خبر : فياض .. كانت تجربة مدعاة للاحترام ..! ...اكرم عطا الله

الأحد 09 يونيو 2013 10:40 ص / بتوقيت القدس +2GMT
فياض .. كانت تجربة مدعاة للاحترام ..! ...اكرم عطا الله



"الأوطان من أجل التحرير تحتاج إلى نخبة على استعداد للتضحية بنفسها من أجل الوطن، لكن إذا أصرت تلك النخبة على حكم الوطن بعد التحرير فإنها تضحية بالوطن من أجل مصالح تلك النخبة".هذه مقولة كتبها أحد الباحثين العرب وهو يعيد قراءة تجربة انقسام اليمن إلى شمالي وجنوبي ومستوى حالة التردي التي عاشها المواطن اليمني الفقير وهو يتابع انشطار وطنه في لعبة الصراع على السلطة ليخلص إلى تلك المقولة التي استوقفتني منذ أقل قليلاً من عقدين وأنا أراقب أداء السلطة بعد الاتفاقيات التي سمحت ببناء نظام حكم فلسطيني وأصبحت هذه المقولة مدعاة للبحث أكثر بعد انقلاب حركة حماس وانفصال غزة إثر الصراع على السلطة بين حركتي فتح وحماس.فرادة الحالة الفلسطينية تجعل من إصدار الأحكام على الحكومات أمراً صعباً يعرضها لظلم كبير حين نقارنها بحكومات مستقلة، فلا نحن أنجزنا التحرير لنبحث عن نخبة الكفاءة الإدارية ونكافئ قادة التحرير بعيداً عن الإدارة لأن كل خبرتهم تكرست في مقاومة المحتل وليس إدارة الشعوب والمجتمعات بقضاياها الصحية والتعليمية والاجتماعية وهي اختصاصات نأى الثوريون بأنفسهم عنها لانشغالهم بالمهمة الأكثر مقدسة، ولا نحن تحت الاحتلال المباشر. إنه وضع مشوه جعل من عملية بناء نظام سياسي إداري في ظل تحكم إسرائيل عملية معقدة فيصبح فشل أدوات الحكم هو النتيجة الوحيدة التي ينتهي إليها كل من تقدم لمواقع المسؤولية لتداخل مهمات الحكم بمهمات التحرير لأن استحقاقات أي منهما على حساب الأخرى، فقد أصبحت السلطة قيداً على المقاومة وأصبحت المقاومة عبئاً على السلطة وهي معادلة معقدة بات من الواضح وبالتجربة صعوبة حلها وحين حاول الرئيس الراحل ياسر عرفات الاقتراب منها دفع حياته ثمناً لتلك المحاولة.كيف يمكن أن تنجح أية حكومة لا تتحكم بمواردها الطبيعية أو حكومة تتعرض لحصار مثلاً، أو حكومة يخضع تمويلها لشروط المزاج السياسي وأن تنتظر الجزء الأكبر من موازنتها ممن تخوض معه صراعاً يومياً على الأرض والمياه والأمن أيضاً؟ إنها مهمة انتحارية مصيرها معروف مسبقاً.قبل أيام غادر الدكتور سلام فياض الذي وضع نفسه في تلك المهمة صعبة النجاح مكتب رئاسة الحكومة بعد ست سنوات من العمل وسط ظروف معقدة كانت ممكنات الفشل أكبر كثيراً من مستحيلات النجاح وسط تلك الأجواء وسطوة الاحتلال وتربص الأصدقاء من الفصائل والقوى الفلسطينية التي شنت عليه حملة استعداء منذ اليوم الأول لتكليفه تشكيل الحكومة.