ليس خبرا يا عزيزتي آشتون أن أصف لك معاناتنا كصحفيين ونحن ننتظر تشريفك لنا بحضور المؤتمر الصحفي في وكالة الغوث كختام لزيارتك الكريمة لقطاع غزة ، فهذا أمر اعتدتم كمسؤولين اعتباره جزءا من متاعب المهنة ومقتضيات أكل العيش ، فما عاد يقض مضاجعكم بقليل أو كثير تأخركم عن الوصول في الموعد المحدد طال هذا التأخير أم قصر .. لكن الخبر يا عزيزتي هو أن يحظر علينا تصوير أطفالنا وهم ينعمون ببركات زيارتك الميمونة لهم ورصد سعادتك الغامرة والمستفيضة والصادقة بكل تأكيد ، برؤيتهم يلعبون ويمرحون ويعيشون بفضل دعمكم ورعايتكم ، أحلى أوقاتهم وأجمل سنين عمرهم .. والخبر يا عزيزتي القديسة آشتون ، أن أسألك في مؤتمرك الصحفي عن مبررات هذا الحظر فتذهلينني بكل هذه الرومانسية والشفافية والعشق للطفولة والحرص على أن يعيش الطفل لحظته في هدوء وسكينة وسلام بعيدا عن أي إزعاج حتى لو تسلل إليه في عين كاميرة او حركة مصور لا يقل عنك حرصا على تجنب خدش الصورة الموغلة في الملائكية والتي حاولت يائسة التذرع بها ، ولم يحالفك الحظ قيد أنملة في رسمها ، عندما سألتك عن مبررات حظر التصوير. قلت يا عزيزتي القديسة في معرض إجابتك على سؤالي إنك كنت وزيرة للتعليم وإنك أم ولا تحبين أن يتعرض الأطفال لأي إزعاج وهم يستمتعون باللعب ، وأشرت الى جمهور المصورين المتواجدين في المؤتمر مضيفة قولك بما يعني أن عدد الكاميرات والمصورين كبير .. وأجبتك أنا بالقول إننا كان يمكن ، لو سمحتم لنا ، أن نختصر كل هذا العدد بكاميرة واحدة يتم توزيع تغطيتها للحدث علينا جميعا ، فأدرت ظهرك وغادرت المؤتمر في اشارة واضحة الى استيائك مما قلت .. ولم يعد هناك بد مما ليس منه بد ، واليك يا عزيزتي القديسة آشتون وعلى رؤوس الاشهاد هذا الرد . انا ايضا أم ، ولا ازعم انني قد كنت مثلك وزيرة او في طريقي الى الوزارة ، وانا صحفية تقتضي مهنتها الفصل بين الحقائق المجردة وبين معسول الكلام وتلوين العبارات بلون وردي على امل ان يخفي ذلك سواد الموضوع ذاته ، بصراحة يا قديسة آشتون انت قد تفوقت على نفسك في الشاعرية والقدرة على التلاعب بالالفاظ وتنميق العبارات حتى انني من فرط ذهولي طفقت انظر حولي لأتأكد انك تقولين هذا القول هنا في غزة وليس في حفل ناعم بديع تحييه سيدات المجتمع المخملي في بروكسل او باريس ، ولا اخفيك يا عزيزتي انني ضحكت ، وان كان في سري حتى لا ابدو خارجة على قواعد المألوف من الادب ، فأنا كما قلت سالفا ام مثلك لكني اعرف الفرق بين الطفولة في اوروبا وباقي دول العالم التي ترفل في حلل الامن والامان والرفاهية والاستقرار ، والطفولة هنا في غزة التي يفترض بحكم منصبك ان تعرفي كل صغيرة وكبيرة بشأنها ، ولا اخالك تجهلينها او تحتاجين اي ايضاح صغر ام كبر لاي من جوانبها ، واعرف ايضا الفرق بين اطفال بلدة جميلة وادعة مسترخية في دلال وكسل على ضفاف بحيرة في مروج فيينا او سفح جبال الالب او على شواطئ الريفيرا الفرنسية ، وبين اطفال مخيم الشاطئ او النصيرات او خانيونس للاجئين ، فهل حقا وانت من انت في منظومة وقيادة الاتحاد الاوربي ، لاتعلمين .. عزيزتي القديسة آشتون ، ان كنت لا تعلمين وتلك مصيبة فخذيها عني انا اللاجئة ام الاطفال اللاجئين ، اطفال غزة الذين اعتصر الالم قلبك لمجرد