كشف قرار الرئيس ابو مازن بالعودة للمفاوضات ،العديد من القضايا، منها غياب التفكير عن بدائل لها ، فبعد فشل المفاوضات علينا بها من جديد، ولكل مرة تحت ذريعة ومبرر معين ، كان آخرها عدم تحملنا مسؤولية الفشل من قبل الإدارة الأمريكية ، كما حصل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إبان مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، علماً بأن قاعدة المفاوضات الجديدة تشكل تراجعاً عن الموقف الرسمي الفلسطيني المعلن والذي كان يؤكد عدم الاستعداد لاستئنافها دون ان تكون قاعدتها حدود الرابع من حزيران عام 67، وتجميد الاستيطان، والافراج عن الاسرى وخاصة القدامي قبل التوقيع على اتفاق اوسلو، كما ستشمل قاعدة المفاوضات الجديدة ايضاً الاقرار بمبدأ يهودية الدولة والحفاظ على أمن اسرائيل ، في انجاز جديد يسجل لصالح رئيس حكومة اليمين في اسرائيل نتينياهو، بما يشكل ذلك من مخاطر جدية على العرب الفلسطينيين المقيمين في مناطق 48 ، والاعتراف بالطابع العنصري لدولة الاحتلال.
وبالوقت التي كشف قرار المفاوضات عدم الاستعداد لدى القيادة الفلسطينية باستثمار البدائل الاخرى مثل التوجه للعضوية بالمنظمات الدولية والاستفادة من عضوية دولة فلسطين بصفة مراقب بالأمم المتحدة ، والانضمام إلى ميثاق روما عبر التوقيع على المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان ، وكذلك الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية فإنها كشفت في نفس الوقت عن طبيعة النظام السياسي الفلسطيني المبنى على الفردية والبيروقراطية وضعف مكوناته المحددة في الفصائل المنضوية في اطار المنظمة والتي رفضت بالاجماع قرار المشاركة ولكنها لم تحرك ساكناً بعد قرار الرئيس بالموافقة على استئنافها ، الامر الذي يظهر مدى ضعفها وارتباطها بالبينة المالية والبيروقراطية للسلطة وعدم استعدادها لتجاوز سقف هذه البنية إلا ببيانات ومواقف رسمية تسجل للتاريخ فقط .
كما كشفت عن مدى ارتهان بنية النظام السياسي برمته للمساعدات المالية من قبل المانحين بما يشير إلى نجاح المجتمع الدولي في احتواء الحالة الفلسطينية التي أصبحت اسيرة التمويل الخارجي، علماً بأن واحدة من المغريات التي قدمها وزير الخارجية الامريكي كيري للقيادة الفلسطينية تكمن بالمشاريع الاقتصادية وترجمة لمفهوم السلام الاقتصادي الذي يتبناه.
أبرزت مسألة العودة للمفاوضات في نفس الوقت مدى ارتهان القرار الفلسطيني للبعد الخارجي وعدم الرهان على البعد الوطني الداخلي ، فرهان الرئيس ابو مازن على المفاوضات كخيار وحيد مرتبط بخيار حركة حماس على حركة الاخوان المسلمين والمتغيرات بالاقليم حيث الانشداد الكبير لما يحدث في رابعة العدوية وغيرها من الأحداث المصرية اكثر من الانشداد للحالة الداخلية التي تتطلب تقديم مبادرات ترمي إلى وقف مسار التدهور بالقضية الفلسطينية وتعمل على استنهاض الوضع من جديد على قاعدة تضمن انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وفق برنامج سياسي متوافق عليه يستند إلى خطة منهجية تربط ما بين صمود المواطنين وتصعيد المقاومة الشعبية وتطوير حملة التضامن الشعبي الدولي وتعزيز حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات على دولة الاحتلال كدولة استيطان وتميز عنصري ودمج ذلك بالمقاومة الحقوقية والسياسية والدبلوماسية بهدف عزل دولة الاحتلال عن المجتمع الدولي .
إن اية انتخابات في الظروف الراهنة بدء الرئيس ابو مازن يمهد الطريق لها ستساهم في تعزيز حالة الانقسام وفي نفس الوقت فإنها ستعطى الشرعية للشريحة الراغبة باستكمال مسار المفاوضات العبثي وبالتالي لن تكن لها وظيفة في اعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية على قاعدة من الشراكة السياسية .
فالانتخابات إذا لم تؤد وظيفتها المرجوة في اعادة بناء الحركة الوطنية وتعزيز النسيج السياسي والاجتماعي بالاستناد إلى عقد اجتماعي متوافق عليه، اضافة إلى وظيفتها الرامية لاستنهاض مقومات النضال الوطني فلا مبرر لها وتصبح أداة استخدامية لاعادة تجديد شرعية الراغبين بالاستمرار بالتحكم في إدارة شؤون المنظمة والسلطة والراغبين باستمرار مسار المفاوضات الغير مقبول لدى معظم القوى والفاعليات السياسية والاجتماعية الفلسطينية .
بالسابق كان يردد اصحاب المفاوضات نغمة اين البديل؟ وما هو البديل ؟ لقد أصبحت هذه النغمة غير صالحة الآن، فالبدائل عديدة ومتوفرة وأصبحت معروفة للجميع، وبالتالي فالسؤال الأهم هل توجد إرادة لتطبيق البديل أم لا؟؟
إن ما يحدث بالحالة الفلسطينية يعكس انكشافاً حقيقياً لكل مكونات النظام السياسي بما يتطلب التفكير الجاد بعقد مؤتمر وطني يتكون من القوى والفاعليات الوطنية والاجتماعية للتباحث بالحالة الفلسطينية التي تشهد ضعفاً وهشاشة قل نظيرها بهدف الإجابة على تحديات المرحلة ومن أجل صياغة خطة وطنية يشارك بها الجميع في اطار منظومة من المؤسسات الوطنية الجامعة وبالمقدمة منها م.ت.ف على قاعدة الشراكة السياسية كبديل وحيد عن الرهانات الخارجية التي لن يكتب لها النجاح .


