وفاز الفلسطيني عساف .. فماذا بعد ؟! لم اشهد ليلة اجتاح فيها طوفان الفرح غزة فجرف الصغير قبل الكبير والمرأة مع الرجل وحتى الشيخ والعجوز كليلة الفوز التاريخي لمحمد عساف بلقب محبوب العرب .. كنت قد رأيت التسونامي رؤية العين فيما جرى عرضه من صور لهوله وعنفوان سطوته وجبروته ، لكني لم اتخيل ان اعيشه واعايشه ، وان كان هذه المرة عكس بعكس ، تسونامي فرح واستبشار وامل يضرب الغزيين بذات القوة والسطوة والجبروت فيرفعهم الى عنان السماء على اسم فلسطين وصورة ابنهم الاسطورة محمد عساف .. ويغني خارج السرب صوت نشاز يتساءل في تهكم العارف للجواب دون حاجة لسؤال ، هل تحررت فلسطين وانا لا اعلم ؟ نعم يا سيدي فلسطين قد تحررت من قيد صورة بغيضة تعمد العدو ومن حذا حذوه من المنافقين والسادرين في غيهم عربا كانوا ام عجما ان يحبسوا المارد الفلسطيني بداخلها حبس سليمان للجن في قماقمهم ، صورة السفاح الدموي الجاهل بكل شيء الا بما يثير الرعب من ادوات قتل وسفك دماء ، والا بما تقشعر له الابدان من فقر وتخلف وبطالة وحصار وانقسام وكل ما يراه الانسان نقيضا للتحضر والمدنية والسلام والامان .. نعم ياسيدي فلسطين قد تحررت صورتها البغيضة في نفوس حتى اقرب اقربائها الى حد ان عساف كان يلقى كل انواع التصدي والاستهجان والاستنكار لاحتمال فوزه باللقب فقط لانه فلسطيني ، ولا اظن احدا يجهل ما تعرض له من هجوم وسائل اعلام عربية كانت تأخذ عليه كونه فلسطينيا فحسب ، وكأن كلمة فلسطيني لا تتفق مع اي شكل من اشكال الفن ولا اي سمة من سمات الحضارة والمدنية ، ولم يستح الكثيرون من ابداء دهشتهم الى حد الاستياء الواضح من احتمال ان يفوز الفلسطيني باللقب .. وفاز الفلسطيني باللقب ، ولن اكون سيئة الظن فاقول انه قد فاز باصوات الفلسطينين فقط ، بل ايضا بدعم ملايين العرب في كل اصقاع الارض، فماذا بعد الفوز !! رئيس دولة فلسطين منحه لقب سفير النوايا الحسنة بكل ماله من امتيازات دبلوماسية ، و وكالة الغوث منحته لقب سفير الشباب ، ثم ماذا ؟ . يعود محمد عساف الى غزة فيغني ويرقص على وقع شدوه الغزيون، ويجوب الضفة بعد ان وافقت اسرائيل على السماح له بزيارتها ، يغني فيطرب ويفرح ويلهب الجماهير فتمتد حلقات الدبكة على وقع اهازيجه من السلك للسلك كما اعتاد الغزيون ان يقولوا ، او تتعدى ذلك فلا يردها الا ضفاف نهر الاردن ، وماذا بعد ؟ يفيق عساف من حلمه الجميل ومعه ملايين المعجبين والداعمين على الفتى الاسمر النحيل عندليب فلسطين والعرب يحمل جوازه الدبلوماسي وينتقل ان شاء من بلد الى خر لا يشغله شيئ اكثر من تأمين الحصول على بدل سفر وبدل مهمة رسمية وتامين الاقامة والطعام والمواصلات ، وكل ما نعرف من روتين لن يترك له مجالا لالتقاط انفاسه او ابطال الاعيب المغرضين والحاقدين والحاسدين من مسؤولين او اشباه مسؤولين ... اغلب ظني ان هذا ما سيحدث ، فنحن الفلسطينيون من انجب هذا الفتى الغزي الذي اقتنص لقب محبوب العرب شاء من شاء وابى من ابى ، انجبنا ايضا من لا يرون الدنيا الا من ثقب باب مصالحهم ومصالح من يدور في فلكهم ، ولم يدركوا حتى اليوم ان حدود الكون ابعد واوسع بكثير من حدود انتمائاتهم الحزبية وارتباطاتهم الايدولوجية .. تريدون ان تكفوا انفسكم مؤونة التفكير فيما قلت ولماذا قلته ؟ لا بأس ، اليكم خلاصة القول .. حرب محبوب العرب قد وضعت اوزارها وقد ابلى فيها الفلسطينيون بلاء حسنا واصطفوا خلف ابنهم الذي كان عند حسن ظنهم فانتزع الاعجاب انتزاعا واستأثر بحب الملايين كما لم يستأثر به احد من قبل ، واضفى على هذا الحدث الفني ما لم يعرفه في اي وقت سبق من اثارة واستحواذ على اهتمام جماهير لم تتوفر له من قبل بكل هذه الاعداد ، وقد انجلى غبار هذه الحرب الناعمة عن محمد عساف محبوبا للعرب ، يحمل في قلبه عشق الجماهير العربية ، والفلسطينية بالطبع ، لصوته الذي لا يتكرر ، وفي يده جواز سفر دبلوماسي فلسطيني وكامل امتيازات سفير النوايا الحسنة ، وفي اليد الاخرى ايضا جواز سفر اممي وذات المنصب ممثلا للامم المتحدة ، والى جانب ذلك وقبله وبعده مشاريع فنية وعروض قد تجعل منه نجم النجوم او قد تنتهي به الى مطرب ذائع الصيت ليس في افراح غزة بل في فنادق ومنتجعات عربية وربما بيوت عائلات مالكة او حاكمة هنا وهناك . فهل لهذه النهاية الروتينية اجتاح تسونامي الفرح بفوزه غزة والضفة واراض ال 48 ؟ ام لأمل في ان ييسر الله لنا كفلسطينيين من يتعلق باهداب الاسطورة ويستثمر ما حققه محمد عساف من انجاز لامس حدود الاعجاز ، فيضع خطة وطنية محكمة ومتكاملة لاعادة صياغة الخطاب الفلسطيني وتلوين صورتنا في عيون العالم بلون قلوبنا الوردي ، فنخرج الى كل الدنيا ومن جديد ، نغني ونرقص ونضحك ونقاوم .. نعم ، نقاوم..