خبر : صورة نراها وأخرى نريدها...خالد الخاجة

الثلاثاء 02 يوليو 2013 07:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
صورة نراها وأخرى نريدها...خالد الخاجة



تطل علينا بعد أيام قليلة نسمات شهر رمضان، الذي فضله الله سبحانه وتعالى على بقية شهور السنة، والتي بدأنا نتنسم نفحاتها لتسري في البدن روح جديدة وكأنها غير تلك التي تسكن أجسادنا في غيرها من الأيام، لتنعكس على حواسنا فنرى الأشياء من حولنا بنظرة جديدة وكأننا لم نرها من قبل، نستشعر رحمة الله بالناس وجمال صنعه في الكون، يتبدل سلوكنا مع بعضنا لنزيد حنواً ورقة ورحمة في تعاملاتنا، وتزيد في داخلنا مساحة السماحة والإيثار وحب فعل الخيرات وقبول الآخر. وفي ظل رحى الحياة الدائرة بقوة، والتي تباعد بشواغلها بيننا وبين من نحب، نجدنا أكثر بحثاً عنهم ورغبة في القرب منهم ووصلهم، والاعتذار إليهم مما نكون قد اقترفناه في حقهم بقصد أو دون قصد.. إنها روح الشهر الكريم التي تجعلنا نتوقف كثيراً للنظر إلى حالنا وحال من حولنا من المسلمين. وما يتطلب أن نتوقف عنده في هذه الأيام، لنراجع فيه أنفسنا، هو صورة المسلمين التي نراها، سواء في داخل بعض البلاد العربية أو خارجها، وهل هي بحق تعبر عن حقيقة هذا الدين العظيم أم أن بعض المسلمين بتصرفاتهم وغلوهم في هذا الدين قد أساؤوا إليه؟ فالإسلام دين يسر، لكن ممارسات بعض المسلمين هي التي تشوه صورة الإسلام أحياناً. والتشدد ليس من صحيح الدين، فما نعرفه ونفهمه عن ديننا أنه متين وأنه ما شادَّ الدين أحدٌ إلا غلبه، وأن مما قاله خير خلق الله محمد صلوات ربي عليه، ألا تتشددوا فيشدد الله عليكم، وأن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق؛ هذا الرفق الذي ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه. هلك المتنطعون، هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والتنطع، هو التشدد في أمور الدين والدنيا، وهو من الخصال الكريهة التي جعلت الرسول الكريم يدعو بالهلاك على المتنطعين، لأنهم يفسدون على الناس وعلى أنفسهم الاستمتاع بسماحة الإسلام ووسطيته، ويصدون بذلك غيرهم عن سبيل الله. إن روح الدين الإسلامي هي الوسطية الجامعة، ومن فقهه أن درء المفسدة أولى من جلب المنفعة، حتى الحدود التي وضعها الإسلام أفهم أن هدفها المنع ابتداء، وليس توقيع العقاب والتشفي.. آية ذلك عندما أتى رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت. فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه، فقال له: يا رسول الله إني زنيت. فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أبك جنون؟»، قال: لا، قال: «فهل أحصنت؟» قال: نعم. ولما أقام عليه الحد قال لأصحابه: «هلا سترتم أخاكم». هذه هي حقيقة الدين الإسلامي، التي لا يفقهها أصحاب المعرفة السطحية بهذا الدين، الذي ما خير رسوله بين أمرين إلا واختار أيسرهما، وقال: «من يسّر يسّر الله له»، هذا الدين الذي يرى فقهاؤه الحقيقيون أن من يخطئ في العفو أفضل من الخطأ في العقوبة، وأن من يحل حراماً أهون عند الله ممن يحرم حلالاً. إن وسطية الإسلام هي التي جعلت منه دينا للعالمين، والله سبحانه يقول: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»؛ تلك الرحمة التي جعلت منه ديناً قادراً على تلبية احتياجات أتباعه في كل العصور، ولكن مما أصاب قطاعاً من المسلمين حالة من التشدد تنم عن عدم فهم لحقيقة الدين. كما أن الوسطية هي التي تجعل أصحابه يتميزون بالقدرة على الاستمرار في عمارة الأرض دون هجرها، والرسول الكريم يقول: «إن المُنبَتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى». والمنْبَتّ هو الذي امتطى صهوة جواده ثم ضربه ضرباً شديداً فأسرع لدرجه جعلته يموت، فلا هو قطع مسافة كبيرة ولا هو أبقى ظهراً يمتطيه. والتاريخ يخبرنا أن آفة التشدد لم تصب المسلمين إلا في عصور التراجع والتدهور، فعندما تعجز العقول عن الفهم تتصلب الأدمغة وتعتقد أن التشدد فيه الأمان وفيه الحقيقة، رغم أن فيه الهلاك كما أخبر رسولنا الكريم. إننا ونحن على أبواب هذا الشهر الكريم، نريد أن يقف المسلمون في كل أرجاء الأرض وقفة تدبر مع النفس ويطرحون سؤالاً: هل فعلاً سلوك المسلمين يعبر عن جوهر الدين السمح بصفائه الذي يعلي من قيمة الإنسان كونه خلقُ الله، دون النظر لجنس أو عرق أو لون؟ ألم تمر جنازة برسول الله فقام لها واقفاً، فقيل له إنها ليهودي، فقال: أليست نفساً! وهو الذي أوصى جيش المسلمين في غزوة مؤتة ألا يقطع شجرة ولا يذبح بقرة إلا لأكل، وأنه سيجد أناساً في صوامعهم يتعبدون فدعهم وما يفعلون. ومن يتأمل سلوك قطاع من المسلمين في الشارع العربي وغيره، يدرك أنهم لا يعبرون عن روح الدين حين بات بأسهم بينهم شديداً، وأصبحت المذهبية والطائفية والعرقية محدداً لحركة بعضهم، وهو ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «دعوها إنها عصبية نتنة»، لأنه يدرك كيف تفعل بأصحابها. إننا نريد أن يكون شهر رمضان محطة يتوقف فيها المسلمون في شتى بقاع الأرض، لتعريف الناس بالإسلام الذي يجمع المسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، إسلام يجمعهم نحو قبلة واحدة، الإسلام الذي ينشر روح الإخاء والود بين أتباعه بعضهم البعض، وبينهم وبين غيرهم من أصحاب الملل الأخرى، إسلام ييسر حياة الناس وينقيها ويعمر الأرض ويحث أتباعه على نشر الخير بين الناس.. إن هذه الصورة هي التي نريد أن يعرفها القاصي والداني، أما ما نراه من المسلمين في بعض من بلاد الإسلام، من تناحر وتباغض وعنف وتخريب، فهي صورة لا نريدها.