خبر : الإسلاميون لن يهزموا إلا إذا حكموا! ...بقلم : محمد ياغي

الجمعة 26 يوليو 2013 12:03 م / بتوقيت القدس +2GMT



بعد فوز "النهضة" النسبي في انتخابات العام 1989 في تونس قام نظام المخلوع بن علي بإلغاء وشن حملة ضارية على الإسلاميين تسببت في سجن وتعذيب عشرات الآلاف منهم وهروب البعض منهم الى خارج تونس.. لكنهم عادوا ليحكموا في العام 2011.

بعدها بعامين دخلت الجزائر نفق الحرب الأهلية بعد استيلاء الجيش على السلطة وإلغائه لنتائج الانتخابات التي فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية.. تكلفة الحرب البشرية كانت أكثر من مائتي ألف قتيل.. لكن أيضا وكما في تونس، يتمتع اليوم الإسلاميون فيها بشعبية كبيرة من خلال حضور فاعل لهم عبر أكثر من حزب سياسي.
في سورية قام نظام البعث في بداية الثمانينيات بتصفيتهم عسكريا في حماة.. لكنهم اليوم يخوضون معركة مسلحة ضد النظام دمرت كل شيء تقريبا في سورية وحصدت أكثر من مائة ألف قتيل.
في مصر قام الرئيس عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات بمطاردتهم وسجنهم ومنعهم من التنظيم.. لكنهم عادوا وفازوا في انتخابات مجلس الشعب والرئاسة العام 2012.. بعد عام من استلامهم للحكم تم الانقلاب عليهم وعزلهم وهم الآن بانتظار حملة ملاحقة ومطاردة وتصفية حساب.
وكأن أحداً لم يتعلم من دروس التاريخ.. من تونس والجزائر وسورية ومصر نفسها وحتى من فلسطين!
التيار الإسلامي لا يمكن القضاء عليه.. التيار الإسلامي يعود بقوة وبسرعة لأن الناس تريد أن تجربه. تريد أن تتأكد أنها أعطت لهذه الفئة التي تعتقد بأنها ظلمت تاريخيا من قبل أنظمة الاستبداد الفرصة للتعرف اليه في الحكم بعد أن تعرفت اليه في المساجد والعمل الدعوي والأحياء الشعبية والجامعات ومراكز العمل الأهلي.
الدين الإسلامي مكون أساسي من ثقافة الشعوب العربية والسبب لا يتعلق بخصوصية في الإسلام فهو كغيره من الأديان السماوية عرضه للتفسير من قبل أكثر من فريق وبأكثر من طريقة.. هو للبعض دين محبة وإخاء وتعايش مشترك وعلاقة خاصة بين العبد وربه .. وهو للبعض الآخر دين جهاد وتضحية وقتال الى يوم القيامة.. ولفريق ثالث قد يكون الإثنين معاً وبحسب الظروف.. هذا لا يجعله مختلفا عن بقية الديانات السماوية.. جميعها ديانات محبة.. وجميعها ديانات "قتال" بحسب الجهة المفسرة لها.
خصوصية الإسلام في العالم العربي تحديداً تأتي من حقيقة واحدة وهي أنه لا يوجد في تاريخ الشعوب العربية فترة زمنية كان فيها للعرب هيبة وكرامة وعزة غير تلك الفترة الزمنية المرتبطة بالوحي الإلهي وما أعقبها من "فتوحات" وتدمير لإمبراطوريات ونهضة فكرية وعلمية ووحدة حتى أصبح العرب في العهد العباسي مركزاً للحضارة العالمية.
منذ السقوط الفعلي للخلافة العباسية قبل تسعمائة عام تقريبا لم تقم للعرب قائمة بعدها. في المخزون الثقافي العربي هناك حنين للعودة للماضي البعيد.. لتلك "العمورية" التي ما أن فتحت فاها منادية "وامعتصماه" حتى لباها النداء.. هذه هي خصوصية الإسلام.. أنه صنع للعرب تاريخا يحتفلون به ويحنون إليه.
