لا يدرك الفلسطينيون المندلقون بإسداء النصائح في الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي حساسية الشعب المصري من التدخلات الخارجية، وكأن لا يكفيهم حجم الاتهامات حد الشيطنة التي تساق ضدهم في الإعلام هناك حتى أن الرئيس المصري وجه اتهاماً لبعض الفلسطينيين بالتدخل في شؤونهم، فالشعب المصري شعب فريد بالرغم من كل الثقافات التي دخلت مصر إلا أن التراث الفرعوني هو السمة الأبرز في الشخصية المصرية التي تعتبر نفسها صانعة حضارة عظيمة وسيدة المنطقة، ولأن الفرعون في الثقافة القديمة هو الدولة والدولة هي الفرعون يعتبر المصري أن أي انتقاد من الخارج هو تهجم على سيادة الدولة، وللمصريين حساسية شديدة ازدادت مع تراجع الدولة المصرية وتركم أزماتها إلى الحد الذي أفقدهم التوازن والثقة بالنفس.المصريون منقسمون حد العظم وكذلك الفلسطينيون الذين يسعون للانتصار على بعضهم من خلال التوازنات في مصر، هناك قناعة أصبحت شبه راسخة في القاهرة بأن الفلسطيني يتدخل في الشأن المصري وبالرغم من حجم الاتهامات التي لم تثبت حتى اللحظة إلا أن المصريين كلهم متوحدون على هذه القناعة، لكن الفرق بين طرفي الحالة المصرية أن بعضهم يتهم "حماس" بالتدخل والبعض الآخر، جماعة الإخوان تتهم دحلان وإن كان في الاتهامات ما يسيء لمصر ذات الـ85 مليوناً وتصويرها كدمية في يد الأطراف الفلسطينية وهي أكبر دولة عربية ولديها الجيش الأقوى.المطلوب من الفلسطينيين أن يحنوا رؤوسهم أمام عاصفة يخشى ألا يصمد أمامها أبو الهول، فحجم التهديدات بين طرفي الصراع هناك كبير واليوم هو الموعد الذي حددته أطراف المعارضة للنزول للتسارع وسط إصرار حركة الإخوان على عدم الاستسلام مهما كلف الثمن فقد بات من الواضح أن مصر اليوم تدخل بدءاً من الآن عملية جراحية معقدة تحتاج فقط الدعوة لها بالشفاء لا التشفي، أن تنجو لا أن تغرق في النيل.مطلوب من الفلسطينيين أن يتوقفوا عن إبداء المواقف التي تسيء أو تحرض أي طرف على الآخر في مصر سواء الذين يشجعون رحيل الرئيس للاستقواء على حركة حماس أو المؤيدون لها والذين يطالبون بالعنف ضد خصوم الرئيس بتعليق المشانق أو بالحسم كما يقولون ارتباطاً بتجربتهم في قطاع غزة، فإن في هذا ما يزيد اشتعال الموقف في مصر وزيادة الكراهية للفلسطينيين الذين يقفون أمام سيل الاتهامات والشائعات في موقف الدفاع عن النفس منذ أن بدأت معركة تصدير الأزمة بين طرفيها مستغلين الارتباط التنظيمي بين حركة الإخوان المسلمين وفرعها الفلسطيني حركة حماس ما يسهل تمرير الدعاية.ليس هناك طرف من الأطراف في مصر معه الحق كاملاً فيما يقول حتى نذهب نحن لننحاز علناً ضد طرف بشكل حدي، ولا نقبل حتى ما يقدمه الآخر لدرجة أكثر تطرفاً من أصحاب الأزمة نفسها، فالرئيس هناك رئيس منتخب بشكل ديمقراطي شفاف ومن حق جماعته أن تطالب بأن يكمل ولايته، فعندما تختلف الشعوب تحتكم للصندوق فالبديل عن الصندوق هو حكم القوة والسلاح والاستبداد، وبالمقابل من حق المعارضة أن تطالب بانتخابات مبكرة، فالصندوق أيضاً ليس مقدساً وإن كان ضامن الاستقرار فحين ترى الشعوب أنها أخطأت بالاختيار تسعى لتقديم الانتخابات، فقد أقيمت إسرائيل منذ 65 عاماً تشكلت خلالها 33 حكومة أي بمعدل حكومة كل عامين وبانتخابات مبكرة بالرغم من أن القانون ينص على أن تجري الانتخابات كل أربع سنوات ولكن نادراً ما صمد الكنيست أربع سنوات، فليس هناك ما هو ثابت في النظام السياسي سوى آلية التوافق.