خبر : قوس الأزمة الجديد من مصر إلى قطر وتركيا ..حسين حجازي

السبت 29 يونيو 2013 09:25 ص / بتوقيت القدس +2GMT
قوس الأزمة الجديد من مصر إلى قطر وتركيا ..حسين حجازي



-- 30 حزيران الاختبار العظيم لتقاليد الدولة المصرية: ونحن ننتظر هنا أيضاً نحن الفلسطينيين، مقطوعي الأنفاس كأننا نقف كما العالم برمته على قدم واحدة، واضعين أيدينا على قلوبنا خطر الزلزال الكبير يوم الأحد 30 حزيران، كأنها القيامة الآن في مصر، كما لو انه يراد لهذا النزول إلى الشارع أن يكون بمثابة الانفجار العظيم، الذي يقال انه أدى إلى تشكل الحياة على كوكب الأرض كما نعرفها. ولا عجب أو مبالغة في هذه المقارنة أو التشبيه، فقد اعتبر المصريون منذ القدم أن بلادهم مصر التي جاء ذكرها أيضاً في القرآن الكريم هي "أم الدنيا". وقال نابليون الذي غزاها وهذا لم يكن عسكرياً استراتيجياً عبقرياً فقط وإنما لا يخلو من لمحات فلسفية "إن من يحكم مصر يحكم العالم".لكن هل شهدنا هذا الفيلم المنتظر حدوثه يوم غد، من قبل هنا ربما في غزة قبل سبع سنوات؟ أو في الثورة الفرنسية قبل مئتي عام؟ لكي نتوقع النتيجة الوحيدة والمحتملة لهذا الصراع الذي يبلغ الآن ذروته، حين تضيق الخيارات حتى لحل هذا التناقض وتنحصر في واحد من احتمالين: في النموذج الفرنسي اعتلى سدة الحكم جنرال عسكري في زي نابليون بونابرت جديد، لينقذ الثورة من أبنائها ومن نفسها، بعد أن أصبحت الثورة تأكل نفسها. أو هو النموذج أو السيناريو الغزي، يوم 14 حزيران العام 2007، بالذهاب إلى الاحتراب الداخلي والاستيلاء على السلطة الحكم بقوة السلاح أو العنف.ولقد استمعت ليلة الخميس إلى خطاب الرئيس المصري محمد مرسي، المطول والذي استغرق ما يقارب الساعتين ونصف الساعة. واستطيع أن أقول إن الانطباع الوحيد الذي يتركه هذا الخطاب، هو انه لا يدع مجالاً للشك بأن الرجل قد حسم موقفه ومن خلفه تيار الأجوان المسلمين في مصر، بالذهاب إلى النهاية في هذا الكباش. باعتبارها معركة حياة أو موت، وإما نحن أو هم ولا مجال للتراجع أو الاستسلام، وبظني حتى لو اتخذ الجيش المصري موقفاً حيادياً أو مخالفاً لسطة الرئيس وتياره فإن هذا لن يغير من استعداد الرجل وحزبه للمضي في هذه المعركة. فلقد ألقى بالنرد هنا أيضاً في الأزمة المصرية وعلينا أن نرى.فما حدث هو أن الرجل ما عاد بإمكانه أن يحكم البلاد بالشكل أو بالطريقة التي شاهدناها في السنة الأولى والماضية من حكمه، وقد بدا هذا واضحاً في نبرة الخطاب نفسه. والشعب نفسه أي الناس المصريين العاديين من عامة الشعب ما عاد بمقدورهم هم أيضاً احتمال العيش على وقع هذا التوتر والاحتقان المتواصل، الذي تجاوز نطاق المعقول وما هو محتمل.