تجربة قصيرة قد تكون كافية إلى حد ما، للتعرف على شخصية القائد العام للقوات المسلحة المصرية الفريق عبد الفتاح السيسي، على الصعيد الشخصي لدي انطباع بأنه بالغ الهدوء والرصانة، لمّاح وذكي، لكن أهم صفة يتمتع بها الفريق السيسي، هي قدرته على الصبر والتحمُّل، وقد تكون هذه الصفة مرتبطة بالذكاء العالي، والذي رأيناه في طريقة تعامله الحكيمة والهادئة مع الرئيس مرسي، فقد منحه الوقت، بل المزيد من الوقت، نصحه بالاستجابة لمطالب الشعب، وقابل عناد مرسي بمزيد من الصبر إلى ان منح مرسي السيسي، وبنفسه مبرر الاستجابة والخضوع لمطالب ملايين الشعب المصري بإزالة حكم "الإخوان" بقيادة مرسي.
وقد يكون هذا الهدوء والصبر والتحمُّل، هو عنوان المشهد المصري الحالي، فهذا المشهد تستولي عليه صور الشهداء والجرحى من الجيش المصري، ضباطاً وجنوداً في سيناء، وعدم القدرة على ضبط الأمور والسيطرة على الأوضاع في القاهرة، ومعظم المدن المصرية في ظل محاولات "إخوانية" لجرّ الجيش إلى صدام وإلى إغراقه في الرمال المتحركة في سيناء، منذ وقت ليس بالقصير، ونحن نسمع من قيادات الجيش المصري عن ساعة الصفر لمواجهة الإرهاب في سيناء، غير أن هذه الساعة مضى عليها أسابيع وأيام طويلة، وحتى ما يعلنه الجيش المصري عن تكبّد القوات الإرهابية خسائر في الأرواح، ومعتقلين لدى السلطات، لم يثبت صحتها، والتشكيك حول بيانات الناطق باسم القوات المسلحة حول هذا الأمر بات له أساس بعد جملة من المؤشرات وخاصة على ضوء ثوابت واضحة إزاء سقوط مستمر للشهداء من الجيش والشرطة، من دون أن تكون هناك أي مؤشرات ملموسة، لما يشير إليه الناطق الرسمي حول سقوط إرهابيين في "جبل الحلال"، وفي أي منطقة من مناطق سيناء.
وهناك من يقول، إن صبر القوات المسلحة المصرية على استمرار هذا النزيف من القوات ومعنوياتها بالدرجة الأولى، يعود إلى أن قيادة هذه القوات بصدد الإقدام على عملية جراحية لإزالة الإرهاب من الخارطة المصرية، في سيناء وغيرها من مواقع هذه القوى، وهذا يتطلب خسائر لا يمكن حصرها في الأرواح، لذلك، فإن الإقدام على مثل هذه العملية الجراحية الكبرى، يتطلب القدرة على تبريرها بعد سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، واستمرار القوى الإرهابية في مثل هذه العمليات التي نشهدها اليوم، وربما استمرارها لأيام قادمة، يبرر للجيش المصري الإقدام على عملية واسعة النطاق، سيتفهم الشعب المصري بنتيجتها الخسائر البشرية التي تطلبتها مثل هذه العملية بعدما طفح الكيل بتحمُّل الشعب المصري نتائج استقواء وتغوُّل الجماعات الإرهابية.
لكن هناك رأياً آخر يشكك بهذا السيناريو، وببساطة فإنه يرى أن الجيش المصري، رغم كل إمكانياته الهائلة، عاجز عن مواجهة هذه القوى الإرهابية، في السابق، كان الجيش يبرر هذا العجز بما أملته اتفاقية "كامب ديفيد" من وجود هش وضعيف لقوى الجيش والأمن في شبه جزيرة سيناء، إلاّ أن هذا القول لا يصحّ الآن بعدما رأينا الطائرات الحربية والطوّافات والمدرّعات والدبّابات الضخمة، قد نزلت إلى المعركة، والحديث المتكرر عن ساعة الصفر، لا يبدو أي أمل في وجود مثل هذه الساعة، وأن الجيش المصري، يفتقد إلى المعلومات الاستخبارية التي تؤهله لبدء معركة حاسمة مع القوى الإرهابية التي تتمتع بقدرات عالية بسبب الوضع الجغرافي لسيناء، إضافة الى أن هذا الوجود الإرهابي، موجود منذ عقود في شبه الجزيرة التي تخلت عنها معظم أنظمة الحكم وظلت صحراء قاحلة، أو جبالاً لم يعمرها سوى وجود أنفاق ومراتع قوى الإرهاب، شجعتها إسرائيل حيناً، بينما وجدت قوى الإرهاب على المستوى الإقليمي مجالاً لتحركاتها، وبحيث أصبحت سيناء، هي ملتقى كل قوى الإرهاب في المنطقة العربية. وفي مثل هذه الحال، فإن ميزان القوى يخدم قوى الإرهاب هذه، مادياً وجغرافياً، وأن مواجهة حقيقية مع هذه القوى، قد يؤدي إلى تحقيق هدف إسرائيلي جوهري وأساسي، وهو إضعاف الجيش المصري، وهو الوحيد المؤهل لمواجهة مع إسرائيل في المستقبل، وإشغاله في معارك الرمال المتحركة في سيناء، من دون أن ينجح في القضاء على الإرهاب، ومن دون أن يتمكن من تطوير أدواته لمواجهة محتملة مع إسرائيل في المستقبل.
السيسي، هذا الرجل الصابر، في موقع لا يُحسَد عليه، غير أن مشهد الواثق الهادئ، ربما هو ما يعطي الأمل، بأن الأمر سينقضي في النهاية، لمصلحة الشعب المصري، وما علينا سوى أن نصبر ومزيداً من الصبر مع السيسي!!
Hanihabib272@hotmail.com
www.hanihabib.net