ليس هناك حل في مصر سوى بالحوار فحتى لو سقط الرئيس فإن ذلك سيشكل سابقة اللااستقرار في النظام السياسي في دولة تميزت بالاستقرار فمن يضمن للرئيس القادم أن يكمل ولايته؟ فإذا ما انتخب رئيس من حركة الإخوان ما العمل؟ وإذا ما انتخب منافس الإخوان من يضمن سكوت التنظيم الذي ينتظر فرصة تأخرت 84 عاماً وله سوابق في الاغتيالات في مصر، إذا ليس هناك حلول ستقدمها التظاهرات الضخمة المنتشرة اليوم إذا لم تتفاهم الأطراف السياسية في مصر على ماذا تريد.لقد تعثر الإخوان في إدارتهم للدولة سواء الجانب الخدماتي من مياه وكهرباء ووقود ومستوى حياة، أو بالجانب السياسي فلم تستطع الجماعة أن تشكل حالة أبوية في النظام السياسي، حكمت مصر على نمط الجماعة وبفكر الجماعة، النصر ثم التمكين ثم الاستيلاء والإقصاء، ومنحت لنفسها الحق بصياغة الدستور بعيداً عن إرث وتعددية وخصوصية الحالة المصرية هو أشبه بدستور يصلح للسعودية وليس لمصر ذات الإرث الفرعوني وذات التعددية الدينية من أقباط وشيعة وسنة، لم يحتضنوا مكونات الشعب المصري كجزء من أدوات الدولة، كلهم كانوا أعداء للرئيس كما يقولون، من الوطنيين والقوميين والعلمانيين والاشتراكيين واليساريين والمسيحيين والشيعة والقضاء والإعلام والشرطة والجيش وبعض السلفيين والأزهر ...... وغيرهم كثير فإذا كان كل هؤلاء ضدهم من معهم إذاً؟ ثم لماذا لم تستطع الرئاسة إيجاد قواسم مشتركة مع كل هؤلاء، أليس هذا فشل الرئاسة ومكتب الإرشاد؟.هذا يعود لجمود الفكر لدى حركة الإخوان التي انطلقت في عصر وصاغت مبادئها ارتباطاً بضرورات تلك المرحلة "عشرينيات القرن الماضي"، والآن تحكم في عصر مختلف، انطلقت في عصر الدولة القومية، وتحكم في عصر الدولة المدنية، تحتكم لاستاتيكية الأيدولوجيا وتمارس سياسة سمتها الرئيسية الديناميكية المتحركة فوجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه ومع قلة التجربة والخبرة أصبح وضع الحركة مدعاة للشفقة ولكن الدعوة لإسقاط تجربة الإخوان من السنة الأولى لا تقدم حلاً لمصر فمن يضمن أن تسلم هذه الحركة ذات الحضور الشعبي الكبير الحكم على طبق من فضة لمعارضيها الذين تربصوا بتجربتها وأفشلوها؟ تلك المعارضة التي أخطأت أيضاً في الكثير من مسيرتها.على الفلسطيني أن يبتعد عن تحريض طرف ضد طرف ويكفيه لوائح الاتهام التي تعرض يومياً على الفضائيات، فلتحل مصر مشاكلها بعيداً عنا لا أن تلقي بمسؤولية كل أزماتها علينا، ولـ"نحل" نحن عن مصر سوى بالتمني أن تتحقق معجزة عبور الأزمة بسلام فالمعركة هذه المرة قاسية جداً بين الطرفين والمعارضة تخشى بقاء الرئيس لأن ذلك يعني أخونة الدولة وللأبد حين تفشل في إسقاطه لذلك ستواصل السعي مهما كلف الثمن، وحركة الإخوان تخشى سقوطها الذي يعني إسدال الستار على تجربة لم تبدأ بعد وملاحقتها من جديد ولن تسلم مهما كلف الثمن. Atallah.akram@hotmail.com