خبر : ما بعد الحروب التقليدية الفوضى وحروب الفتن المذهبية ...بقلم: حسين حجازي

السبت 22 يونيو 2013 10:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ما بعد الحروب التقليدية الفوضى وحروب الفتن المذهبية ...بقلم: حسين حجازي



كان السيف والقوس والرمح والخيول هي الأسلحة التي غزت بها الجيوش أعداءها في العصور القديمة. الامبراطورية اليونانية كما الفارسية والرومانية وبعد ذالك الإسلامية. وهي الامبراطوريات التوسعية الكبرى التي حكمت العالم وإقامة نظامها العالمي المهيمن. وبعد اكتشاف البارود في عصور اكثر حداثة حلت البنادق النارية كما المدافع مكان السيوف والتروس القديمة، مدافع نابليون التي حطم بها معظم جيوش أوروبا القديمة، وكانت في هذه الحقبة نفسها أساطيل وسفن المدافع البريطانية التي سخر منها فيما بعد برنارد شو قائلا ان لسانه أقوى منها. انما هي التي أمنت لبريطانيا العظمى حكم امبراطورية تفاخرت دوما بأن الشمس لا تغيب عنها، وهي نفس المدافع التي قضت على ثورة عرابي في مصر العام 1882 وعلى حكم محمد علي في سورية العام 1840 . وفي الحرب العالمية الثانية كانت دبابات البازنر الالمانية هي السلاح الفتاك الجديد الذي بوساطته سيقوم هتلر بأسرع غزو بري في العالم وتحتل جيوشه الميكانيكية السريعة معظم أوروبا.الدبابة التي حلت مكان الخيول في العصور القديمة، وذالك قبل ان تحل الطائرات والصواريخ والقنابل الذرية كسلاح مطلق كنهاية لهذا التاريخ. الصواريخ البالستية ذات الرؤوس النووية العابرة للقارات وهو السلاح الذي يرافق صعود روسيا واميركا كسيدتين جديدتين للعالم. أردت ان أشير الى هذا السرد الموجز عبر مراحل التاريخ لكي امهد الى الاستنتاج الرئيسي الذي اود التّأكيد عليه في هذه المقاربة، وهذا الاستنتاج مفاده ان ما بعد السلاح المطلق او نهاية التاريخ هو نهاية الحروب الكلاسيكية التقليدية القديمة. إحلال الحروب غير التقليدية كما القوة الناعمة دبلوماسية حقيبة المال، الدسائس والمؤامرات السرية المرفقة بالحملات الاعلامية، بديلا من هذه الحروب التقليدية او القوة الصلبة، صدام الكتل الكبيرة.وهكذا في اطار هذا السرد التاريخي فقد يمكن النظر الى الغزو الروسي الفاشل لأفغانستان العام 1979، كما الحرب العراقية الإيرانية العام 1980، وحتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982 ، واخيرا حربا بوش الابن في أفغانستان والعراق، باعتبارها تمثل الذروة الأخيرة ولكن الفاشلة، لصولات الحروب القديمة. وانه وفق هذا التصور، علينا فهم ما يبدو اليوم كمؤشرات على التحول الإستراتيجي في موقف باراك اوباما، كما يبدو في ممانعته التدخل العسكري المباشر في الأزمة السورية، وما يظهر أيضا في قمة الثماني الاخيرة في إيرلندا كانتصار الواحد اي روسيا ضد السبعة، اذا كان هذا التحول الاستراتيجي يبقى في التحليل الاخير، تحولا في الوسيلة والأسلوب، أسلوب مقاربة الصراع وليس باي حال رفع راية الاستسلام.وهكذا قد تكون هذه هي اللحظة الفارقة لكي نسجل هزيمة او خروجا اميركياً من ساحة القتال او ميدان المعركة، واستبدال هذه الحروب التقليدية بالحروب الذكية التي تعتمد القوة الخفية او الناعمة. وفي هذا الصدد او ليس التفاوض مع حركة طالبان عبر وساطة قطر، وافتتاح مكتب اتصالات معلن لطالبان التي كانت تعتبر شقيقة القاعدة يمكن قراءته خارج سياق هذا التحول؟ اذا كان هذا التراجع من شأنه ان يمنح اميركا مخرجا من أفغانستان، ومن تحت رحمة روسيا على حد سواء التي تملك هذه الأخيرة السيطرة اللوجستية على طرق إمدادات الجيش الأميركي في أفغانستان.ولكن توظيف هذا التفاوض في الوقت نفسه، الذي يمنح طالبان الشرعية في سياق الاستراتيجية الكبرى نفسها في الصراع على الشرق الأوسط من خلال مذهبة هذا الصراع على أساس سني وشيعي. وحيث يمكن إبراز طالبان بوصفها المقاومة السنية ضد أميركا التي تقابل مقاومة حزب الله الشيعية. فيما لا يقدم أوباما وأميركا هذه المرونة او التنازل أمام روسيا وبوتين، فيما يتعلق باستراتيجية الدرع الصاروخي لاعتراض الصواريخ الروسية في أوروبا، بل ويواصل أوباما توسيع انتشارها لتشمل تركيا والأردن مؤخرا، بالإضافة الى دعم القبة الحديدية في إسرائيل.