خبر : الاختلاف والتشابه بين الجيشين المصري والسوري ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 16 يوليو 2013 12:11 م / بتوقيت القدس +2GMT



صورتان لجيشين عربيين. الصورة الأولى مروحيات تابعة للجيش المصري تلقي الأعلام المصرية على جموع المتظاهرين في الميادين. الصورة الثانية مروحيات للجيش السوري تلقي براميل متفجرة على مواقع للمعارضين في مناطق مأهولة (صورة كاريكاتير بتوقيع الرفاعي). صورتان تلخصان موقف النظامين والدولتين والجيشين، وتفرضان على المرء إجراء مقارنة بينهما. المقارنة من المفترض أن تكون موضوعية وغير متحيزة. وحتى تكون كذلك، دعونا نستبعد الروايتين الرسميتين الصادرة عن النظامين والجيشين المصري والسوري. قد يبادر البعض للقول إن الصورتين تنطويان على "لا موضوعية". حسناً، لنذهب إلى بند الخسائر التي لحقت بالشعبين والبون الشاسع في الأرقام. خسر الشعب السوري 100 ألف ضحية مقابل مئات من الشعب المصري. 160 ألف معتقل سوري مقابل مئات المعتقلين المصريين، إضافة للدمار الشامل الذي لحق بمعظم المدن أو أحياء وضواح منها وبالبلدات والقرى السورية، مقابل أن المدن المصرية لم تمس بأي نوع من الدمار. وتشرد حوالي 5 ملايين سوري داخل سورية (3.5 مليون مواطن)، وخارجها (1.5 مليون). مقابل انه لم يتشرد أي مواطن مصري. عناصر أخرى كالتدمير الذي لحق بالاقتصاد والخسائر الفادحة جراء العقوبات الدولية وكلها سلبية جداً كانت الغلبة فيها للجيش السوري. لوحة الخسائر تؤكد الفرق الجوهري بين أداء المؤسستين العسكريتين لمصلحة الجيش المصري. وهنا قد يقول البعض إن الموت والدمار والخراب في سورية كان نتيجة منطقية للتدخلات الخارجية، وإن المعارضة السورية والقوات والفصائل التابعة لها هي التي صنعت الموت والدمار. هذه الاعتراض صحيح جزئياً، من زاوية وجود تدخل خارجي رسمي وعبر منظمات متطرفة، وإن هؤلاء ألحقوا جزءاً من الخسائر. غير أن رد النظام السوري على الثورة الشعبية السلمية بقمع دموي وعدم الاستجابة لمطالب الشعب السوري المشروعة، والاستمرار في تقديم الحل العسكري القمعي كحل وحيد لإنهاء الصراع الداخلي، أدى إلى تعميق الانقسام بين أكثرية من الشعب وبين النظام وجزء آخر من الشعب. وكان من شأن ذلك فتح الأبواب على مصاريعها أمام التدخلات الخارجية. وعندما يوضع الشعب أمام خيارين حادين كالحل العسكري القمعي أو استسلام المنتفضين وتراجعهم عن مطالبهم المشروعة. فإن النتيجة هي طغيان العنف والعنف الأشد والأخذ بالنظرية الفاشية القائلة "ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة". ما ينطبق على الجيش السوري ينطبق على الجيش المصري فيما لو اختار الحسم بالقوة، كان الجيش المصري المتبني لخيار الحسم العسكري مع المنتفضين سينقسم، وكانت التدخلات ستأخذ أبعاداً خطيرة، وكانت مصر ستدمر. إن تعامل الدولة المصرية ومؤسستها العسكرية بطريقة مختلفة عن نظيرتها السورية جنب مصر الويلات والدمار. مصر تعرضت لأشكال من التدخل الخارجي السياسي والاقتصادي وكان هدفها قطع الطريق على الثورة الشعبية وعدم تمكينها من تحقيق أهدافها وهي إنهاء علاقات التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية. وسورية تعرضت لأشكال من التدخل العسكري والاقتصادي والسياسي وكان الهدف قطع الطريق على الثورة وعدم تمكينها من تحقيق أهدافها الرامية إلى تحويل سورية إلى بلد ديمقراطي قادر على حل المسألة الوطنية وحل الأزمة الاقتصادية.
