باتت معادلة استمرار الاقتتال الداخلي في سورية، واضحة المعالم، بعد تواصلها لمدة زهاء العامين ونصف العام، ما اتضح جلياً لجميع أطراف الأزمة، وللمراقبين الإقليميين والدوليين، هو حرص المجتمع الدولي، وخاصة الأطراف ذات المصلحة، في الأزمة، على استمرار الأزمة الداخلية، وتواصل الاقتتال، وصولاً لتدمير سورية، وإلغاء دورها، الإقليمي والدولي، على حد سواء! المجتمع الدولي، ليس معنياً في إسقاط النظام السوري، ولا انتصاره بالطبع، وليس معنياً بانتصار الثورة والديمقراطية في سورية، كما أنه ليس معنياً بضربها وهزمها وإلغاء دورها.
تتصارع الأطراف في سورية على اختلاف ألوانها ومذاهبها، صراعاً دامياً مسلحاً، يترتب عليه هدم البنى الاجتماعية والاقتصادية، وإلغاء دور سورية السياسي ـ الإقليمي، وهو المطلوب.
السلطة كما المعارضة، تتورط في حمّى هذا الاقتتال العدمي، دون التفكير جدياً بوقفه والاتجاه فوراً للإطار السياسي، الكفيل بحل الأزمة الداخلية، وهو ما يكفل وحدة الجغرافيا السياسية السورية أولاً وقبل أي شيء آخر.. هنالك أطراف إقليمية ودولية، تغذي معادلة استمرار الصراع المسلح، ولكل هدفه ورؤيته ومصالحه، ما تريده الأطراف الإقليمية والدولية من عقد مؤتمر جنيف، هو وضع إطار للأزمة المسلحة واستمرارها، وليس فضاً للاشتباك، والوصول بالأزمة إلى بر الأمان.
باتت المعارضة على شبه يقين، بأن المجتمع الدولي، وبعض الأطراف الإقليمية، تريد من استمرار الأزمة المسلحة، إلغاء دور سورية، وليس الوصول بسورية إلى بر الأمان والديمقراطية والسلام.. النظام من جهته، لا يزال يراهن على الحل العسكري، وحسم الأمور أمنياً وبالعنف، يساعده في ذلك بعض الأطراف الإقليمية والدولية، دون أن يسأل نفسه جدياً، عن نتائج خطى الحسم منذ أكثر من عامين وحتى اللحظة.. هو يدعي بالإصلاح والحل السياسي، دون أن يقوم بأية نقلة نوعية جدية في هذا الاتجاه.
اللافت للنظر في هذه الأزمة، تحييد جموع الشعب، الذي يعاني من ويلات الحرب الأهلية، ومن ويلات استمرار العنف المسلح، دون أن يكون له حول ولا قوة.. ولعلّ ذلك يعود لشدة القبضة الأمنية للنظام السوري منذ 1970.. حيث غابت المنظمات الشعبية، وقضي على روح المبادرة الشعبية، وأصبحت هياكل حزب البعث وبعض الأحزاب المفبركة، هياكل كرتونية، يحركها النظام كما يريد.
غياب الدور الشعبي في الأزمة السورية، يلعب الدور الأساسي في استمرار الاقتتال الداخلي، وصولاً لتدمير سورية، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وتغييب أي دور حقيقي لسورية، وعلى الصعد كافة.
كل من حول سورية يراقبون ما يجري، بدم بارد، متريثين ويرقبون حصصهم من وراء تلك الأزمة المتصاعدة، وكأن أرقام الضحايا وتزايدها هي أرقام لكائنات جامدة.
لا أحد يريد التدخل الفعلي لوقف نزيف الدم، بل على النقيض، فقد برزت أطراف متدخلة، لإشعال المزيد من النيران، واحتدامها الجارف المدمر.. الولايات المتحدة تعلن ذلك صراحة وبوضوح، هي معنية بالدعم والمساعدة للمعارضة السورية، لاستمرار الاقتتال، وليس من أجل حسمه وانتصار المعارضة، المساعدة هنا بمقدار محسوب، وهدفها المعلن، تواصل الاقتتال المسلح، والهدف بات واضحاً للجميع.