التفكير في ازعاجهم بتزاحم الكاميرات من حولهم يستيقظون على القذائف الاسرائيلية تدك بيوتهم على رؤوسهم فتنزع الامن والامان من قلوبهم ان لم تنتزع الروح من صدورهم او صدور اولياء امورهم ، وينامون غارقين في كابوس يكاد يكون اشبه بالنبوءة ينذر بان الصبح ربما لا يطلع عليهم وقد نجوا من حريق شمعة اضطرروا لاتخاذها بديلا للانقطاع الطويل والمتواصل للتيار الكهربائي ، اطفال غزة قد ألفوا اللهو بين سيارات الاسعاف واطقم الانقاذ واعتادوا المشاركة في انتشال الجثث من بين الانقاض والسير في مواكب جنازات ذويهم ، اطفال غزة هجروا مقاعد الدرس وهاموا في الشوارع يطاردون لقمة العيش ويعملون في الورش والمصانع وغيرها فرارا من بطالة فرضها حصار جائر انت تعرفين دوافعه المتنافية مع ابسط قواعد حقوق الانسان ، وتغضين النظر عن افرازاته رغم مطالبتك بضرورة رفعه، واطفال غزة سكنوا ولعبوا في المقابر واقاموا في مراكز الايواء المؤقت ، واستذكروا دروسهم في الظلام الا ما توفر من بصيص ضوء ، وعلى وقع ضجيج مولدات الكهرباء ودخانها الذي ينفث سمومه في شرايينهم ، وعندما من عليهم اقرانك في الدول المانحة بحفنة من الدولارات لاقامة مخيمات اسابيع المرح حتى تسعدين برؤيتهم يلهون ويمرحون ، لم يكملوا صنيعهم وضاقت ذات يدهم عن حفنة اخرى تمسح الدمعة من عيون مئئة الف طفل منهم وتغسل الحزن من قلوبهم التي غرقت في الانكسار جراء حرمانهم من المرح في مخيمات الاونروا لعجز الميزانية . عزيزتي القديسة آشتون ، لا اعرف ان كنت ستجدين من يترجم لك المثل الشعبي الذي لا اجد مناصا من التعبير به عن صدمتي بمحاولتك لتبرير حظر التصوير ، "مبروم على مبروم مابيلف" ، فما سقته انت من تبريرات واهية لا تنطلي على ذي صواب ايا كان ، فالسبب الحقيقي يا عزيزتي هو ما اعطيتك بعضا منه وانا احاورك حيث قلت " اذا كان مبررك للحظر دواعي امنية فهذا تبرير مرفوض كوننا نقف معك هنا بكامل جمعنا الذي كان سيرافقك اثناء الجولة ، ولا احسبك تستشعرين اي خطر على حياتك من وجودنا ، وعلى اية حال فقد قال لي احد اللاجئين انك لست وحدك من يرفض التصوير مع الاطفال في غزة فكل المسؤولين الاجانب يفعلون ذلك ارضاء لاسرائيل " واسمحي لي ان استفيض هنا واقولها لك صراحة ، انت لم يكن ازعاج الاطفال بندا مسجلا ولو بقلم الرصاص في اي مربع من مربعات حساباتك ، بل هو الرعب من آلة الدعاية الاسرائيلية التي ستسحقك سحقا لو غضبت عليك ، وهو الخوف من ان نعرض نحن الصورة بحيادية وموضوعية فتبدين وكانك تروجين لمعاناة اطفال غزة وتقعين تحت طائلة عقاب اسرائيلي لا يرحم .. وبالتاكيد يا عزيزتي آشتون كنت تتوقعين مني الالتزام بسياسة تكميم الافواه على ان تبدو وكانها تملأ الدنيا ضجيجا ، فاسألك عن اخر مستجدات موقف الاتحاد الاوروبي من القتال الدائر في سوريا ، او حتى عن افرازات عجز ميزاينة الانروا ودور الاتحاد الاوربي في دعمها ، لكنني خيبت ظنك فسامحيني واعدك ان الجأ الى اجاباتك عن مثل هذه الاسئلة الروتينية والتي كررتها في لقاءاتك السابقة وستكررينها في لقاءاتك اللاحقة .. ويا عزيزتي القديسة آشتون ، استذكري الدرس جيدا اذا فكرت في زيارة اخرى لاطفال غزة حتى لا تضطرين لتجاهل بقية اسئلة الصحفيين ومغادرة المكان بهذه العصبية .. وسعيكم مشكور