خمس دقائق ليس أكثر، ينتقل المشاهد خلالها بين القنوات الفضائية، خاصة الإخبارية منها، كافية لأن يعرف قدر النعمة التي يحياها الإنسان على هذه الأرض.. هي نعمة لا تقدر بأغلى الأثمان، لأنها أغلى ما يملكه في وقت غاب فيه الأمن والأمان والراحة والاستقرار عن معظم بلاد الله، وحل محلها الخراب والدمار، يستصعب الإنسان فيها الحصول على رغيف يومه، ولا يأمل في أكثر منه. شرقا وغربا، بعيدا وربما قريبا، ليس هناك ما يدعو الشعوب لأن تأمل في الغد وتتفاءل بانقشاع الليل، وبروز نور يبدد ظلمته ويحيل هذا المثقل من حال إلى حال يعيش حاضره هانئا مرتاحا ويأمل في غده. أخبار العرب في مختلف المناطق، لا تسر ولا تخرج في مجملها من دائرة القتل والدمار، والجوع والفقر وانتهاك الحريات وإزهاق الأرواح.. بات الإنسان يدفع حياته ثمنا لأقل الأشياء، قبل أكثرها أهمية. وحدها هذه الأرض دون سائر البلدان، تشكل نقطة ضوء وبارقة أمل لمن وجد نفسه عند مفترق الطرق وقد تاهت به السبل، وضاعت في دهاليز الحياة آماله، وتحطمت أحلام لم يرد لها البعض أن تكتمل فمات كل شيء. نقول ولا مبالغة في القول، إن ما نحن فيه نعمة تستحق الشكر آناء الليل والنهار، شكراً مصحوباً بالعمل على دوام هذه النعمة، التي ربما شعر بها من فقدها أكثر من شعور من يمتلكها ويراها حالة طبيعية، فهو لم يجرب سواها حتى يدرك قيمتها الحقيقية، لكن الواقع يعلم، وما يعانيه الأشقاء هنا وهناك هو أفضل الدروس التي يتعلم منها المرء الكثير. حري بالآخرين والمنطقة تشتعل وتزداد لهيبا، أن يحضروا العبر، ويكون العقل والحكمة نصيب من يأتيه الشرر، ويصله شيء من ذلك اللهيب فيتجنبه، ويسعى لأن يؤمن محيطه ويحفظ نفسه وأهله، حتى تهدأ العاصفة وتخمد النيران وتمر بسلام، دون خسائر إضافية تلحق بالآمنين الذين روعهم هول فعل اقترفته أياد خالت لها الجحيم ربيعا، عصفت بكل شيء، وأتى كل شيء عدا الربيع المنتظر..