خبر : انقلاب عسكري أم تسونامي شعبي؟ ..بقلم: طلال عوكل

الإثنين 08 يوليو 2013 10:44 م / بتوقيت القدس +2GMT
انقلاب عسكري أم تسونامي شعبي؟ ..بقلم: طلال عوكل




ما وقع في مصر يوم الأحد قبل الماضي، الثلاثين من حزيران، يرتب علينا بل يلزمنا بأن نجدد اعترافنا، وأن ترسو قناعاتنا، وأن نرسم خطواتنا اللاحقة، على اعتبار مصر قلب الأمة العربية، وعقلها، إنها كما يقال عن حق أم الدنيا.
وبصرف النظر عن التوصيفات التي تصدر، سواء أكانت عاطفية أم عقلية، منحازة أم محايدة، فإننا مضطرون للتعامل مع الوقائع كما هي، يختلف الناس حسب مواقفهم في وصف ما وقع، هل هو ثورة شعبية، أم تصحيح للثورة التي وقعت في الخامس والعشرين من يناير 2011، أم أنه انقلاب عسكري، أم انقلاب شعبي، هل هو فوز للثورة الحقيقية أم أنه فوز للثورة المضادة.
أولاً وقبل كل شيء، علينا أن نعترف ونسلم بحقيقة أن الشباب في مصر هم أصحاب الفضل، بالقول والعمل في تفجير ثورة الشارع المصري في المرة الأولى، وفي المرة الثانية، وأن الأحزاب السياسية ركبت الموجة، والتحقت بالثورة في المرتين.
في المرة الأولى نجحت الأحزاب في الاستحواذ على الحصاد السياسي، فأنتجت نظاماً سياسياً طغى عليه لون تيار الإسلام السياسي، لكن في المرة الثانية بقي الشباب في المقدمة وخلفهم اصطفت الأحزاب والحركات بين مشارك ومؤيد، ومتحفظ ومعارض.
لم تتمكن أية قوة سياسية من أن تركب ظهر الثورة الشعبية الثانية، وبدلاً من مشهد الاحتكار السياسي، ظهر مشهد آخر يؤشر على الشراكة السياسية، وغياب منطق الهيمنة والاحتكار السياسي والإقصاء.
وفق مؤشرات غربية متعددة، تفاوتت التقديرات بشأن الحشود التي خرجت يوم الثلاثين من حزيران، وتجددت يوم الثاني من تموز، لكنها تراوحت بين ثلاثين إلى ثلاثة وثلاثين مليون مواطن مصري خرجوا بمشهد سلمي مهيب.
في مصر وفي الوطن العربي، لم يسبق للجماهير أن خرجت إلى الشوارع بهذه الكثافة العددية، والبعض يقول إن التاريخ الإنساني لم يعرف خروجاً للجماهير على النحو بالأعداد التي خرجت يوم ثلاثين حزيران، لكن ثمة من يعاند الحقيقة ويتجاوز عليها، ومنها بعض الفضائيات الكبيرة التي تدعي أنها صاحبة أدوار كبيرة وأساسية في إطلاق شرارة الربيع العربي، وبعض الأحزاب والحركات المتضررة، ما زالوا يكابرون، فيضعوا حشد الإخوان المسلمين في رابعة العدوية، مقابل حشد الميادين في مختلف محافظات مصر، ليخرجوا باستنتاج أن الشارع منقسم بين طرفي المعادلة.
ثمة انقسام سياسي وشعبي في مصر، وهذه حقيقة لا ينبغي أن تحجبها حماسة العواطف المؤيدة للثورة الثانية، وهو أمر ستظهر تداعياته على نحو أكثر وضوحاً خلال المرحلة المقبلة، لكن ليس ثمة مجال للمقارنة بين حشد رابعة العدوية وحشد التحرير.
ما وقع في مصر، طرح قضية الشرعية من جديد، والحديث في هذا الموضوع يمتد ويتسع وكل يفصل انطلاقاً من الفكرة أو الموقف الذي يتبناه هذا الطرف أو ذاك، أي أنه نقاش محكوم للغة المصالح الحزبية أو السياسية أو الفكرية.
ثمة شرعية ثورية، وشرعية شعبية، وشرعية دستورية، وشرعية صندوق الاقتراع، وشرعية تاريخية، وشرعية وراثية، لكن حين تخرج أغلبية شعبية عددية كالتي وقعت في مصر، فإنها تلغي كافة الشرعيات، حتى في الأنظمة السياسية التي لا تستند إلى الشعب، ولا تستمد منه شرعيتها كما في الأنظمة الملكية والاستبدادية.