هذه لحظة لكي نفهم ان الحرب التي ننتظر اشتعالها على النمط الكلاسيكي القديم لن تقع. قال أوباما نفسه في المانيا ان لا حاجة لحرب إضافية كما لو انه يلقي بسطل ماء بارد على التقارير التي توقعت ذلك، واعتقد انه صادق بذالك. وذلك لسبب بسيط ومنطقي ومعقول ان الحرب الكبرى والحقيقية ولكن غير التقليدية هي جارية أمامنا وبدأت منذ وقت بالفعل تقريبا، وهذه الحرب قوامها او أدواتها الفتاكة يمكن تحديدها واختصارها على النحو التالي:دبلوماسية المال او حقيبة المال والحملات الإعلامية عبر الضخ غير المسبوق والمكثف لاثارة الفتن المذهبية والطائفية والممزوجة بعمليات استخباراتية سرية ومحترفة، الى جانب اكبر عملية في التاريخ تقوم بها اجهزة المخابرات الاميركية، للتنصت ومراقبة المكالمات التلفونية ووسائل الاتصال الاجتماعي حول العالم. والاتجاه الشامل الذي يؤطر هذا المخطط الكبير او هذه الاستراتيجية، هو التفوق على الحرب التقليدية بالسلاح الفتنوى، وفي القرآن الكريم قيل الفتنة اشد من القتل. وتستطيعون ان تنظروا حوليكم لتروا او تشتموا هذه الرائحة النتنة التي تزكم الانوف، في التحشيد الطائفي والمذهبي السنة مقابل الشيعة في لبنان والعراق وسورية. وفي محاولة شيطنة حزب الله واختزال الازمة السورية من كونها ازمة سياسية الى صراع مذهبي وطائفي. ولكن الآن قد نعرف وندرك في حمأة هذا الجنون الطائفي، للتخلص من البرابرة بالبرابرة، ومن المسلمين بالمسلمين، ومن الفقراء بالفقراء. وحيث تنحرف البوصلة من الجهاد نحو القدس المسجد الأقصى وفلسطين، وحيث تقطع العلاقة مع سورية بينما يحافظ عليها مع إسرائيل، كم ان بقاء الأزهر الشريف كمرجعية دينية يكتسب أهمية حاسمة لوأد هذه الفتنة، مدافع الأزهر الشريف التي تعادل في قوتها مدافع نابليون.وكم انه من حسن الطالع انتخاب هذا الرجل المعمم في إيران الرئيس الجديد حسن روحاني، لكيما ينفس هذا الاحتقان او يلقى عليه بدش ماء بارد. روحاني المعتدل على غرار هاشمي رفسانجاني ومحمد خاتمي.بيد انه في غضون هذا الوقت العصيب ما قبل العاصفة التي توشك نذرها الآخذة بالتجمع اجتياح الأخضر واليابس في المنطقة، فإن السؤال الذي يطرح عند هذه اللحظة هو ايهما سيسبق الآخر بالفعل؟ انفجار الفتن الداخلية ام قدرة العقلاء والمرجعيات الدينية على إخماد نارها، بعد ان تم ايقاظها. الفتنة التي بدأت تتحرك في لبنان اسرع مما كان يتوقع.وحسنا في ذروة هذه الحمأة، قالت حماس السنية الاخوانية انها تقف وحزب الله في خندق واحد، لقطع الطريق على استعمال جلد حماس السني في التحشيد المذهبي. حيث يتأهب باراك أوباما الآن في هذا التوقيت للانتقال من الصفوف الخلفية الى الصفوف الأمامية باتخاذه القرار بالدعم العسكري للمجموعات المسلحة في سورية. فهذه هي لعبة الرجل وإدارته بالأصل، ما بعد الحروب التقليدية او التدخل المباشر، إذكاء نار الحروب الفتنوية او الاهلية. حينما يبلغ فقدان الاتجاه والعقل حدا تقطع فيه العلاقة بين مصر وسورية، تحت مظلة هذا التحشيد الفتنوي. سورية التي لاحظ محمد حسنين هيكل انها بوابة مصر مع آسيا وسياج امنها القومي. وما يخيفنا اليوم في مصر حقا ليس فوضى الشارع، ولكن غياب القيادة الحكيمة في القمة وفوضى القمة على حد سواء. حين يبدو للأسف ان الحروب الداخلية تعم في فوضاها كل دول الطوق العربي المحيط بإسرائيل، مصر والعراق وسورية ولبنان. وهو وضع لا سابق له، وحيث نحن الفلسطينيين لا نعرف كيف نحترم انفسنا، وننهي هذه التفاهة التي اسمها الانقسام. كما لو أننا نصر على التماهي بفوضانا هذه مع الفوضى العامة في المحيط. فوضانا التي جاءت استقالة رامي الحمدلله لتلقي عليها ظلالاً هازئة من جديد.