التصريح الذي نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي أمس الثلاثاء عن مسؤولين إسرائيليين والقائل أن "حكم القاعدة أفضل من انتصار الأسد على المتمردين" يعبر بوضوح عن خشية حقيقية من نتائج استمرار وجود نظام بشار الأسد. والحجة الرئيسة في التحليل هو الارتباط بين النظام السوري وإيران حيث سيبقى الأسد مرتبطاً بإيران التي يتعزز موقعها في المنطقة كقوة عظمى إقليمية مهمة في حال الانتصار في الحرب الدائرة الآن في سورية." وأن العلاقة بين سورية وإيران و"حزب الله" ستقوى وستصبح أكثر خطورة على إسرائيل". لكن الإذاعة الإسرائيلية لا تقول كل شيء، وهناك جوانب أخرى مهمة تترتب على انتصار الأسد في هذه الحرب. هناك تطورات على درجة كبيرة من الأهمية تغطي على تقديرات إسرائيلية سابقة حول نظام الأسد، فإسرائيل كانت مرتاحة جداً من الوضع الذي كان سائداً في هضبة الجولان وعلى الجبهة السورية- الإسرائيلية طوال عقود حيث كانت الجبهة هادئة تماماً وأكثر الجبهات أمناً واستقراراً، والحروب التي دارت مع إسرائيل وكان لسورية دور فيها كانت- باستثناء حرب تشرين الأول(أكتوبر) – حروب بالوكالة وقودها اللبنانيون والفلسطينيون. لكن هذا الوضع تغير الآن تماماً ليس فقط بسبب تدخل "حزب الله" وإيران في الحرب واحتمال وصول أسلحة متطورة إلى أيدي مقاتلي الحزب في ظل فشل إسرائيل في منع وصول الأسلحة إلى هؤلاء، حيث أن وجود مقاتلي "حزب الله " في سورية اليوم يمكنهم من الحصول على الأسلحة المتطورة دون الحاجة إلى نقلها إلى لبنان، وليس فقط أيضاً بسبب تعاظم الدور الإيراني في المنطقة، بل كذلك في عملية التغيير التي يشهدها الجيش السوري من حيث القدرة القتالية التي تزيد يوماً بعد يوم في المعارك الطاحنة التي يخوضها مع قوات المعارضة، ومن حيث التسلح بأسلحة جديدة متطورة يمكن أن تحدث تعديلاً في موازين القوى ليس في صالح إسرائيل. وبدون شك فإن تزويد روسيا لسورية بصواريخ أس 300 المضادة للطائرات يحول دون قيام إسرائيل باستباحة الأجواء السورية بل يعرض الطائرات الإسرائيلية للخطر حتى وهي في أجواء إسرائيل وفور إقلاعها من مطاراتها القريبة من الأراضي السورية في مدى يصل على 200 كم، وبطبيعة الحال إذا فقدت إسرائيل تفوقها الجوي وقدرتها على تدمير قوات خصمها في أرضه سيكون صعباً عليها الصمود في حرب طويلة لا تتحملها الجبهة الإسرائيلية الداخلية خاصة في ظل انتشار منظومات الصواريخ التي تطال كل مكان في العمق الإسرائيلي. وتقول بعض المصادر الاستخبارية أن هناك جسراً جوياً روسياً لنقل السلاح والمعدات بين موسكو ودمشق، وآخر إيرانياً يصلها بطهران، وهذا يمنح الجيش السوري قدرات قتالية ولوجستية كبيرة يمكنه أن يستخدمها بجدارة في أية حرب قادمة. والروس على ما يبدو يحاولون التغطية على إمدادهم النظام السوري بالسلاح وخاصة المنظومات المتطورة منه، فمرة يقولون أن الصواريخ من طراز أس 300 ستصل سورية قريباً، ومرة أخرى يقولون أنها لن تصل قبل الربع الثاني من العام القادم 2014، وتارة يصرحون بأنهم ملتزمون فقط بتنفيذ الصفقات التي عقدت في السابق بين الجانبين، وفي غيرها يظهر رئيس شركة "ميغ" الروسي سرجي كوروتكوف في تصريح في اليوم الأخير من الشهر الماضي ليقول أن وفداً سورياً كان في العاصمة الروسية موسكو وقع عقداً لشراء طائرات روسية متطورة جداً من طراز "ميغ 29" أم- أم 2، وهذا النوع من الطائرات القتالية قادر على العمل في ظروف معقدة الكترونياً. والتطور المهم الآخر هو بدء الأسطول البحري الروسي إنشاء قوة بحرية مهمة في البحر المتوسط تبقى هناك بشكل دائم، وقد صرح بذلك رئيس الأسطول الروسي فيكتور تشركوف في 12-5 بأنه تم تشكيل هيئة أركان مكونة من 20 ضابطاً من البحرية الروسية لتشرف على القوة البحرية في البحر المتوسط التي من المفروض أن تضم 6 سفن حربية وغواصات نووية. وهذا يعني أن السلاح النووي الروسي سيكون في الشرق الأوسط. هذا التطور يبعث برسائل عديدة إلى كل القوى التي تورطت في الحرب الدائرة في سورية، تتعدى مجرد عودة القوة العسكرية الروسية إلى منطقة الشرق الأوسط بعد خروجها منه في العام 1992 إلى التهديد بعدم السماح بسقوط نظام بشار الأسد، وعدم السماح بالتدخل العسكري الإسرائيلي أو التركي في سورية، أو على الأقل التلويح بأنه سيكون هناك ثمن باهظ لأي تدخل عسكري في الحرب السورية. وإسرائيل لا تريد أن يبقى النظام السوري بجيش جرى اختباره عملياً في حرب قاسية ومزود بمنظومات من الأسلحة المتطورة يستطيع أن يخوض حرب استنزاف طويلة ضد إسرائيل في حال فتحت جبهة الجولان لسبب أو لآخر. ويستطيع شل قدرة إسرائيل وتفوقها العسكري بشكل يقيد يد إسرائيل ويكبلها كثيراً. وهذا أسوأ من انتصار قوى المعارضة التي تضم القاعدة والمجموعات الإسلامية المتشددة، فانتصار الأخيرة يعني القضاء على مقدرات الدولة السورية والتخلص من عناصر القوة فيها وخاصة منظومات الصواريخ والطائرات التي ستكون تحت يد الغرب، وعلى الأغلب تكون سورية في وضع تفكك يمكن إسرائيل من التعامل مع المخاطر الناجمة عن وجود التنظيمات المتشددة في سورية والتي لا تشكل تهديداً إستراتيجياً على إسرائيل التي بدأت منذ الآن في إقامة علاقة من بعض قيادات المعارضة بما فيها القيادات العسكرية الميدانية على طريق إنشاء منطقة عازلة في سورية تجعلها قادرة على التعامل مع الوضع. وفي كل الأحوال المصلحة الحقيقية الإسرائيلية هي في تدمير الدولة السورية وليس في تحولها نحو الديمقراطية في عملية سياسية قد تحتاج بعض الوقت في ظل وجود عملية سياسية يشارك فيها النظام والمعارضة الوطنية.