خبر : "الأوبامية" وفشلها الكبير ...بقلم: د. خالد الحروب

الإثنين 15 يوليو 2013 01:56 م / بتوقيت القدس +2GMT
"الأوبامية" وفشلها الكبير ...بقلم: د. خالد الحروب



كان انتخاب باراك اوباما كأول رئيس اسود للولايات المتحدة العام 2008 حدثا عالميا بكل المقاييس، وتأثيراته امتدت بعيدا الى ما وراء الحدود الاميركية. تضاعف اثر ذلك الانتخاب المتميز بتاريخيته الذاتية بسبب مجيئه في اعقاب حقبة اميركية نيومحافظة بقيادة جورج بوش الابن اتسمت بالشراسة واطلاق الحروب، من افغانستان إلى العراق الى الحرب ضد الارهاب. تنفس العالم الصعداء يومها وانطوت صفحة مظلمة من السياسة الاميركية المتطرفة، واستعد كثيرون لمنح الرئيس الجديد كل الفرص كي يمسح الآثار البشعة التي تركتها البوشية. لكن بعد مرور الفترة الانتخابية الاولى وما تلاها تبين كم كان سقف التوقعات آنذاك مرتفعا، حيث ظهر اوباما رئيسا باهتا، مترددا، خاضعا لضغوط ولوبيات، ومخيبا لآمال الكثيرين.

