نظام الاخوان في مصر آيل إلى السقوط لا محالة، مصر تدخل المرحلة الثورية الثانية بعد ٢٥ يناير، ولكن في ظل شروط جديدة، اعلى من حيث السقف والمستوى، واعمق من حيث المضمون واهم وبما لا يقاس من حيث الاهداف والنتائج المترتبة.الوضع الثوري كما نعرفه في حقل العلوم السياسية هو ذلك الوضع الذي لا يُمكّنْ "النظام" من الحكم بالطرق والوسائل "القديمة" ولا تقبل فيه الجماهير بأن تُحكم بنفس تلك الطرق والوسائل.الوضع الثوري الجديد في مصر هو صورة طبق الأصل عن المعنى الوارد أعلاه.لم تعد المسألة "نزاعاً" سياسياً بين حكم الإخوان والقوى السياسية كجبهة الإنقاذ او غيرها، ولم تعد المطالب التي كانت ترفعها القوى السياسية هي المطالب المطروحة على جدول الأعمال السياسي في مصر.المطلب الوحيد والذي تحول الى عنوان للمرحلة السياسية والمراحل القادمة هو رحيل الرئيس الاخواني وتعيين رئيس جديد (اغلب الظن سيكون رئيس المحكمة الدستورية) والذهاب الى انتخابات مبكرة على اساس دستور جديد وقانون انتخاب جديد.باختصار وتكثيف شديدين، نحن أمام مطالبة صريحة بما يشبه الإجماع الشعبي غير المسبوق على إسقاط نظام الإخوان.ان سقط فوراً فخير، وان استبق الإخوان الامر وقبلوا بالانتخابات المبكرة قبل الثلاثين من هذا الشهر فخير على خير (ولو ان هذا الأمر يبدو مستحيلاً) وإلا فإن النظام الاخواني ساقط لا محالة، ان لم يكن خلال أسبوع او أسبوعين فهو سيسقط حتما خلال شهر واحد او شهرين.. السؤال المطروح على جدول العمل الوطني في مصر، ليس فيما اذا كان نظام الاخوان سيسقط ام لا، وانما متى سيسقط هذا النظام، وكيف وبأي ثمن سياسي واقتصادي واجتماعي ستتم عملية السقوط؟.الفشل الذريع أدى الى استعداء كل طبقات المجتمع وفئاته وأطيافه ولم يتبق في دائرة الأخوان سوى قوى تكفيرية إرهابية، وقطعان من المشعوذين الذين بات همهم الوحيد وتجارتهم الوحيدة نشر الفتنة والتحريض على الإرهاب والقتل والترويج "لرؤى وأحلام" تضع مرسي في مرتبة الأنبياء والأولياء المحاطين بالرعاية الإلهية والحصانة الربانية.الانغلاق و"العبط" السياسي ادى بالإخوان الى العزلة السياسية عن الشعب والى انعزالهم وانفصالهم عن الواقع.التخبط الاخواني والارتهان بل والركون الى الاميركان كشف عورة نظام الاخوان وعراهم امام شعب مصر العظيم.انتفاضة الوعي واستعادة الوعي الوطني عند شباب مصر، عند نساء مصر، عند غالبية قواها السياسية والوطنية بما فيها حتى القوى الدينية السلفية ادت موضوعيا الى اكبر اصطفاف وطني وشعبي عرفته مصر على مدار تاريخها المعاصر كله.شيء أشبه بثورة ١٩١٩ و٢٣ يوليو، شيء اقرب الى الانتفاضة التي جاءت لاستعادة دور الوطنية المصرية والثائر لكرامتها.سقوط نظام الإخوان في مصر هو مفتاح التغيير في كامل الأقاليم العربية.ستبرأ الشام من بعد مصر، وستهزم المذهبية والطائفية في العراق وسيتغير وجه هذه المنطقة.سقوط نظام الإخوان في مصر يعني بالضرورة الإعلان الرسمي عن فشل التيار المركزي من الإسلام السياسي وعجزه عن التصدي لمشكلات الاوطان وتحدياتها، وسيعني بالضرورة ايضاً استعادة وحدة الأوطان على أساس الانتماء له، على أساس المواطنة فيه، وعلى أساس الدولة الوطنية التي تمثله. سقوط نظام الاخوان في مصر يعني هزيمة ساحقة وماحقة لمشروع تقسيم هذه الأوطان الى أعراق وأديان وطوائف، وسقوط نظام الإخوان يعني وسيعني انتصار فكر التسامح الديني والتنوير والديمقراطية والحرية والشرعية الشعبية.