وأرى أن هذه لحظة كان من المحتم الوصول إليها في هذا الصراع، باعتبارها ذروة الأزمة أو الصراع في هذه الدراما السياسية ما قبل الحسم أو الحل الأخير. ولكن هذا الحل الذي يتوقف على أسلوبه وطريقته اليوم، المحك الحقيقي والتاريخي لاختبار جماع العقل المصري، كما الجدارة القيادية للرئيس المصري محمد مرسي، والنخبة المصرية. كما تقاليد الدولة ذات الأسس الراسخة في بلاد وادي النيل على حد سواء. الدولة التي حافظت على تماسكها كما على بقائها صامدة، منذ عهد محمد علي مؤسس الدولة المصرية الحديثة حتى يومنا هذا، رغم المتغيرات والانقلابات الكبيرة التي شهدتها مصر، فقد تغيرت النظم في مصر من الملكية إلى الجمهورية ومن عبد الناصر إلى خلفائه الذين انقلبوا على أفكاره، دون أن يؤثر ذلك على بقاء الدولة. والخوف اليوم هو على الدولة أو انكسار هذا الرهان على بقائها وثبات صمودها، في وجه هذا الزلزال أو الإعصار هذا هو الخوف العظيم. -- الأمير الشيخ: الانسحاب الذكي في التوقيت الصحيح في طريقته غير المألوفة أو غير التقليدية، السيطرة على مقاليد السلطة، بالانقلاب على والده وليس قتل العم كما في التراجيديات القديمة، كان مثيراً للجدل. وفي طريقته اليوم هذا الأمير الشيخ، الذي ملأ بحضوره السياسي ومغامراته العالم، يثير حوله مجدداً الجدل بالتخلي فجأة عن هذه السلطة. هذا الأمير الشيخ الذي أتيح لي مرة واحدة أن أراه عن قرب، في أواخر تسعينيات القرن الماضي، في عصر يوم حين جاء فجأة إلى غزة هنا للقاء عرفات، مازال منذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة التي اكتب فيها هذه الكلمات عنه يحيرني. ولكن إذا الشيء بالشيء يذكر، فلعله من المناسب أن أشير هنا إلى مقالة كتبتها، منذ سنوات، ورأيت فيها كما لو أنه قدر من التوقع، بأن وجهة التغيير القادم في العالم العربي، إنما سوف تصدر شرارتها من لدن أطراف تبدو هي الأصغر في حجمها وثانوية في وزنها. ومن خارج المراكز الرئيسية والتقليدية لمصادر التأثير، ذات الوزن والحجم الكبير. وقد أشرت إلى هذا الأمير الشيخ حمد بن جبر آل ثاني أمير قطر، والشيخ حسن نصرالله على وجه التحديد.واليوم كم تبدو المفارقة في أن الشيخ حسن نصرالله الذي قال حلف الناتو أخيراً بعد معركة القصير عن دور حزبه في الصراع على سورية، بان جيشاً كبيراً وجديداً يبرز في الشرق الأوسط. حتى يتضح لنا أخيراً أن السهم القاتل الذي أطاح بالأمير الشيخ إنما هو الذي سدده إليه حسن نصرالله، وربما كان هذا السهم حاسماً في إقدامه أخيراً على التنحي.لقد انقلب التوازن على الأرض في المغامرة الأخيرة التي اقدم عليها الأمير في سورية، واستثمر فيها مالاً أين منه مال قارون، استثمارات مالية في فرنسا وبريطانيا تقدر بـ25 مليار دولار، فقط لأجل شراء موقفهما من الأزمة السورية. ومدفعية قناة الجزيرة الإعلامية، التي قامر حتى باحتمال خطر سقوطها وانكشافها، وهي إلى جانب المال كانت سلاحه الثاني القوي. وقد أسقط حسن نصرالله كل ما فعله واستثمره الأمير بضربة استراتيجية واحدة قاضية، بترجيحه كفة الموازين في الصراع على الأرض لمصلحة النظام السوري، بعد تدخله الناجح في معركة القصير.