في كتابه الجديد "الامة غير الضرورية: السياسة الخارجية الاميركية في تراجع" (The Dispensable Nation: American Foreign Policy in Retreat – 2013) يحلل فالي ناصر، الدبلوماسي الاميركي السابق في الخارجية، والاكاديمي في جامعة جون هوبكنز (من اصول ايرانية)، معالم ذلك الفشل. يركز ناصر على فشل السياسة الاميركية في افغانستان وآسيا عموما، وينتقد بشدة الاستراتيجية "الاوبامية" في نقل ثقل الوجود والاهتمام الاميركي من الشرق الاوسط إلى آسيا. ويناقش ناصر ايضا فشل اوباما في تحقيق وعوده والارتقاء إلى مستوى الخطاب البلاغي الشهير الذي القاه في جامعة القاهرة وتوجه به الى العالم الاسلامي.
هناك الكثير مما يمكن نقاشه حول "الاوبامية" وفشلها، لكن تتوقف هذه السطور عند فشلها إزاء القضية الفلسطينية والاقتراب جديا من ملف الصراع العربي الاسرائيلي. في بداية حكمه واجه اوباما اجندة مزدحمة داخليا وخارجيا. آنذاك كانت اميركا وأوروبا واقتصادات العالم الاول برمته تعاني من ازمة الانهيارات المالية المتتالية. وكانت القيادة الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة محط تساؤل وشك عميقين من قبل الدائنين المحليين والخارجيين على حد سواء. وكان على اوباما ايضا مواجهة شبكة معقدة من العلاقات المتوترة والغامضة مع روسيا والصين على وجه الخصوص، لاسيما وان القراءات والتحليلات المستقبلية تشير إلى صعود القوة الصينية في العقود القادمة ليس كمنافس شديد للقوة الاميركية، بل ومتجاوز لها. وفي الجوار الأميركي اللاتيني هناك الكتلة اليسارية التي تتمحور حول الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز مُقادة ببوصلة العداء لأميركا. وعولمياً كانت هناك تحديات التدهور البيئي وهشاشة اتفاقات التجارة العالمية وعدد آخر من المعاهدات الدولية التي تواجه مآزق عدة يُحال تطورها إلى السياسة الانفرادية الأميركية خلال حقبة بوش الابن.
اما في الشرق الأوسط "الكبير" وجواره فقد كانت اقدام الولايات المتحدة تغوص في رمال حربين لا افق للنجاح لهما، في أفغانستان والعراق، إضافة الى الصراع العربي الاسرائيلي وتلاحق فشل التسويات، والآمال المتضخمة التي علقها العرب والفلسطينيون على قدوم اوباما.
كل ذلك يتفاعل في مناخ دولي وشعبي عالمي أحد سماته الأساسية، في النظرة لأميركا، هو ارتفاع مستوى الكراهية للولايات المتحدة في العالم إلى درجات غير مسبوقة.
لم يضع اوباما مسألة الصراع العربي الاسرائيلي في اولويات اجندته الدولية، في ظل ازدحامها بقضايا اخرى، وخشية التورط في رمالها المحرقة. والسياسة الأميركية الشرق أوسطية لأي رئيس جديد، ديموقراطيا كان أم جمهورياً، تخضع لاعتبارات عديدة بعضها مرتبط بحسابات الترشح لفترة رئاسية ثانية، وجزء كبير منها مرتبط بضغط اللوبيات اليهودية ونفوذها. مع فوز أوباما كان من المتوقع استمرار ان تواصل تلك الاعتبارات اشتغالها، لكن كان من الطبيعي ايضا افتراض بروز تفكير جديد يأخذ بالنظر بعض المكونات المُستجدة التي تجعل تطبيق السياسات والاعتبارات الماضية سبباً في تدهور إضافي ليس على صعيد شرق أوسطي فحسب، بل وأميركي أيضاً. على الضد من ذلك الافتراض أعلن اوباما أن اولويته الشرق اوسطية والآسيوية ستكون أفغانستان وإيقاف الانهيار فيها، واتقاء انهيار شبيه في جارتها باكستان، ثم معالجة الوضع في العراق.
وبالفعل فقد غرق اوباما وسياسته في وحل هذين الملفين، وما زال الملف الافغاني بعيدا عن الحل، اما الملف العراقي فقد اغلقه بطريقة فاشلة، كانت تخلصا وتملصا اكثر منها حلا، حيث قدم العراق على طبق من فضة لإيران ونفوذها. في نفس الوقت، وكما كان متوقعا اجل بذل أي جهد جدي على جبهة الصراع العربي الإسرائيلي إلى الدورة الثانية لانتخابه، كيف يقلل من ضغوط اللوبي الصهيوني. رأينا اوباما في الفترة الاولى يتلقى الصفعة تلو الصفعة من نتنياهو في ملف الاستيطان. وقد بلع اوباما اهانات مثيرة وعلى العلن إذ تراجع عن تصريحاته بضرورة وقف الاستيطان قبل استئناف اي مفاوضات، وفرض نتنياهو رؤية اليمين الاسرائيلي على الادارة الجديدة. لكن حتى في الفترة الثانية واصل اوباما فشله وسياسة تخييب الآمال، حيث توقع كثيرون ان يتحرر اوباما من الضغوط السابقة، ويتصرف كرئيس لأقوى دولة، او على الاقل يدخل التاريخ وقد أزال اثر الإهانات التي تلقاها من نتنياهو.
ربما كانت الفكرة المباشرة التي الحت على اوباما في فترة رئاسته الاولى هي عدم المغامرة ببعثرة رأس المال السياسي الذي بدأ به دورته في حل قضية قد لا تُحل وتسبب له خسارات كبيرة. وأن رأس المال السياسي الكبير الذي تربع عليه من البداية إضافة إلى الشعبية المحلية والعالمية من الطبيعي أن تمنحه ثقة كبيرة، وربما زائدة على اللزوم، إزاء كيفية ترتيب أولويات سياسته الشرق أوسطية، وذلك أيضا في ضوء قلة خبرته في الملفات الدولية بشكل عام. بمعنى آخر سوف يشعر بأن "التفويض" العالمي الذي حصل عليه يمكنه من استثمار وقته وجهده في الملف أو الملفات التي يراها أكثر إلحاحاً، وسوف يستند إلى تفهم العالم لما يقوم به بسبب ازدحام أجندته والخراب الكبير الذي أورثه إياه جورج بوش. فشلت تلك الفكرة، وتبخر رأس المال السياسي ومعه الشعبية، وسيدخل اوباما التاريخ كأحد الرؤساء الباهتين، الذي يستقبله السود في جنوب افريقيا بالمظاهرات وإلقاء البيض، عوض ان يروا فيه تجسيدا لبعض احلامهم.

Email: khaled.hroub@yahoo.com