خبر : كيري .. نجح في خداع نفسه !!..بقلم: هاني حبيب

الأحد 21 يوليو 2013 12:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
كيري .. نجح في خداع نفسه !!..بقلم: هاني حبيب




.. وفي الجولة السادسة لجون كيري، اكتشفنا المزيد من مزايا وقدرات هذا الرجل، وزير الخارجية الأميركية، فلديه قدرة هائلة على التصميم والعناد والمثابرة يحسده عليها كل من عمل في مجال السياسة الخارجية وحطّت رحاله في المنطقة وعلم مدى تعقيد قضاياها، خاصة تلك المتعلقة بالملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بشكل حثيث ومتواصل، كان كيري لا يغادر المنطقة إلاّ كي يعود إليها، لقد وضع نصب عينيه تحقيق هدف محدد، كان وراء هذا التصميم والعناد والمثابرة.
لكن الميزة الجديدة التي اكتشفناها لدى كيري أثناء جولته السادسة، هي الأهم في سياق مزاياه المتعددة التي ذكرنا جانباً منها، نقصد هنا، قدرة هذا الرجل الهائلة على الخداع، نعم الخداع، ولا نقصد في هذا السياق، أيضاً، خداعه للآخرين، بل خداع نفسه أولاً وقبل كل شيء، فهذا الرجل، يتوهم أنه نجح في جمع شمل المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه حقق هدفه في دفعهما إلى استئناف العملية التفاوضية المباشرة بعد أن تعطلت لأكثر من ثلاث سنوات.
خلال أسبوع، ستتوجه تسيبي ليفني، وزيرة العدل الإسرائيلية ورئيسة فريق المفاوضين الإسرائيليين إلى واشنطن، لتبدأ مفاوضات جديدة مع نظيرها الفلسطيني، صائب عريقات. المفاوضة الإسرائيلية ظلت عاطلة عن العمل منذ تبوّأت هذا المنصب، وستجد فرصتها في إثبات جدارتها التفاوضية التي لم تكتشف بعد، في قدرتها على التفاوض بلا كلل أو ملل، وبلا أمل أو هدف، بعكس نظيرها الفلسطيني، "المفاوض الفلسطيني الوحيد" الذي ظل منشغلاً بالتفاوض طوال الوقت، مختلساً لحظات ودقائق بين وقت وآخر، ليؤلف كتباً عن المفاوضات، بعد خبرته الطويلة في هذا المجال، وذهابه إلى واشنطن لاستئناف التفاوض، ما هو إلاّ شكل من أشكال العمل اليومي بالنسبة له، خاصة وأنه أكثر من يعلم، أن لا هدف من هذه المفاوضات سوى المفاوضات بحد ذاتها، وعلى خلاف نظيرته الإسرائيلية، فإنه ليس بحاجة إلى إثبات جدارته، والدليل على ذلك، أنه المفاوض الفلسطيني "الوحيد" .. الذي ظل كذلك، رغم كل المتغيرات والأحداث والكوارث!
مفاوضات واشنطن المرتقبة، ستبدأ وقد تستمر، ليس بسبب تراجع الطرفين عن اشتراطاتهما، أو نظراً لتقديم طرف أو الطرفين، لتنازلات مكنت من استئناف العملية التفاوضية، إذ من الواضح أن هذه الاشتراطات ظلت كما هي، من دون أن يتزحزح أي طرف عن اشتراطاته، هذه المفاوضات التي ستجري في الولايات المتحدة، ما هي إلاّ شكل من أشكال إرضاء جون كيري ومساعدته على إقناع نفسه على أنه نجح في دفع الجانبين إلى المفاوضات، وشكل من أشكال العرفان بالجميل، لكل ما تكبّده من حراك بين واشنطن وتل أبيب والقدس وعمان.. وقليلاً على رام الله، ولكي لا يذهب عناده وتصميمه سدى، وستتشبث كل الأطراف الثلاثة "بالسرية" كمبرر لعدم إنجاز أي تقدم حقيقي، إذ ليس هناك ما يمكن التفاوض بشأنه طالما ظلت حكومة نتنياهو على موقفها إزاء الملفات الرئيسية الثلاثة: الحدود والاستيطان والأسرى، وإزاء تمسك الجانب الفلسطيني بالحصول على إجابات إيجابية بشأن هذه الملفات.
لوحظ أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد هاتف رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لحثّه على إزالة العقبات من أمام مهمة كيري، الأمر الذي يشير ضمناً إلى أن واشنطن تعلم ـ كما يعلم الجميع ـ الطرف الذي يضع العراقيل أمام جهودها، لكن، وعلى الجانب الآخر، رأينا أن جون كيري وفي اللحظات الأخيرة، يغادر عمان إلى رام الله للاجتماع بالرئيس أبو مازن، وهي إشارة ضمنية بالمقابل، أن الحل هنا، في رام الله، عند أبو مازن، عند الجانب الفلسطيني، كما لو كان هو الذي يعرقل الجهود الأميركية بهذا الصدد، وكأنه ـ جون كيري ـ يخدع نفسه من جديد.
قصة عودة الجانبين إلى المفاوضات هي قصة كفاح جون كيري، كفاح لم يعرف اليأس أو التردد، قصة التعلق حتى الرمق الأخير بالأمل المفقود، لكنها، أيضاً، قصة العاجز عن إحداث متغير حقيقي حين يعلم الطريق والوسيلة، لكن من دون أن يقوم عليها، كيري يعلم أن العقدة عند نتنياهو، لكنه يعلم بالمقابل، أن لا سبيل لحلها طالما ظلت الإرادة الأميركية عاجزة عن التحقق عندما يتعلق الأمر بإسرائيل!
وخلال تنقلات كيري بين عمان والقدس المحتلة ورام الله، عقدت القيادة الفلسطينية سلسلة من الاجتماعات الليلية الرمضانية الطويلة، بينما انشغل بعض القادة نهاراً بالإدلاء بالتصريحات التي توحي بموقف فلسطيني صلب والتمسك بمرجعيات الشرعية الدولية، حتى أن أحد القادة انبرى ليشير إلى ثلاثة سيناريوهات في حال فشل المفاوضات، نتوقف عند إحداها والمتعلق "بالإسراع في تحقيق المصالحة الوطنية" وكأنما السلطة في رام الله هي التي تعيق هذه المصالحة! وأنها متوقفة "بقرار" إلى حين التعرف إلى مدى نجاح المساعي الأميركية بتحقيق تقدم في العملية التفاوضية!
رغم كل تلك التصريحات، ما كان مقرراً قد تقرر، وتم تجاهل وقف أو تجميد الاستيطان كاستحقاق لبدء المفاوضات، مقابل وعود شفهية لا قيمة لها، وكل ما عمله هؤلاء القادة، أنهم "سلّو صيامهم" نهاراً، وسهروا إلى السحور فجراً، وكل عام وأنتم بخير!
Hanihabib272@hotmail.com