ومع ذلك استطاع الرجل تقديم نموذج إداري يستحق الاحترام، فالاستقامة التي رافقت تاريخ الرجل كانت مدعاة لاستقطاب الكثير من المراقبين وسط حالة الاتهامات المتبادلة التي فرضها واقع الانقسام وأصبحت جزءاً من الفولكلور الفلسطيني المسيطر على وسائل الإعلام، لم يأبه الرجل بتلك الاتهامات اليومية التي كانت توجه له ممن اعتبروه خصماً ومنافساً لهم، ولم يهبط بمستوى الخلاف السياسي إلى الحد الذي ينال من هيبة رئاسة الحكومة. تسلم فياض الحكومة في الضفة الغربية وسط حالة من الفوضى الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، تمكن من إرساء استقرار في معظم مدنها لينقلها من مرحلة غياب القانون إلى حالة احترام القانون كثقافة لدى المواطن. لكن الأهم في أداء الرجل أنه قدم نموذجاً من الشفافية الذي تفتقده المنطقة العربية، فالموازنة الفلسطينية مفتوحة أمام كل المواطنين ويستطيع أي مواطن أن يعرف مقدار مدخولات الموازنة وآليات الصرف وهو نموذج حظي بإشادة من المؤسسات الدولية ولكن نجاحات فياض كانت ترتطم أحياناً بالعقاب الذي يمارسه العالم وإسرائيل للرئيس الفلسطيني حين اتخاذه مواقف مواجهة في المؤسسات الدولية أو لتصلبه تجاه قضايا التسوية كما حدث منذ شهور ليتحمل فياض مسؤولية ذلك. منذ سنوات يتعرض الرجل لحملة من الاتهامات من خصوم السلطة في الداخل الفلسطيني، لكن العام الأخير شهد انضمام حركة فتح إلى تحالف الرافضين لفياض ليجد نفسه وحيداً بعد أن تمتع لسنوات بدعم الرئيس وصمت الحركة التي تقود الضفة الغربية، فقد بدأ الخلاف مع الرئاسة حين اعتذر فياض عن مقابلة نتنياهو العام الماضي لإيصال رسالة من القيادة الفلسطينية ومن يومها بدا كأن الغطاء الذي ظلله لسنوات ارتفع وترافق مع خطوة الأمم المتحدة وأزمة المساعدات والدعم وتعثر فاتورة الرواتب بالإضافة لأزمة الاقتصاد الإسرائيلي ورفع سعر المحروقات في إسرائيل وضريبة القيمة المضافة ولارتباط الاقتصاد الفلسطيني مع نظيره الإسرائيلي كأن تلك كانت مهمة لمن أراد أن يحمل رئيس الوزراء المسؤولية.فقد شهد العام الأخير عدة مظاهرات ضده كانت تقف خلف معظمها حركة فتح وبالتحديد نقابة الموظفين التي تقودها والتي لم تكن تفعل ذلك في السنوات الخمس الأولى من حكم فياض ليتحول العام الأخير إلى مجموعة أزمات واتهامات وإضرابات تأخر فياض في فهمها ليقدم استقالته بعد أشهر أو عام من موعدها في ظل حملة لم تميز كما قال بين النقد والتجريح وتتحول إلى اتهامات شخصية زاد بلة طينتها دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة لتصيبه في مقتل كأنه رجلها في النظام السياسي الفلسطيني وهو ما جعله أكثر إصراراً على الاستقالة فهو الذي يعتز بوطنيته التي حظيت باحترام الرئيس الراحل حين أصر الأول على أن يحاصر معه في المقاطعة رغم رفض الرئيس حتى يكون حراً ليقوم بتأمين الرواتب.غادر فياض وليس معروفاً هل سيعتزل السياسة أم أن لديه مشروعاً جديداً، لكن مغادرته حررتنا من قيد تجاهله فليس وظيفة الصحافي أن يشيد بأداء الحكومات فهذه لديها جهاز إعلام ضخم والصحافي دائماً على تناقض مع الحكومة ورئيسها ولكن حين يغادر موقع القرار ويتوقف عن توزيع العطايا ليعود كمواطن نشعر بحريتنا ونحن نقول: لقد كانت تجربة تستحق الاحترام. Atallah.akram@hotmail.com