خبر : الحقائق الغائبة في خطاب الرئيس مرسي ...محمد ياغي

الجمعة 28 يونيو 2013 08:29 م / بتوقيت القدس +2GMT
الحقائق الغائبة في خطاب الرئيس مرسي ...محمد ياغي



كغيري من المهتمين بالشأن المصري استمعت إلى خطاب الرئيس محمد مرسي آملاً أن يتمكن من احتواء معارضيه، ومن تحويل يوم 30 حزيران إلى يوم عادي في حياة المصريين. الرئيس تحدث كثيراً عن فساد العهد السابق وعن المعاناة التي يعانيها الناس جراء استمرار نفوذ النظام القديم في أجهزة الدولة، وتوقف عند أسماء وقصص بعينها متوهماً أن المصريين لا يعلمون ذلك، ويبدو من خطابه الذي سماه "كشف الحقيقة" أنه لا يدرك بأن الثورة قامت في مصر بهدف القضاء على الفساد التي يتحدث عنه. نصف الحقيقة التي تجاهلها الخطاب هو لماذا لم تتمكن الثورة من تحقيق أهدافها التي قامت من أجلها؟ لماذا صدرت أحكام القضاء ببراءة مبارك ورجالاته وولديه من التهم الموجه لهم؟ وما هو دور الإخوان المسلمين في كل ذلك؟ في الأيام التي سبقت انتخاب الرئيس مرسي كانت هنالك اجتماعات يجريها الإخوان مع الحركات الثورية بهدف ضمان أصواتها.. الوعود أغدقت عليهم من كل حدب وصوب بشراكة حقيقية في الحكم، وأن أخطاء الإخوان السابقة من نوع التحالف مع المجلس العسكري ضد الحركات الثورية لن تتكرر، وأن الإخوان سيكونون أوفياء هذه المرة لحلفائهم .. فقط أعطونا أصواتكم ضد "احمد شفيق" (مرشح النظام القديم) وكل شيء سيكون كما تريدون وأكثر. الخوف من عودة النظام القديم دفع الملايين من الشباب للعمل على إنجاح مرسي، وكان العديد منهم يتندر بالطريقة المصرية الساحرة " سأعصر ليمونة على نفسي وانتخب مرسي ضد شفيق".. الوحدة بين الإخوان والحركات الثورية تجلت في اتفاق فندق فيرمونت والذي تم الإعلان عنه بحضور الدكتور مرسي قبل أيام من إعلانه رئيساً، وأهم ثلاثة بنود فيه هي إعادة تشكيل المجلس التأسيسي لصياغة دستور جامع لكل المصريين على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية، تشكيل حكومة وحدة وطنية للإشراف على عملية التحول الديمقراطي، وتعيين نواب للرئيس من بينهم (قبطي وامرأة) لبيان الوجهة الحقيقية لمرحلة ما بعد الثورة: الوحدة الوطنية والمساواة. لكن ما الذي فعله الإخوان بعد ضمان الفوز بالرئاسة؟ وهو النصف الذي يسكت عنه الرئيس في خطابه كما لو أنه من خيال الحركات الثورية.المجلس التأسيسي بقي على حاله وبدلاً من أن يتحالف الإخوان مع القوى التي أنعموا عليها بالوعود للفوز بالرئاسة، أداروا ظهرهم لها وتحالفوا مع القوى السلفية التي حرمت المشاركة بالثورة يوم 25 يناير 2011. والنتيجة لم تكن دستوراً جامعاً يعلي من قيم المواطنة والحرية وحقوق الإنسان كحقوق طبيعية ملازمة لفعل الولادة، بل دستوراً مقيداً للحريات ومتعالياً على حقوق الإنسان وملغياً للمساواة بين الرجل والمرأة. ولعل الأهم من ذلك أن إدارة الإخوان لظهرهم لحلفاء النجاح في انتخابات الرئاسة قد رافقه تقاسم أدوار مع المؤسسة العسكرية تبتعد فيه الأخيرة عن السلطة السياسية مقابل عدم تعرض قادتها لقوانين العدالة الانتقالية والحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية، ودستورها أيضاً في مواد لا تقبل التأويل.أما ما يتعلق بالحكومة، فالإخوان فضلوا حكومة ذات لون واحد وكأن مشاكل مصر المتراكمة - منذ عهد السادات، مضافاً لها الحضور الدولي الكثيف في مصر لضمان أن لا تخرج وجهتها السياسية والاقتصادية عن توجهات النظام القديم- بإمكان الإخوان التصدي لها وحدهم. دع عنك أنهم وعدوا الآخرين بالشراكة قبل الانتخابات وتنكروا لما وعدوا به، ولكن مشاكل مصر نفسها أكبر من قدرة الجميع على حلها، فكيف يمكن لجماعة أو تنظيم بعينه أن يتصدى لها إن لم يكن له دعم من غالبية القوى الحية في مجتمعه. أعيدكم فقط لمقال كتبه محمد أبو الغيط عن الوضع الصحي في مصر بعنوان "الأسباب الصحية لتكفير الدولة المصرية" للتعرف على مشاكل قطاع واحد في مصر وهو الصحة، فكيف هو الحال لو أضفنا له مشكلة السكن (أكثر من مليونين يعيشون في المقابر وأكثر من عشرة ملايين يعيشون في عشوائيات بلا مرافق عامة)، وغيرها من المشاكل التي يشعر بها أي "غريب" بمجرد أن تطأ قدماه أرض الكنانة. كان رأيي ولا يزال، أن كل من يتسلم السلطة في مصر هو خاسر جماهيرياً، لأنه لن يتمكن من حل مشاكل البلد خلال دورتين انتخابيتين على الأقل، وأن الحل الأفضل هو أن يتم إشراك الجميع في تحمل هذا العبء. لكن لمكتب الإرشاد في الإخوان حساباته دائماً التي يجهلها عامة الناس "مثلنا".