ربما كان من حسن حظ الشيخ تميم بن حمد، أمير قطر الجديد، الذي ما كاد يتسلم مقاليد حكم الإمارة الخليجية، حتى أطيح بحكم حليفه الإخواني من على عرش مصر، حيث يمكنه أن "يتهرب" من حماقة التحالف مع جماعة سرعان ما فقدت الحكم، بعد عام فقط من الوصول إليه، وإظهار الأمر على أنه أحد دوافعه للقيام بإزاحة أبيه عن عرش قطر، نظراً لما كانت تتسم به سياسات هذا الأب مع رفيق حكمه، حمد بن جاسم، من حماقة وقصر نظر، ومن استعداء الكثير من الأشقاء والجيران. وتكفي هنا الإشارة إلى أنه من بين دول مجلس التعاون الخليجي، انفردت قطر وحدها في التحالف مع حكم الإخوان في مصر، فيما تأكد بشكل واضح أن السعودية، الإمارات والكويت، سارعت لدعم النظام الجديد في مصر، فيما يمكن اعتبار أن البحرين وعمان، أقرب للموقف السعودي / الإماراتي / الكويتي، ولكنهما ليستا على الثراء ولا الفاعلية السياسية التي يتميز بها أشقاؤهما الخليجيون الآخرون.
وبالفعل فإن الشيخ تميم، سارع فوراً إلى تهنئة المستشار عدلي محمود منصور، رئيس الجمهورية المصرية المؤقت، فور إعلان تولي رئيس المحكمة الدستورية منصب الرئاسة بعد إعلان عزل مرسي العياط، ونظراً لحل مجلس الشعب، وعدم وجود رئيس له يتولى المسؤولية حسب الدستور المصري، ونظراً _ بالطبع _ لعدم وجود نائب للرئيس.
ولأنه نشأ عن وصول الإخوان إلى الحكم في مصر، عقب خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك، عقب اندلاع ثورة 25 يناير، تحالف ثلاثي، ضم جماعة الإخوان مع قطر مع واشنطن، فإنه إذا كانت قطر وجدت ضالتها (وقد ظهرت الدوحة كأنها غير الجزيرة، فالجزيرة واصلت انحيازها للإخوان، حتى بعد تهنئة الشيخ تميم لعدلي منصور) في أن الصدفة لعبت دورها في كون الشيخ تميم تولى الحكم حديثاً وقبل أقل من شهر، من خلع مرسي، فإن أمر الإدارة الأميركية كان أصعب، فقد حاولت واشنطن الضغط على الجيش، من خلال سفيرتها في القاهرة آن باترسون، التي ظهرت كسفيرة فظة، أثارت الشارع المصري، ودفعت الجيش للتشدد، حين شم رائحة التدخل والتهديد الأميركي لمصر، أي أن واشنطن لم تخسر وحسب حليفها ولا رهانها على حكم مستقر للإخوان يدوم سنين طويلة وحسب، ولكن أيضاً أثارت حفيظة الشارع المصري، جراء مواقفها التي كانت في أحسن أحوالها متذبذبة، وفي أسوأ حالاتها، تضمنت إشارات بالتدخل السياسي وحتى العسكري، من خلال تحريك بعض قواتها في البحر، والتوجه الى منطقة المتوسط، وتحديداً باتجاه قناة السويس، ثم دعوة مواطنيها في مصر إلى المغادرة، خوفاً على حياتهم!
لا نبالغ لو قلنا إن أدارة أوباما تعيش كابوساً حقيقياً، وأسوأ أيام حكمها، فبعد أسابيع قليلة من الضربة التي تلقتها في القصير السورية، والتي دفعت بوتين إلى التشدد، بعد أيام من نجاحه في خديعة الأميركيين بعد اتفاقه مع كيري قبل القصير على حل سياسي في سورية، وذلك في اجتماع الثماني في لندن، تأتي الضربة القاسية جداً من الشعب المصري المنتفض في القاهرة على حليفهم الجديد بعد مبارك _ حكم الإخوان _ ما يوفر مادة سياسية خصبة لخصومهم الجمهوريين، الذين بات بمقدورهم أن يظهروا الديموقراطيين على انهم "أغرار" في السياسة الخارجية. رغم استعانة أوباما في ولايته الثانية بحنكة جون كيري، ورغم أن كيري ربما لا يتحمل مسؤولية المراهنة على حكم الإخوان في مصر، إلا أنه يتحمل مسؤولية الملف السوري، والقصير، لذا هو يبحث عن "تعويض" في مكان آخر، ربما هو الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وهذا ما يفسر تهديداته للسلطة، حتى يجبرها على الدخول في "مفاوضات" غير حاسمة وربما حتى ليست جدية.
ربما تكتفي قطر بمراجعة حساباتها، بعد تجربتها الخاسرة في مصر، وربما تنجح الولايات المتحدة ببراغماتيتها المعروفة في العودة للتحالف مع مصر، وفي التعويض عبر الملف الفلسطيني، أما الإخوان، فربما باتوا بحاجة إلى التعويض من خلال سيناء وغزة، غزة من خلال التشبث بحكم "حماس" فيها بأي شكل وإغلاق أبواب المصالحة بحجة ذهاب أبو مازن للتفاوض مع الإسرائيليين عبر كيري، وقد عادت أصوات "حماس" بعد أن صمتت عاماً كاملاً، للحديث عن معاناة الشعب جراء إغلاقات مؤقتة لمعبر رفح أو جراء هدم الأنفاق، ومن خلال محاولة خوض معركة مع كل الجماعات الجهادية في سيناء، والنجاح بفصلها عن مصر، فيكون حالها مثل حال غزة، ومن يعلم، ربما، تقوم دولة الإخوان في سيناء وغزة، حيث في ظل حكم كهذا يمكن أن تتوحد غزة مع سيناء، وتنفصل نهائياً عن الضفة الغربية، وهناك أطراف إقليمية لها مصلحة في هذا _ خاصة إسرائيل _ التي أشارت أكثر من مرة إلى إمكانية إقامة دولة فلسطين في غزة، مع توسيعها إما بتبادل أراض مع مصر بين النقب وسيناء، أو من خلال الحديث صراحة على أن سيناء لم تكن مصرية حتى الحرب العالمية الأولى، وفي ظل إعادة ترتيب الشرق الأوسط الكبير، كل شيء ممكن، وكل ما يقع على الأرض، يكمن أن يتحول إلى واقع سياسي!
Rajab22@hotmail.com


