تبين في نهاية الاسبوع الاخير في ظاهر الامر ان كابوس براك اوباما بدأ يتخلق. فالرئيس الذي رفع راية بشرى الانفصال من طرف واحد عن ميداني القتال في العراق وافغانستان، أعلن بصورة رسمية عن نيته إمداد المتمردين في سوريا بالسلاح. وبرغم ان الحديث عن سلاح خفيف فقط وبرغم ان الطريق ما زال بعيدا عن فرض حصار جوي على سوريا، يمكن ان نرى في هذا القرار نقطة تحول في سلوك الادارة في هذا الميدان الدامي. وجد البيت الابيض نفسه برغم احجامه العميق عن تورط في مراكز صراع وبرغم طموحه الى فصل نفسه قدر المستطاع عن عهد الرئيس بوش القتالي الذي سبقه، وجد نفسه يُجر الى داخل الساحة السورية حتى لو كان ذلك في دور ثانوي ومشاركة ضئيلة في المرحلة الحالية. إن الانتقاد اللاذع في الداخل (ولا سيما من قبل الرئيس السابق بيل كلينتون) من جهة، والبرهان القاطع على استعمال قوات الرئيس الاسد للسلاح الكيميائي في اثناء القتال من جهة اخرى كانا تقديرين مركزيين في استقرار رأي اوباما على التراجع عن اسلوب عمله الأصلي الذي تميز بحذر زائد. وأُضيف الى ذلك في الاسابيع الاخيرة نجاحات الاسد في ميدان المعركة التي أسهم حزب الله فيها اسهاما مركزيا. تحولت الجبهة من هذه الجهة الى امتحان زعامة لاوباما من الطراز الاول لأن الاستمرار في سياسة "التدخل الضئيل" بازاء تدخل حركة حزب الله التصعيدي والتي يستعملها أسيادها الايرانيون بتحكم من بعيد (والذين أعلنوا الآن نيتهم ارسال 4 آلاف مقاتل من حرس الثورة مددا لجيش الاسد) والتي تؤيدها موسكو كان يُضعف سمعة القوة العظمى وفخامة شأنها أكثر. بسبب هذا الضغط الداخلي المتزايد (الذي أسهم فيه ايضا حقيقة زيادة قوة المعسكر المثالي بين "كل العاملين مع اوباما") والطموح الى اظهار صورة الحزم والتصميم آخر الامر بما يناسب سيد المنظومة كان استقرار الرأي على مساعدة المتمردين اذا (وعلى نصب بطاريات صواريخ باتريوت وطائرات اف16 على ارض الاردن في الوقت نفسه) أمرا يقتضيه الواقع وذلك برغم الأخطار الكامنة في حقيقة أن قوات المعارضة تشتمل على جناح اسلامي عسكري. برغم أن الاجراء الامريكي يبدو للوهلة الاولى خطوة لا مناص منها فان حقيقة أنه قد يتحقق بعد انتخاب حسن روحاني رئيسا لايران تمنحه بُعدا جديدا بصورة متأخرة. ترى واشنطن وجود أهمية عليا للحاجة الى ان تصاحب جزرة الاستعداد الجديد لادارة تفاوض مباشر مع النظام في القضية الذرية استمرار سوط الضغط الاقتصادي والسياسي – وبخاصة بازاء انتخاب شخص ذي مواقف معتدلة نسبيا في طهران، وذلك الى ان تتضح نوايا الرئيس الجديد ومجال مداورته. إن حماسة الادارة الامريكية لتعظيم كل مظهر براغماتية في سلوك روحاني أمر مفهوم (ومشتق من طموحها الأساسي الى الامتناع عن لحظة الحسم والمواجهة العسكرية مع ايران)، لكن العودة في نفق الزمان الى السياسة الابتدائية والمصالِحة ستُضعف موقف الامريكيين المساوم أكثر. في حين ما زال يوجد عدم يقين كثير يتعلق بمبلغ قدرة روحاني على تسيير ايران في مسار مرونة ذرية فان تسليم امريكا بخطوات ايران التصعيدية (والجهات التي ترعاها) في سوريا يوحي بضعف عام ويُفسر بأنه استعداد لمنحها ثقة سابقة دون مقابل حقيقي ما.