ثمة تشابه في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشعبان، والتي تسبب بها النظام المستبد الجمهوري الذي تحول في غفلة من الزمن إلى نظام ملكي وراثي كأمر واقع. وما ترتب على ذلك من تشابه في المطالب والشعارات التي رفعها الشعبان كالحرية والكرامة والديمقراطية والخبز التي لخصها شعار (الشعب يريد إسقاط النظام). كانت مصر وسورية في الخمسينات والستينات أكثر تطوراً من كوريا الجنوبية والهند والبرازيل. لكنهما تراجعا إلى الحضيض بسبب نظام الحكم المستبد الذي كبح كل تطور ممكن. لكن تشابهاً في الأزمات واختلافاً في الاستجابة والردود من قبل المؤسسة العسكرية والدولة، أدى إلى الافتراق في النتائج وآفاق المستقبل. سورية مدمرة منقسمة معزولة نازفة موزعة على قوى دولية وإقليمية. ومصر تشق الطريق الصعب نحو الديمقراطية بإرادة شعبية قوية زاخرة بالطاقات. الصعوبة تتأتى من سعي النظام القديم الجديد ومن ضمنه المؤسسة العسكرية وحلفاؤهم الأميركان في الالتفاف على المسار الديمقراطي وخطف الثمار الطيبة للثورة المصرية في حلقتها الثانية 30 يونيو الماضي، من خلال بقاء النظام المهيمن اقتصادياً مع تغيير في شكل الحكم باتجاه ديمقراطي ليبرالي. صحيح أن هذا الإنجاز لا يلبي مطالب الشعب المصري لكنه يحتمل التطوير طالما بقيت يقظة الشعب المصري وحراكه قائمين. مقابل ذلك هبطت الدولة السورية ومؤسستها العسكرية بالصراع إلى طور متأخر ما قبل رأس مالي، لتضفي عليه طابعاً (طائفياً رجعياً) بصيغة صراع سني – شيعي علوي، ولتدفع النظام لتثبيت سيطرته ولو على انقاض سورية الوطن، أو تثبيت سيطرته على جزء من سورية بصيغة "دويلة طائفية".
لماذا تصرف الجيشان والدولتان بأساليب مختلفة في التعامل مع شعبيهما. الاختلاف بين مصر الدولة العريقة التاريخية ومؤسسة الجيش المستقلة نسبياً بما في ذلك اعتمادها على مشاريع إنتاجية والمجلس العسكري الذي يضم خبراء وذوي اختصاص، ومؤسسة القضاء التي حاولت الحفاظ على هامش من الاستقلال. وسورية الدولة غير الراسخة التي تحولت إلى سلطة قامعة، والحزب الحاكم الذي أصبح ديكوراً لسلطة العائلة، والمؤسسة العسكرية التي أعيد بناؤها على أساس طائفي وعائلي، وكم مترامي الأطراف من أجهزة الأمن. عجز الدولتين في إيجاد حل للمسألة الوطنية (كامب ديفيد واتفاقية الفصل بين القوات على جبهة الجولان) فعل فعله في المؤسستين العسكريتين. المؤسسة العسكرية المصرية توقفت عند حدود اتفاقية كامب ديفيد لأنها تلبي مصالح الرأسمالية المصرية التابعة بمختلف مكوناتها، ولا تلبي مصالح الشعب المصري، فانعكس ذلك بتراجع دور مصر الإقليمي، وبضعف الدولة المصرية وانتشار الفساد في مؤسساتها بما في ذلك المؤسسة العسكرية. والمؤسسة السورية توقفت عند حدود اتفاقية الفصل وابتدعت سياسة الممانعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، واعتمدت سياسة تجميع الأوراق واللعب بها لا لحل المسألة الوطنية ولكن من اجل تحسين امتيازات النظام ومؤسسته العسكرية. وأكبر دليل على ذلك امتناع النظام عن الرد على كل الاعتداءات الإسرائيلية وآخرها تدمير صواريخ روسية حديثة وصلت مستودعات الجيش في اللاذقية. الجيش السوري مر بتحولات كبيرة. وبخاصة فترة 30 سنة من السيطرة العسكرية على لبنان. فقد لجأ كبار الضباط إلى زراعة وتصدير المخدرات في لبنان، والى فتح ممرات تهريب ألحقت بالاقتصاد السوري الخراب. وانعكس ذلك على بنية الجيش. وعندما اندلعت الثورة الشعبية قدم النظام والجيش هذا الأداء البائس والمدمر.

Mohanned_t@yahoo.com