من خرج إلى الشوارع والميادين في مصر، يفوق عددهم كل الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، وانتخابات مجلسي الشعب والشورى، فإذا كان الرئيس المعزول محمد مرسي قد فاز بكرسي الرئاسة قبل عام، بما يزيد قليلاً على اثني عشر مليون صوت، فإن من خرجوا لسحب الثقة منه يوازي تقريباً ثلاثة أضعاف من منحوه الثقة.
كان من الأولى أن يستمع مرسي إلى صوت الأغلبية، التي طالبت بإجراء انتخابات مبكرة، وأن يخوض مرة أخرى غمار التنافس إن كان واثقاً من أن شرعيته استندت وتستند إلى الشعب باعتباره مصدر السلطات.
في هذا الإطار فإن مسألة الزمن تصبح قضية هامشية، فإن تشكلت قناعة لدى أغلبية الشعب بأن الحكم أو الحاكم، غير قادر على إدارة الدفة بما يحقق تطلعات الناس، فإن التقيد بالمدة الزمنية القانونية التي يشغلها الرئيس، يصبح ذريعة لوقوع خسائر باهظة لا حيلة للشعب ولا سبب لاحتمال تكبدها.
أين المشكلة في أن يعيد الشعب موقفه إزاء التفويض الذي منحه للحاكم، إذا كان قد اكتشف مبكراً، بأنه أخطأ في الاختيار، بما يوجب التصحيح؟ وإذا كان البعض لا يريد الاعتراف بهذه الحقيقة، فيلقي باللائمة على الجيش، ويتهمه بأنه خرج عن الدستور والشرعية، وبادر إلى الحسم، بما يؤسس لوصف ما جرى على أنه انقلاب عسكري، فإننا نتساءل ماذا كان على الجيش أن يفعل كخيار بديل؟
هل كان على الجيش أن ينتصر للحاكم الذي سحب الشعب ثقته به، بذريعة التمسك بالشرعية الدستورية، وفي هذه الحالة هل سيكون الجيش جيش الشعب، أم جيش الحاكم؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل كان على الجيش أن يحمي نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأن يقف إلى جانبه ضد إرادة الشعب؟
في الواقع، فإن الخيارات لتدخل الجيش الذي أثبت مرةً تلو الأخرى وطنيته ونزاهته وعدم رغبته في تسييس دوره، واستلام زمام الحكم، هذه الخيارات كانت تذهب إلى مزيد من الخسائر، وربما الانهيار، وتعميق حالة الانقسام، والفوضى، وتوفير الفرصة لكل أشكال الصراع السياسي والحزبي والطائفي، ولتدهور الأحوال نحو العنف.
الذين خرجوا يوم الثلاثين من حزيران، كان عليهم إما أن يقتحموا مقر الاتحادية، وقصر القبة، وماسبيرو، والوزارات السيادية، وإما أنه كان عليهم أن يدخلوا مرحلة عصيان مدني يعلم الله إلى أين سينتهي، وماهية الثمن الذي سيتكلفه الشعب، فهل كان على الجيش حينها أن يدخل في صراع مباشر ضد الشعب، لصالح الحاكم؟ والذين يعتبرون ما جرى انقلاباً عسكرياً لماذا لم يعترضوا حين قطعت حماس الولاية الدستورية، واستخدمت العنف ضد السلطة في قطاع غزة في حزيران 2007؟
في كل الأحوال فإن الجدل بشأن مسألة الشرعية لن يتوقف طالما بقيت حالة الاستقطاب، وحالة التوتر الداخلي تسود في المجتمع المصري، وعلى ذكر الشرعية، فلقد تابع الكل تطور مواقف الولايات المتحدة، والموقف الأوروبي، هذه المواقف التي بدأت تحذر من انهيار وتجاوز التجربة الديمقراطية، والعملية السياسية، ونتائج صندوق الاقتراع، لكنها ستجد نفسها مضطرة لاستيعاب ما جرى، والانصياع لصوت الشعب، والتعامل الموضوعي المنطقي مع الدور الذي قام به الجيش والشرطة.
وفي المحصلة، فإن المواقف الدولية والعربية عموماً، جاءت حائرة أو مؤيدة لما وقع، لكن دون تجاهل لمواقف قوى وأنظمة أخرى داعمة ومؤيدة لنظام مرسي. هذه مجرد مقدمة لحديث يطول، لاشك أن له بقايا، طالما أن ما جرى ويجري في مصر، ينسب إلى التغييرات التاريخية التي ستعكس نفسها على كل المنطقة، بما في ذلك قضية الشعب الفلسطيني.