سقوط نظام الإخوان هو المقدمة الأولى للاحتكام اللاحق لعلاقات العقلانية والواقعية والعلم في مواجهة التجارة بالدين والسمسرة على قدسيته وطاقته المعنوية والروحية الهائلة. وسقوط نظام الإخوان يعني ان هذه المنطقة ستشهد ورشات عمل وطنية متواصلة للإجابة على أسئلة التنمية الوطنية من مواقع العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية والشرعية.سقوط نظام الإخوان سيعطي لمفهوم الاستقلال الوطني معايير جديدة ودفعات جديدة للأمن القومي بمعانيه الشاملة وليس بمفاهيم الإخوان الذين وضح تماما ان مفهوم الأمن القومي بالنسبة لهم ليس سوى مفهوم الدفاع عن بقائهم في السلطة والتحكم برقاب المجتمعات، والاستحواذ عن الدولة الوطنية وتحويلها الى مغانم ومكاسب حزبية.سقوط نظام الإخوان يعني وسيعني انهيار الرهان الأميركي على "استقرار" الاقليم وتسليمه للإخوان في مقابل التزام الإخوان بأمن أميركا وإسرائيل.سقوط نظام الإخوان يعني "انتقال عدوى" التصدي للإخوان ومنعهم من "التمكن" ومن السيطرة على مقدرات الدولة والمجتمع في المنطقة كلها.سقوط نظام الإخوان وهزيمة المرشدين الذين هم النسخة المقابلة لولاية الفقيه والمرشد الأعلى، وذلك لما للمرشد والمرشدين من "سطوة" و"مكانة" على جميع غفيرة من بسطاء المؤمنين في بلادنا العربية يعني وسيعني الولوج الى عصر جديد.سقوط نظام وحكم المرشد في مصر معناه نهاية النظام الأبوي او بداية نهاية هذا النظام في المنظومات الحربية السياسية وخصوصا لدى أحزاب الإسلام السياسي.وأخيراً فإن سقوط حكم المرشد ونظامه في مصر يعني هزيمة القيادة الإخوانية على المستوى الإقليمي الشامل، وذلك بالنظر الى هذا الدور القيادي الموجه لقيادة الإخوان في مصر ومدى تأثيرهم على كل ومجمل حركة الإخوان في عموم المنطقة بل وفي العالم أسره.والمهم ان سقوط النظام الإخواني في مصر بالنسبة لنا هو نهاية الرهان الحمساوي على حكم المرشد في القاهرة، ونهاية الاستناد الى الدعم الإخواني لاتجاه انفصال قطاع غزة عن الجسد الفلسطيني، ونهاية مشروع تمويل انفصال القطاع الى المعول الذي تراهن عليه إسرائيل والحلف السني الأميركي للإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني ان كان على مستوى الهوية او على مستوى الأهداف والحقوق الوطنية.سقوط نظام الإخوان فاتحة لمرحلة ديمقراطية جديدة ومتجددة نحو الحرية والاستقلال الوطني والتنمية المستدامة المستندة لقيم ومبادئ العدل الاجتماعي.في مصر تفتح نافذة كبيرة لعبور المجتمعات العربية الى المستقبل بصورة آمنة وحرة بدلاً من الاتجاه المعاكس الذي كادت حركة الإخوان المصرية تدشنه في اوطاننا العربية كلها.. اتجاه بيع شعوب هذه المنطقة وحقوقها وأهدافها وتطلعاتها في سوق التجارة الدينية بثمن بخس لا يتعدى دعم "العم سام" وأعوانه لبقاء الإخوان في سدة الحكم.عظم الله أجر الأميركان وشكر الله سعي شباب مصر ونسائها وقواها الوطنية وكتابها وإعلامييها الشجعان الذين يعلموننا في كل لحظة كيف يمكن الانتصار للفكر الوطني والديمقراطي الذي انتموا اليه وآمنوا به.فمهما كانت التضحيات غالية للتخلص من حكم المرشد والإخوان فهي اقل بكثير من الثمن الذي ستدفعه مصر وشعوب هذه المنطقة في ظل هكذا حكم.