خبر : كمين سياسي أم فرصة تفاوضية؟ ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 25 يوليو 2013 11:40 ص / بتوقيت القدس +2GMT



أليس غريباً في ظل التطورات الإقليمية العاصفة، وخاصة في بلدٍ بحجم مصر وثقلها ودورها ومكانتها وتأثيرها المعروف على مسار تطور أحداث مجمل الإقليم أن ينبري وزير خارجية الولايات المتحدة وأن "يستميت" لعقد مفاوضات تمهيدية في واشنطن لإطلاق المفاوضات القادمة؟

أليس غريباً، أيضاً، أن نغوص في أدقّ تفاصيل التفاصيل قبل أن نجيب على سؤال السبب الذي يقف وراء هذا الأمر؟ ثم هل يعقل أن نبحث في سياق الإجابة السريعة وحتى لا أقول المتسرعة على هذا السؤال برغبة جون كيري في الحصول على جائزة نوبل أو غيرها من التفسيرات؟
ثم أليس لافتاً أن القيادة الإسرائيلية "تعدّ نفسها" لاتفاق "ما" وتستبقه بالقانون على الاستفتاء؟
ألم نلحظ أن شمعون بيريس ونتنياهو يلمحان إلى "تأمين" التجمعات الاستيطانية في أي اتفاق قادم؟ ألا تبدو أطراف الائتلاف الإسرائيلي في وضع التخبط الشديد. هل أن هذا التخبط والارتباك البائن هو مجرّد توزيع أدوار.
ثم ألم يعد الرئيس أبو مازن على مسامع الجميع شروطه للتفاوض على المفاوضات قبل انطلاقها الفعلي ويكرر بصورة لافتة تأكيده على استفتاء الشعب الفلسطيني على أي اتفاق قادم مع إسرائيل؟
لا أدّعي طبعاً أن لديّ إجابات كافية وشافية ولا حتى مبدئية لبعضها على الأقل ولا أعرف إن كان بمقدور أحد من كتّاب الرأي والأعمدة أن يجيب عليها. والأمر يتعلق بالنقص الشديد بالمعلومات "المناسبة" وبالتكتم غير المعهود على الجزء الجوهري منها.
أغلب الظنّ أن دخول الآراء في تفاصيل التفاصيل المحتملة دون محاولة فهم الدافع الأميركي ودون الإجابة أو محاولة الإجابة على كل تلك الأسئلة اللافتة هو نقص المعلومات.
وإذا ما أقررنا أن الصحافة الإسرائيلية في العادة تمتلك حول مجريات الأحداث من المعلومات ما يفوق ما تمتلكه الصحافة الفلسطينية حول نفس تلك الأحداث (ويجب أن نقرّ بذلك) فإن اللافت، أيضاً، أن الصحافة الإسرائيلية تدور وتداور حول الأسئلة دون الإجابة الكافية عليها!
هناك الكثير من التكهُّن والقليل القليل من الحقائق الثابتة، وهناك الكثير من التوقعات والقليل من الوقائع المؤكدة. لا يوجد في الواقع مفاوضات مؤكدة، وكل ما يوجد حتى الآن هو قبول فلسطيني بالتفاوض على المفاوضات.
التفاوض على المفاوضات بحد ذاته يمكن أن يكون كميناً سياسياً تعدّه الإدارة الأميركية لنا أساساً ولطرفي التفاوض عموماً بهدف "تأمين" الأرضية للدخول في المفاوضات القادمة.
