خبر : المطلوب أن ننأى بأنفسنا عن الاستقطاب في مصر والحل هو الرئيس ..حسين حجازي

السبت 20 يوليو 2013 03:06 م / بتوقيت القدس +2GMT





لم أفاجأ شخصياً بخطاب التحريض والكراهية ضد الفلسطينيين في بعض القنوات الفضائية والصحف المصرية، وهو خطاب أقل ما يقال بشأنه إنه صادم بكم السخف والإسفاف والانحطاط، كما الضحالة الفكرية والثقافية، والذي لا يليق بعظمة مصر ورؤيتها لنفسها كما رؤية الآخرين لها. لكن الواقع أن هذا التقليد في الإعلام المصري الذي أرسيت دعامته في زمن عبد الناصر باكتشاف الدور المتعاظم للإعلام، الراديو والصحيفة بشكل خاص كرسالة دعائية وتعبوية ثورية، ثقافية وتبشيرية لإذكاء الروح الوطنية والقومية الخالصة في الصراع مع بقايا الاستعمار والتخلف والرجعية. سرعان ما سيتحول هذا الدور العظيم للإعلام المصري في زمن خلفاء ناصر، أنور السادات وحسني مبارك على حد سواء، إلى ما يشبه الانقلاب أولاً على إرث ناصر، بتبلور هذه المدرسة الإعلامية المتكدرة التي تقوم على السطحية والضحالة الردح والطبل والزمر بافتقاد واضح للرصانة بل وحتى الحرفية والمهنية. دون أن تقدم هذه المدرسة في بلد يفترض انه عريق في مجال الفكر والثقافة والإعلام، أي مصدر للإلهام والجاذبية أو الاحتذاء.
لقد انتهت الحقبة المزدهرة في الإعلام المصري، حين لم يعد بمستطاع إعلاميين وكتاب كبار صنعوا مجد مصر الإعلامي في العالم، أمثال محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وغيرهم كثيرين، أن يجدوا متسعاً لنشر آرائهم في الصحف ووسائل الإعلام المصرية المحلية، واتجهوا للكتابة في صحف المهجر والصحف اللبنانية. وتحول الإعلام المصري إلى أداة مسخرة لخدمة التحالف الثلاثي الجديد الذي يحكم مصر المكون من السلطة والثروة والعائلة، على قاعدة (مصر أولا) الذي تشتم منه روحاً انعزالية مجافية لتقاليد مصر ودورها في التاريخ. ليس في عهد الجمهورية فقط بل والملكية، وهي الحقبة السوداء في تاريخ مصر التي ترافقت مع انهيار وتراجع الدور القيادي لمصر في العالم العربي، وبيع القطاع العام وسيطرة البرجوازية الطفيلية، أي الكمبرادورية على الاقتصاد بكل ما يعنيه ذلك من تفشي الفساد السياسي والمالي، والاستقطاب الاجتماعي الحاد، في تركز الثروة في أقلية تحتكر السلطة والثروة وأكثرية تزداد انسحاقاً وفقراً، وتلاشي دور الطبقة الوسطى
هكذا في يناير العام 1977 سوف أشهد طالباً في جامعة القاهرة بمصر، انتفاضة يناير الشهيرة التي وصفها السادات بانها (انتفاضة حرامية)، في احتقار واضح لشعبه. كيف لا وقد نظر هذا إلى نفسه ليس بوصفه خليفة ناصر وامتداداً له، وإنما كامتداد لملوك مصر الفراعنة. في نوع من الاستعلاء وكراهية الذات، الاستعلاء المريض على كل ما يمت بصلة لانتماء مصر لمحيطها العربي القومي وحتى الافريقي.
وفي خريف العام نفسه، حينما ذهب السادات إلى القدس في مبادرته الشهيرة، التي مهدت الطريق لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من الصراع العربي الاسرائيلي، لن أنسى ملامح ذلك الرجل المصري وكلماته المهذبة اللطيفة، وهو يحاول أن يقدم لي اعتذاراً رقيقاً، يختزل كل كياسة وذوق هذا الشعب المصري الجميل. حينما كنت أقصد دكانه المجاور لمحل إقامتي لشراء الصحف في الصباح، التي كانت تمتلئ بالمقالات ورسوم الكاريكاتير والعناوين العريضة بالشتائم والإسفاف في تشويه صورة الفدائيين الفلسطينيين، في ذروة هذه الحملة الصاخبة والهستيرية، ضد حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، والرئيس ياسر عرفات. بسبب معارضة "فتح" والمنظمة وعرفات، مبادرة السادات. وهي حملة لن يكون فيها لصوت العقل أي مكان وسوف تترافق مع اعتقالنا وطردنا نحن الطلاب الفلسطينيين إلى العراق في ذروة هذا التحريض الإعلامي.
