تبدو منطقة الشرق الأوسط، وخاصة العالم العربي، في حالة تمدد وتغير سريعة مع تراجع حضور ودور وزخم «الربيع العربي» وثوراته. وثمة أحداث مهمة تتواتر وتتفاعل بشكل متسارع في المنطقة وخاصة في مصر وقطر وسوريا ولبنان، وكذلك على جبهة عملية السلام. وحتى مرض «إنفلونزا كورونا» يأبى إلا أن يزيد هو أيضاً من تعقيد الوضع في المنطقة، ويرفع من حالة الاستقطاب والاستنفار والترقب. وكان الأسبوع الماضي قطرياً بامتياز... فقد سرقت قطر الأضواء بالتغيير والتنازل السلمي من قبل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. في قطر، زعيم دولة عربية خامس منذ موجة التغيير و«الربيع العربي» يقرر طوعاً، ودون ضغوط أو حتى مطالبات، أن يترجل عن منصبه ويسلم الراية لنجله الشاب. والحال أن الأمير حمد فاجأ الجميع بتنازله عن الحكم، وتسليم مقاليد الحكم لنجله الشاب الأمير الجديد الشيخ تميم بن حمد، في سابقة في العالم العربي تزيد من تميز وتفرد قطر، وتعطيها مزيداً من الانتباه والمتابعة، وخاصة للتعرف على التغيير في حضور قطر وسياستها الخارجية التي بقيت تثير الكثير من التساؤل خلال السنوات الماضية. ولهذا ستبقى العيون مركزة على قطر للمقارنة بين قطر تميم بن حمد وقطر حمد بن خليفة، مع عدم توقع كثير من التغيير... على رغم التغيير الجذري في الحكومة القطرية الجديدة واستبدال رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، ودخول بعض الوزراء الجدد. وفي نهاية الأسبوع الماضي وخلال هذا الأسبوع يسجل أيضاً تقدم ملفت للحالة المصرية في سياق خضم التطورات والأحداث العربية، مع خطاب الرئيس مرسي في الذكرى السنوية الأولى لرئاسته، الذي أكد فيه على دوره وصلاحياته كرئيس للدولة، وانتقد خصومه ومناوئيه والإعلام واتهمهم بالتآمر، رافضاً مطالبهم بالاستقالة. ومع طلب السفارة الأميركية ترحيل الموظفين غير الأساسيين في القاهرة، وتحذير الأزهر يوم الجمعة الماضي من حرب أهلية في مصر، تزداد حالة الغليان والاستقطاب والفرز والاشتباكات والهجمات على مقار «الإخوان المسلمين»، وسقوط قتلى.. وكذلك ظهور حركة «تمرد» المعارضة، وتقابلها حركة «تجرد» لمناصري الرئيس مرسي. ونقل معركة المؤيدين والمعارضين للنظام إلى الإنترنت يزيد من الانقسام والشرخ الحاصل بين المصريين. وثمة استقطاب يثير المخاوف من تفجر الأوضاع بعد الاعتصام والدعوة في 30 يونيو لتظاهرات حاشدة مليونية من معارضي مرسي الذين يطالبونه بالاستقالة وخاصة من جبهة الإنقاذ... فيما مؤيدوه يحتشدون ويرفضون المطالبات باستقالته والدعوة لانتخابات مبكرة... والعيون كلها على مصر التي تواجه تحديات خطيرة تدفع بالنظام والشعب للمجهول... وهكذا تبدو مصر على مفترق طرق، وهي تواجه أكبر تحدٍّ للنظام الجديد في الذكرى السنوية الأولى لتولي محمد مرسي الرئاسة. وفي الأسبوع الماضي أيضاً جاء «كيري» إلى منطقة الشرق الأوسط للمرة الخامسة في خمسة أشهر، في زيارة مهمة لمناقشة عملية السلام المجمدة من منذ عامين ونصف العام، وهو ينخرط في دبلوماسية مكوكية مجدداً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبين عمان وتل أبيب والضفة الغربية. فهل في جعبة إدارة أوباما، والوزير «كيري» شخصياً، مبادرة للسلام تسعى واشنطن لتقديمها على نحو قد يحرك المياه الراكدة؟ وكذلك يناقش «كيري» الملف السوري بعد الموافقة على تسليح الثوار المعتدلين بأسلحة فتاكة. وكان الموقف السعودي هو الأكثر وضوحاً وصلابة في الجانب العربي إذا أعلن الأمير سعود الفيصل وبحضور «كيري» في الرياض، أن سوريا محتلة من طرف إيران و«حزب الله». ومشاركة قوات أجنبية ممثلة في ميليشيات «حزب الله» وغيرها مدعومة بقوات الحرس الثوري الإيراني في قتل السوريين وبدعم غير محدود بالسلاح الروسي، هي أخطر المستجدات على الساحة السورية، ما استوجب رداً إيرانياً وروسياً غاضباً. ولاشك أن هذا قد ينعكس سلباً على العلاقات الثنائية بين الرياض وموسكو وطهران... التي تراجع التفاؤل بشأنها، إثر انتخاب روحاني الذي ستبدأ ولايته في أغسطس القادم. ويبقى الشأن السوري هو الأكثر إلحاحاً والأكثر دموية وخاصة مع تراجع أي فرصة لعقد مؤتمر جنيف 2، وبقاء الحل العسكري والأمني مع وعود تقديم الدعم العسكري للمعارضة، واستمرار روسيا وإيران في إمداد النظام السوري بالأسلحة والدعم والغطاء السياسي. وبات المطلوب وبإلحاح عملاً مشتركاً على المستوى الدولي خاصة مع تجاوز عدد قتلى الثورة والحرب الأهلية السورية 100 ألف قتيل، إضافة إلى مئات آلاف الجرحى وملايين اللاجئين. وهذا ما دفع سوزان رايس المندوبة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة السابقة ومستشارة أوباما للأمن القومي لانتقاد تقاعس الأمم المتحدة عن لعب دور أكبر في الأزمة السورية. فيما أميركا ما زالت لم تولِ الملف السوري الاهتمام الذي يستحقه بالنظر إلى حجم وعمق المأساة، وخطر الحالة السورية وتهديدها بحرب إقليمية وطائفية ومذهبية، وتهديد تفلت أسلحة الدمار الشامل من عقالها... بعد تأكيد الاستخبارات الأميركية والبريطانية والفرنسية استخدام النظام السوري أكثر من مرة للسلاح الكيماوي وخاصة غاز السارين القاتل. وهي استنتاجات متواترة على رغم معارضة روسيا لها. ومن جانبه شهد لبنان، الحلقة الأضعف من جيران سوريا والأكثر تأثراً بالثورة السورية، أيضاً تطوراً خطيراً كاد يدفع به إلى أتون الحرب الأهلية الأسبوع الماضي، ما قد يفجر فتنة طائفية تضع حيادية الجيش اللبناني على المحك بعد حملة هذا الجيش العسكرية لإنهاء ظاهرة الشيخ السلفي أحمد الأسير في صيدا، في جنوب البلاد. وقد شن عملية عسكرية مفاجئة سقط فيها عشرات القتلى من جماعة الأسير، واستهدفت كما يراها البعض المكون السني اللبناني. ما أعاد أشباح الحرب الأهلية بعد عقدين من انتهائها في بلاد الأرز... وعلى رغم احتواء الأزمة إلى حد ما في لبنان، إلا أن النار لا تزال تحت الرماد، ولا تزال مخاوف تمدد لهيب الثورة السورية إلى لبنان قائمة. ولكن التطور الأخطر هو نظرة بعض اللبنانيين لأول مرة إلى الجيش اللبناني الذي لطالما ظنوا أنه هو ملاذهم الأخير، وفاخروا بحياديته، حيث صدمهم كما يعتقد البعض على الأقل، بانحيازه وتجاوزاته واعتداءاته، وحتى تعذيبه وحدوث وفاة لأحد الأشخاص... ما دفع بعض علماء الدين لإصدار بيانات وتحذيرات ضد تلك التصرفات، والانحياز، وحتى رفع بيان لرئيس الجمهورية حول ذلك... والراهن أن لبنان لا يزال في قلب العاصفة، على كل حال! أما العراق فيراوح مكانه ببقاء الاحتقان والتشكيك والتفكك وغياب أفق حل يجمع العراقيين. ولا يوجد تغيير في المواقف، حيث يتخندق الطرفان وسط حالة من الاستقطاب الحاد، ما يبقي المشهد العراقي قابلاً أيضاً للانفجار. وعلى العموم، لاشك أن المنطقة العربية تغلي وسط ملفاتها وأزماتها... على رغم نسمة التفاؤل والتغيير والانتقال الطوعي للسلطة في قطر، وعودة الآمال بإحياء عملية السلام وسط حضور زخم أميركي غاب لسنوات... إلا أن الحالات السورية والمصرية والعراقية واللبنانية وغيرها تبقي المنطقة في حالة احتقان وغليان، وتدفعها نحو تغيير أسوأ. وذلك للأسف يمنع هبوطاً ناعماً وتغييراً للأفضل!