وبالمثل أيضاً تم القفز عن مسألة نواب الرئيس من الأقباط والنساء لحساب تعيين عدد كبير من المستشارين في مكتب الرئاسة. لكن حتى المستشارين لم تكن لهم صلاحيات واضحة، وعدد مهم منهم استقال بدعوى أنه لا يستشار أو أن استشاراته لا يأخذ بها أحد لأن الاستشارات التي يؤخذ بها هي تلك القادمة من مكتب الإرشاد. وتجلت هذه الحقيقة بعد استقالة عدد من المستشارين بعد قرار الرئيس مرسي في شهر تشرين الثاني إعطاء نفسه صلاحيات فوق دستورية حيث أعلنوا بأن لا علم لهم بهذا الإعلان وأنهم لم يستشاروا فيه. التنصل من الاتفاق مع القوى الثورية أوجد احتقاناً كبيراً في الشارع المصري، وسمح لبعض عناصر الفلول بالعودة للمشهد السياسي من باب الصراع بين المعارضة الثورية والإخوان على خلفية انفراد الطرف الأخير بالحكم وكتابته للدستور وحده بالاشتراك مع الجماعات السلفية. لكن مشهد المعارضة، ليس "فلول" كما يريد أن يصوره البعض، فالغالبية العظمى منهم هي من بدأت الثورة.. ولو قبل الرئيس بالشراكة مع قوى الثورة لأمكن تصفية "جيوب الفلول" في مفاصل الدولة بما فيها القضاء بكل سهولة، ولبقي الأبيض أبيض والأسود أسود، ولكان الجميع قد أحس بفضل الثورة ونعمتها عليه. لم تكن الأخطاء التي ارتكبها الإخوان خلال عام من الحكم هي فقط تلك التي أشرت إليها أعلاه. فالإخوان لم يعملوا على إنهاء الاحتقان الطائفي في مصر بين المسلمين والمسيحيين بإقرار قوانين موحدة لدور العبادة، وبإلغاء أية قوانين أو العمل على إنهاء أية ممارسات قد يشتم منها رائحة التمييز. وبدلاً من أن يهرب الإخوان باتجاه حل واقعي وحقيقي للأزمة، وهو التوجه للمعارضة بمشروع شراكة تبدأ من الدستور وقانون للانتخابات التشريعية، تم التوجه للولايات المتحدة على طريقة النظام القديم، شراء شرعية من الخارج لتعويض شرعية تتآكل في الداخل، وهو ما يمكن إدراكه من بقاء الوضع على معبر رفح على حاله بدلاً من فتحه لمرور البضائع والأفراد وإنهاء ظاهرة الأنفاق، والدخول على خط الأزمة السورية بطريقة "التنظيم السياسي" بدلاً من طريقة الدولة التي تحرص على مواقف متوازنة في سياساتها العامة.. استبدال لغة الدولة بلغة التنظيم في السياسة خلق حالة تسامح مع الخطاب الطائفي ومع العنف على أسس عقائدية- بدلاً من تجريم ذلك- وكانت النتيجة ذلك المشهد المروع في الجيزة. لم يذكر الرئيس مرسي في خطابه شيئاً عن كل ذلك وتجاهله، وكأن الصراع الحقيقي في مصر هو بين الإخوان والفلول.. لكن الصراع، لمن لا يعرف، هو نفسه المستمر منذ 25 يناير 2011 وهو بين المجموعات الثورية الشبابية (التي شعرت بأن الثورة قد خُذِلَتْ وبأن أهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لم تتحقق) وبين مؤسسات السلطة.. كانت بداية مع نظام مبارك، وبعدها مع المجلس العسكري، واليوم مع الإخوان. لم تغير الانتخابات الرئاسية ولا الدستور شكل الصراع لأن كليهما موضع صراع. يقول الرئيس مرسي في خطابه إن الشرعية الثورية قد انتهت وإن الشرعية الدستورية هي أساس حكم اليوم.. لكنه ينسى بأن تلك الجملة صحيحة في حالة واحدة فقط وهي أن تكون المؤسسات المشكلة بعد الثورة معبرة عنها، وهذا يتم فقط بقبول مبدأ الشراكة إذ لا يعقل أن "يكون المصريون شركاء في الدم وقت الثورة وليسوا شركاء في القرار بعدها". عندما يتم التوافق على شكل الحكم والدستور، تنتهي شرعية الثورة لتبدأ بعدها الشرعية الدستورية.بقي أن أذكر بأن أهم إنجازات الثورة هو التشريع لمبدأ التبادل السلمي للسلطة، وبالرغم من كل النقد الموجه للإخوان في هذا المقال، إلا أنني أتمنى أن لا تصل أحداث يوم 30 حزيران الى مرحلة يستحيل معها الحوار.. والحل كما يبدو لي هو: إن نزلت الملايين للتظاهر فإن الحل الأفضل هو التبكير بانتخابات رئاسية، وإن كان الإخوان واثقين من أن الجماهير تقف معهم فلماذا يرفضون وليفُز الرئيس مرسي مرة أخرى بالرئاسة وسيكون قد كسب بذلك سنة إضافية لرئاسته .. أما إن نزل بضعة عشرات من الآلاف للاحتجاج، فإن على المعارضة أن تسحب مطالبتها بانتخابات مبكرة، وليأخذ الرئيس حقه في الحكم إلى حين الانتخابات القادمة.حمى الله مصر وأهلها الطيبين من كل مكروه.