فهل يراد لنا أن نفهم اليوم إذا صحت التقديرات بأن الرسائل تقرأ من عناوينها، كما القصائد من مقدماتها، إن ما يحدث في مصر ليس سوى إعادة إنتاج النظام القديم بصورة جديدة؟ وان زج الفلسطينيين في الاستقطاب المصري الحالي والتحريض على استعدائهم وكراهيتهم على هذا النحو العدواني والسخيف. والذي يقترن بطوفان من الكراهية والتعصب، لا يمكنه أن يمت بصلة لروح ثورة حقيقية، وإنما كان هذا التعصب والكراهية صفة ملازمة في كل مرة للثورات المضادة، أو الانقلابات العسكرية ذات الصبغة اليمينية الفاشية، كما في تركيا واليونان وتشيلي في حقبات سياسية ماضية. وذلك بإسقاط الأزمات التي تواجهها الطبقات السياسية هذه على عداوات مفتعلة في الداخل أو الخارج، ويتم تحويل هؤلاء الأعداء المفترضين، إلى أكباش فداء أو أضحيات وقرابين يجري ذبحها لشحذ هذه العصبوية، كما في الحروب والصراعات الطائفية، بقدر من الوحدة الجماعية أو التكاتفية في هذه الأخوة الجديدة، التي يجمع بينها التعطش للثأر من الخصم والعدو المفترض. والتي تصدر الصيحات العالية لسحقه وإلحاق الهزيمة الماحقة به وليس اقل من هذا السحق والهزيمة الماحقة في حفلات من الشماتة والفرح بسقوطه.
ولكن أقول هنا انه لا يجب علينا نحن الفلسطينيين الضعفاء الزج بأنفسنا في هذه الأزمة. وبينما يحتدم الاستقطاب المصري إلى هذه الدرجة الحادة وغير المسبوقة، حذار علينا التدخل بأي شكل من الأشكال كفريق في هذا الاستقطاب الذي يتسم بالجنون وغير العقلانية. إن سياسة النأي بالنفس هنا مع مراقبة ما يحدث بانتباه هي برأيي السياسي الوحيدة التي يمكن أن تتصف بالحكمة، وهنا لا بد أن نوضح في الخطاب الإعلامي الموجه للمصريين الحقائق والنقاط التالية:
1- إن هذه الحملة الإعلامية تتم على خلفية واحدة، نعرفها جميعاً. باعتبار "حماس" امتداداً للإخوان المسلمين في مصر الذين تمت الإطاحة بهم. ولكن لا يجب أن ينسى احد هنا، بان "حماس" ليست هي الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، وهي إن كانت تحكم غزة إلا أن الغزيين ليسوا كلهم "حماس"، إن "حماس" هي فصيل فلسطيني مهم ووازن ولكنه ليس هو العنوان الرئيسي للفلسطينيين، والعنوان واضح هو منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها. فرجاء أيها الإخوة المصريون لا تدفعونا ثمن أزمتكم وهذا الخلاف والاستقطاب الداخلي، فنحن و"حماس" كما اعتقد سوف نظل نحابي مصر ونسعى لعلاقة جيدة معها، بغض النظر عمن يحكمها أو النظام القائم فيها. وفي هذا الصدد نحن جميعا براغماتيون والمسألة واضحة وبسيطة ليس لنا خيار آخر غير مواصلة هذا الغرام أو العناق مع مصر المحروسة، سواء كان يحكمها ناصر أو السادات أو مبارك أو محمد مرسي أو الجنرال عبد الفتاح السيسي. هنا في هذه النقطة "حماس" و"فتح" ليسا أغبياء، وربما هي نقطة اتفاقهما الوحيدة فلا تذهبوا بعيداً.
2- والحقيقة الثانية وهذه مفادها التالي: انظروا أيها المصريون نحن الفلسطينيين تحاربنا وتقاتلنا في حروب الإخوة الأعداء مع جيوش كل من الأردن وسورية ولبنان. أي مع الجيوش العربية وأنظمتها المحيطة في بلاد الشام بفلسطين. ولكن نحن لم نقاتل أو نطلق رصاصة واحدة على الجيش المصري، وهذا واضح لأننا رأينا دوماً أن مصر ومصر فقط هي السند الحقيقي لنا، ولأنه ليس مع مصر الشقيقة الكبرى لا يوجد ما نختلف عليه. فقد كان النزاع مع الأردن العام 1970 على خلفية أزمة العلاقة بين مفهوم الثورة ومفهوم النظام والدولة. وكان الصراع مع الأسد الأب على القرار الوطني الفلسطيني المستقل. أما مع لبنان فقد استدرجنا جميعاً العام 1975 الى الحرب الأهلية لتمرير التسوية الأميركية في ذلك الحين. وليس بين هذه العوامل ما يشكل أزمة بيننا وبين مصر، وحتى حين اختلفنا مع السادات في مبادرته فإن ياسر عرفات الذي لم يمل دوماً من تكرار القول بأنه مصري الهوى، هو الزعيم العربي الأول الذي بادر إلى كسر طوق العزلة العربي الذي كان مفروضاً على مصر.
ولكن هذه لحظة قد تكون نادرة لنا نحن الفلسطينيين كفرصة من السماء لكي نتبصر في حقيقة مواقفنا السابقة من استمرار هذا الانقسام. وبالأخص بالنسبة لـ"حماس" التي يجب عليها أن تقف لمراجعة سياستها السابقة، ليس من خطأ انسحابها من المحور السوري والإيراني وحزب الله فقط، ولكن لضرورة استعجال التوافق الفلسطيني إذا كان الحل اليوم للأزمة الغزية والفلسطينية مع مصر هو حل وحيد اسمه الاتفاق مع الرئيس، لكي نكون قادرين على إغلاق هذه الثغرة في استغلال الشقوق بين الفلسطينيين. والمسألة أخيراً واضحة فإذا خسرتم يا "حماس" في وقت وجيز كل هذه المجموعة من الحلفاء، إيران وسورية وحزب الله وأطيح بحكم الإخوان في مصر. فاربحوا على الأقل الرئيس أبو مازن وشعبكم وهو أفضل تعويض