هذا ممكن وربما حقيقي، أيضاً، ولكن، إذا تمسك الجانب الفلسطيني بما أوقف المفاوضات السابقة من أجله وأصرّ على ضرورة توفير ضمانات أميركية أو دولية لرعاية "الاتفاق"، وإذا ما صمد الجانب الفلسطيني وأغلق الباب على محاولات الولايات المتحدة وإسرائيل بتمييع مسألة الاستيطان وتعويم حدود الرابع من حزيران وتأجيل البتّ المبدئي إلى ما بعد "الحدود والأمن" في قضية القدس، وكذلك في قضية اللاجئين فإن هذا الكمين سيتحول إلى فرصة تفاوضية ثمينة ونادرة. كيف؟
نعرف منذ الآن أن إسرائيل لو كان بمقدورها أن تجهض عملية التفاوض على المفاوضات دون أن تتحمّل مسؤولية ذلك لما تردّدت لحظة واحدة، ونعرف أن جلّ المسألة بالنسبة لها في هذا المجال بالذات هو عدم قدرتها على تحمُّل أعباء هذه المسؤولية أمام الولايات المتحدة التي لم تكن لتظهر هذه "الهمّة" وهذه المثابرة لولا وعيها (وعي الولايات المتحدة) لعمق وأهمية الحدث المصري وآثاره الهائلة على مسار الأحداث اللاحقة في الإقليم.
إذن على إسرائيل الاستجابة لهذا القدر أو ذاك لضغوط الولايات المتحدة بعقد هذه المفاوضات التمهيدية. الولايات المتحدة تعرف أنه يستحيل عقد المفاوضات التمهيدية دون تلبية معينة إن لم يكن لمعظم (المطالب الفلسطينية) فلبعضها على الأقل وبصورة مجزوءة غالباً وعائمة بقدر الإمكان.
إذا كان الأمر كذلك ـ وأزعم أنه كذلك ـ فإن هذه هي فرصتنا لتصحيح مسار المفاوضات القادمة بقدر ما هو ممكن ولكن بقدر ما هو ضروري، أيضاً.
إذا استطاعت القيادة الفلسطينية الحصول على ما يمكن اعتباره حداً أدنى من متطلبات المفاوضات القادمة فإن الكمين السياسي سيتحول إلى فرصة سياسية لنا وكمين سياسي لإسرائيل، أما إذا ذهبنا إلى المفاوضات دون تأمين ذلك الحدّ الأدنى من متطلبات المفاوضات القادمة فإن الأمر سيتحول إلى كمين سياسي لنا وفرصة لإسرائيل وربما تكون فرصة نادرة وذلك بالمقارنة مع حالة التوتر ما بين إسرائيل ومعظم أطراف المجتمع الدولي.
لن نتمكن من تحقيق شيء جوهري عَبر المفاوضات إلاّ حين تفقد إسرائيل القدرة على تحمُّل مسؤولية إفشال العملية السياسية ومواجهة المجتمع الدولي بكل ما لدى هذا المجتمع من وسائل ضغط حقيقية مرشحة لأن تمارس ضدها وتحاصر سياستها وتقوض من كل امتيازاتها الاقتصادية في إطار الاقتصاد الدولي. ولن نتمكن من الاطمئنان على رعاية أميركية جادة تتحول بموجبها الرغبة الأميركية بالسلام إلى إرادة سياسية فاعلة باتجاه فرضه والضغط لتحقيقه إلاّ حينما تصبح الولايات المتحدة عاجزة عن لعب الدور المحابي للسياسة الإسرائيلية والمتماهي بالكامل معها و"الغيور" الأول على مصالحها التي هي بالأساس مصالح توسعية وعدوانية وفي أحيانٍ كثيرة عنصرية وسافرة في تطرفها.
ذلك لن يحدث إلاّ عندما تتحول المتغيرات الإقليمية إلى قوة مواجهة فاعلة لهذا الانحياز الأعمى وهذا التحالف البغيض.
فقط عند ذلك سنكون أمام فرصة حقيقية ومفاوضات جادّة أما قبل ذلك فإن المفاوضات والتفاوض عليها هو مجرد إحماء ومجرد محاولات لدرء أخطار تحمُّل مسؤولية الفشل.
الحل ليس على الأبواب ولكن التحولات الإقليمية هي التي ستحدد المسافة ما بين اللحظة الراهنة وما بين ساعة دخول حجرة المفاوضات الحقيقية.
بمجرد ظهور البوادر الأولى لتعافي القاهرة يمكنكم التحضير النهائي لجولات المفاوضات الجدية ويمكننا الحديث عن معالم اتفاق ليس له أية ملامح حتى الآن.