ليس مهماً إن كانت أجزاء كبيرة من هذا التاريخ قاتمة ابتداء من الصراع على السلطة في عهد الخليفة عثمان بن بن عفان، مروراً بقتل الخليفة المأمون لأخيه الأمين، وحتى سقوط بغداد على يد المغول العام 1258.. وليس مهما ان أجزاء من هذا التاريخ أقرب للأسطورة منه الى الحقيقة.. ما هو مهم، أنه ومنذ سقطت الخلافة العباسية لم يعد للعرب "إرث ثقافي" يعتمدون عليه في صراعهم من أجل حياة كريمة عزيزة غير ذلك الموروث البعيد.
حتى لحظات الانتصار القليلة في العالم العربي بعد أفول نجم الخلافة العباسية مرتبطة بالبعد الثقافي الإسلامي.. صلاح الدين الذي حرر القدس بعد معركة حطين العام 1187 كردي الاصل.. وقُطز الذي هزم المغول في جليل فلسطين (معركة عين جالوت 1261) هو من المماليك (تركي).. والعثمانيون الذين حافظوا على وحدة الجغرافيا للعالم العربي أتراك.
باختصار "الانتصارات" في الموروث الثقافي العربي مرتبطة بالإسلام..ولا يهم هنا إن كانت الإمبراطورية العثمانية قد أهملت العالم العربي ولم تعمل على تطويره واستخدمته فقط في تمويل خزينة الإمبراطورية لأن ما هو عالق في الذاكرة العربية أن رحيل الإمبراطورية المسلمة كان من نتائجه اتفاقات سايكس بيكو وتمزيق العالم العربي وظهور دول بحدود مصطنعة بغير رغبة شعوبها وضياع فلسطين.
حتى عندما بدأت تتشكل الدولة الوطنية وتصبح جزءًا من الثقافة الشعبية، ارتبطت هذه الدولة بمفاهيم الاستبداد، والفساد، والهزائم.. لم تضف جديداً ثقافيا للشعوب العربية للتعلق به يحل محل الموروث الثقافي القديم أو يسمح من خلال المقارنة بأن تفضل الناس الجديد على القديم.
دول سايكس - بيكو لم تبن عدالة اجتماعية، ولم تمكن الناس من حريتها، ولم تحافظ على كرامة الناس، وهزمت في جميع معاركها الوطنية.. صحيح أن هنالك استثناءات، مصر مثلا في زمن جمال عبد الناصر التي ما زالت تحتل حيزاً مهما في الذاكرة العربية، لكن هذه الفترة وبسبب هزيمة العام 1967 وانعدام الحريات هي موضع جدل في "الذاكرة" العربية أكثر منها محل إجماع ورغبة بالعودة إليها.
الشعوب العربية تريد أن تجرب الإسلاميين لأن ذاكرتها تقول لها إن الانتصارات مرتبطة بالحكم الإسلامي والهزائم مرتبطة بحكم غيرهم.. في الوقت نفسه التيارات السياسية "غير الإسلامية" لا يوجد لديها رصيد في الذاكرة الموروثة تبني عليه لحصد الأصوات في صناديق الاقتراع.
حتى تتمكن الناس من امتلاك ذاكرة جديدة، عليهم معرفة الإسلاميين العرب على أرضية تعاملهم مع واقع اليوم ومشاكل اليوم.. لا أرضية أمجاد الامس.. وهذا لا يتأتي إلا بإعطاء الإسلاميين الحق بأن يحكموا إذا ما فازوا، وقد فازوا، في الانتخابات.
إقصاء الإسلاميين من الحكم يجسد مظلوميتهم.. والمظلومية تتحول أولا شلالات دماء وخراب.. ثم نعود الى حيث كنا.. الى رغبة الشعوب العربية بتجربة ما تعتقد بأنه الوحيد الذي حقق لها العزة والكرامة فتعيد انتخاب الإسلاميين إن سمح لها أو احتضانهم الى أن تتوفر الفرصة لهم للحكم.
الانقضاض على الإسلاميين من قبل الجيوش العربية وحلفائهم، يقطع التطور الطبيعي للمجتمعات العربية، ويدخلها في حروب أهلية، ويحرمها من الحق في التقدم عبر التعلم من تجربتها..لكنه لا يستطيع أن يلغي قوة الذاكرة الموروثة، وهي الذاكرة التي ستعيد الإسلاميين مرة ثانية وثالثة وعاشرة الى الحكم الى ان يتم تجربتهم وبناء ذاكرة شعبية جديدة على أرضية إنجازاتهم أو فشلهم.