على قواعد غير واضحة، فهي لن تدوم، ثم إن القضايا المختلف عليها بين الطرفين، سترحل أوتوماتيكياً إلى كل اجتماع تفاوضي، ففي حين سمعنا عن اشتراطات فلسطينية ثلاثة لعودة المفاوضات، لم نعد نسمع سوى واحد أو اثنين.
ولمجرد أن كيري يأتي إلى المنطقة ويناقش الطرفين عن بعد، فإن هذا بحد ذاته يعتبر مفاوضات، فالأخيرة إما أن تكون مباشرة أو غير مباشرة، وفي مرحلة كيري لم تكن مباشرة، وهو الآن بصدد نقلها إلى مستوى آخر، حين يجمع الدكتور صائب عريقات إلى جانب تسيبي ليفني في واشنطن الأسبوع المقبل.
منذ أن زار المنطقة بعد تعيينه مباشرةً وزيراً للخارجية، لكم يكن لدى كيري خطة واضحة بشأن التسوية، وحينها أراد الدخول في مرحلة بناء الثقة، وتدريج رؤيته للوصول إلى موافقة على العودة إلى المفاوضات، ومع ذلك هناك خوف كبير من عدم إجرائها من الأساس، لكونها غير واقفة على أرجل.
ثمة من يقول إن ملامح خطة كيري الحالية تتعلق باعتماده حدود العام 1967 كأساس للمفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، مقابل الإفراج الإسرائيلي التدريجي عن أسرى فلسطينيين، من ضمنهم 100 أسير قضوا عشرات سنين في سجون الاحتلال.
أيضاً يقال إن كيري يقترح استئناف المفاوضات من ستة إلى تسعة أشهر، وهذا يعني أن الطرف الفلسطيني لن يكون بإمكانه مواصلة النضال الدبلوماسي هذا العام، والتقدم بالارتقاء من صيغة دولة غير عضو إلى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
وأما بخصوص اعتماد العام 1967 كأساس للمفاوضات، فلا يمكن التنبؤ بجدية الطرف الأميركي، لأنه بالتجربة غير نزيه ومنحاز لإسرائيل، ولا يوجد ضامن حقيقي لمحاسبة من يعرقل توقف المفاوضات، ولذلك فإنها ليست أكثر من تصريف للجهد والوقت.
النتيجة أن كيري لن ينجح في مهمته هذه، ولعله عرقل الحركة الفلسطينية الدبلوماسية السلمية وتدويل القضية، ويسعى حالياً لإجهاض أي محاولات لتفجر انتفاضة جديدة، بمساعي التخفيف عن الفلسطينيين والإفراج عن بعض الأسرى والمعتقلين، حمايةً لإسرائيل وتطويق مساعي عزلها دولياً.

Hokal79@hotmail.com