لقد انتهى الدور ببلوغ هذا الدور أقصاه، وبانتهاء هذا الدور كان يجب استبدال الأحصنة، عند هذا الوقت إيذاناً بانتهاء اللعبة بخروج الأمير الشيخ من المسرح، واعتلاء الأمير الصغير بخيول جديدة هذه المرة، لا خشبة المسرح القديم ولكن لسدة الحكم. وهكذا على طريقة الخروج أو الهبوط الآمن للأمير الشيخ المغامر ولكن الداهية، إذا كان البديل الآخر ما بعد الفشل أو الهزيمة في سورية، وربما في مصر لاحقاً، ليس سوى الانتحار السياسي أو دق الرأس في الحائط أو الجدار.وربما ما تبقى هي لحظة التأمل التي يستدعيها سؤال واحد، ما برح يطرح دون جواب. وهذا السؤال مفاده: كيف يمكن لإمارة صغيرة من الناحية الجيواستراتيجية أن تلعب كل هذه الأدوار المتعارضة دفعة واحدة؟ وعلى امتداد زمني وجغرافي وبكل هذه التكلفة المادية الباهظة، وتستطيع مع ذالك مواصلة اللعب أو البقاء هنا بالضبط. لعله يكمن ذكاء الأمير وحنكته بالانسحاب والخروج في اللحظة المناسبة، والتوقيت الصحيح كما كان انقلابه الأوديبي على أبيه قبل 18 عاماً في التوقيت المناسب، حين يكون بمقدوره أيضاً هذه المرة وهو يغادر حلبة المسرح أو الميدان، إخراج لسانه أمام أقرانه من شيوخ الخليج، ملوحاً أمامهم بالتحدي ولسانه يقول: هل تستطيعون أو تجرؤون على فعلتها؟ ولعله أراد بهذه الطريقة من الخروج أو التنحي أن يرسل برسالة أخيرة، بأنه يمارس على نفسه ربيعاً عربياً في إمارته على طريقته لإثبات صدقيته، بأنه مستعد لأن يطبق هذه الثورة برفض الاستبداد والزهد بالسلطة.ولكن هذا الملق أو المُراءاة الأخيرة والمثيرة حقاً، لم يكن سوى نوع من الخداع والدهاء الذي يطبع سجله كأمير يحاول الظهور بمظهر خارق وعبقري سياسي، يستطيع أن يجمع أو يصهر تحت عباءته كل هذه التناقضات، أن يكون حليفاً للغرب وأميركا وعلى علاقة بإسرائيل وفي نفس الوقت متحالفاً مع الإسلام السياسي بكل تنويعاته، الإخوان المسلمين كما السلفيين الجهاديين والقاعدة كما طالبان، إلى جانب القوميين والليبراليين، وحتى في وقت ما حزب الله وإيران.لكن هل كانت مفارقة أخرى حقاً وذات صلة أو دلالة، أن يكون خروج الأمير ووزير خارجيته حمد بن جاسم يوم 22 حزيران، في نفس اليوم الذي شهد سقوط المربع الأمني للشيخ احمد الأسير في مدينة صيدا في جنوب لبنان؟ وهو السقوط هذه المرة في لبنان الذي ينظر إليه بعد سقوط القصير على أنه ضربة ثانية كبيرة لمشروع قطر في سورية ولبنان على حد سواء، بسقوط حليف مهم لها وبالتالي انتصار حزب الله وسورية.ولكن هل مفارقة أيضاً أن ما يشبه لعنة الأزمة السورية، ومحاولة إذكاء نارها لتوليد ثورة قيصرية ومصطنعة، إن خصوم الرئيس السوري بشار الأسد من تركيا إلى مصر إلى قطر هم في وضع لا يحسدون عليه أبداً. هل تذكرون حديثنا عن المحور التركي المصري القطري باعتباره مثلث التوازن الجديد أو البديل في المنطقة، وهو المثلث الذي يشهد اليوم اختلالاً داخلياً صعباً بأسرع مما كان متوقعاً، إذا كان من الواضح أن أحد أبعاد الأزمات الثلاث المحتدمة اليوم في تركيا ومصر وقطر هو موقف هذه الأطراف الثلاثة الخاطئ من الأزمة السورية.