خبر : اسرائيل تصرفت بحكمة دبلوماسية \ بقلم: زلمان شوفال \ اسرائيل اليوم 22/7/2013

الإثنين 22 يوليو 2013 10:56 م / بتوقيت القدس +2GMT



          كما هي الحال في فيلم حركة من الطراز الثاني، ينتهي التوتر (المتكلف شيئا ما) في الدقائق الاخيرة فقط: فقد أعلن وزير الخارجية الامريكي جون كيري انه تم الاتفاق على خطة لتجديد التفاوض بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية؛ وفعل الضغط الامريكي على رئيس السلطة أبو مازن بمساعدة الجامعة العربية، فعله؛ وعاد كيري الى واشنطن راضيا لكن من المؤكد أنه لن ينسى أنه اضطر الى اجتياز، إن لم نقل سبع محطات الجحيم، فعلى الأقل سباق حواجز فلسطيني.

          إن الفلسطينيين الذين شعروا بأنهم أقوياء على أثر قرار الاتحاد الاوروبي بشأن النشاط الاسرائيلي الاقتصادي وراء الخط الاخضر، استمروا في ألاعيبهم التضليلية حتى آخر لحظة تقريبا الى أن بيّن لهم كيري ان صبره له حد. ولم يلغ الفلسطينيون الآن ايضا برغم موافقتهم الاضطرارية على اقتراحات كيري، قرارهم الاستراتيجي على الامتناع عن تفاوض حقيقي يتطلب منهم مصالحات وتنازلات في الشؤون الحرجة بالنسبة اليهم مثل اللاجئين والقدس والحدود والاعتراف الصريح باسرائيل أنها دولة الشعب اليهودي.

          إن الاستراتيجية الفلسطينية ثابتة متسقة – والتكتيك فقط يتغير بحسب الظروف: فثم الارهاب والعنف، واشتراط شروط مسبقة، وتوجه الى الامم المتحدة والى مؤسسات دولية اخرى، ويوجد في هذه المرة، كي لا يظهروا بمظهر الرافضين ويعرضوا أنفسهم لخطر فقدان أنبوب الاوكسجين الامريكي، توجد استجابة في ظاهر الامر للمخطط المقترح لكن مع محاولات لجعله عقيما بعد ذلك.

          ليس كيري وحده بل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ايضا يمكنه ان يكون راضيا عما تم احرازه. فالمواقف التي انتهجها بصورة مستمرة سوّغت نفسها كاملة لأن التفاوض سيكون بلا شروط مسبقة كما طلب طول الوقت، وأمكن تجديد التفاوض كذلك دون دفع بـ "عملة اسرائيلية" في القضايا التي طلبها الفلسطينيون وهي حدود 1967 والبناء وراء "الخط الاخضر". إن التفاوض سيبدأ من "نقطة الصفر" لا من مقترحات اولمرت البعيدة المدى (التي رفضها أبو مازن ايضا).

          وفي مسألة الافراج عن السجناء، أصبح الموقف الاسرائيلي مرنا في الحقيقة، لكن لا بالقدر الذي طلبه الفلسطينيون. من الممكن ان يكون الامريكيون، كما حدث في الماضي ايضا، أعطوا للفلسطينيين وعودا ما أكثر غموضا أو أقل غموضا تتعلق ببعض هذه الموضوعات (وقد يكون هذا هو ما أثارته المكالمات الهاتفية بين كيري ونتنياهو)، لكن سواء أكان ذلك أم لم يكن فان هذا الامر لا يُلزم اسرائيل. تصرفت اسرائيل طول الفترة كلها بأقصى قدر من الحكمة السياسية (ولم تستجب ايضا لنصائح اليسار الجوفاء ان تعلن مسبقا عن تنازلات في بعض الامور "كي لا تضر باحتمالات السلام"، أو تلك التي أُسمعت من اليمين الهاذي وهي اثارة شروط مسبقة خاصة بها، بل ان تضم فورا أجزاءا من يهودا والسامرة).

          لكن ما أُحرز، كما بيّن وزير الخارجية الامريكي كيري نفسه، ليس شق طريق بل هو منفذ ضيق الى التفاوض وتعلمون ان الشيطان في التفاصيل الصغيرة (وليس الحديث عن مجرد تفاصيل بل عن تفاصيل هي لب الصراع في الحقيقة). والجدل الذي بدأ بين اليسار واليمين في الحكومة لا حاجة اليه في هذه المرحلة لأنه من الواضح ايضا أننا اذا بلغنا الى أقصى القرارات الحاسمة فلن يكون "الخط الاخضر" هو الحدود الشرقية لدولة اسرائيل، ولن يكون خط الاردن ايضا هو الحدود السياسية (فلن تستطيع اسرائيل التخلي عن الحدود الامنية في الشرق). لكن من السابق لأوانه الآن البحث في ذلك لأنه كما قال دنيس روس (مبعوث بيل كلينتون الى الشرق الاوسط): "لا يكون أي شيء مقضيا الى أن يصبح مقضيا"، ومن الصعب أصلا أن نرى كيف يمكن التوصل في المستقبل القريب الى سلام دائم في حين لا توجد موافقة في واقع الامر على شيء من الموضوعات الرئيسة المختلف فيها وهي اللاجئون والحدود والقدس وما أشبه (فزعم أن "الحل صار معروفا ويجب القرار فقط" ليس له أي أساس).

          اذا أردنا الحكم بحسب الوضع الحالي فان التفاوض الذي يوشك ان يخرج الى هواء العالم بين اسرائيل والفلسطينيين يستطيع في الأكثر ان يفضي الى تسويات مرحلية (من جهة الزمن) أو اتفاقات جزئية (من جهة الجوهر) تخفض لهب الصراع (وهذا ايضا غير قليل).