خبر : تفاهم جنيف 2 ... ما الذي تغير؟ ...صادق الشافعي

السبت 01 يونيو 2013 09:24 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تفاهم جنيف 2 ... ما الذي تغير؟ ...صادق الشافعي



نجاح التفاهم الروسي – الأميركي في الاتفاق على الدعوة لمؤتمر جنيف 2 لمحاولة الوصول الى حل سياسي حول سورية هو تطور إيجابي إذا ما نفذ بجدية.حظوظ انعقاد المؤتمر تبدو مقبولة، اما نجاحه في التوصل الى حل سياسي قابل للعيش والتطبيق فلذلك قصة أخرى وحسابات مختلفة. معظم ما يطفو على السطح من ممانعات وتصورات وشروط، (والتي تصل المبالغة ببعضها درجة تبدو كأنها شروط استسلام يفرضها منتصر على مهزوم)، هي اما نوع من تمنّع العاجز وابتزازه، واما هي على الأغلب محاولة لتقوية الأوراق التفاوضية.ما الذي تغير حتى امكن الوصول الى هذا التفاهم الروسي ـ الأميركي/الغربي؟ ولماذا كان التغيير؟بداية، فإن التغيير جاء أساساً في الموقف الأميركي/ الغربي، وجوهره إعلان القبول بالحل السياسي كمبدأ، إضافة الى إسقاط المطالبة بمغادرة الرئيس الأسد وأركان حكمه كشرط مسبق لبدء المفاوضات. اما الموقف الروسي وموقف حلفائه فلم يحصل عليه تغيير يذكر.يمكن التفكير بأكثر من سبب لحصول التغيير، لكن يبدو ان اكثرها جوهرية ثلاثة:ـ وصول أميركا وحلفائها الغربيين، وعبر التجربة، الى قناعة بأن المعارضة التي يتبنونها عاجزة ان تكون حصاناً عفيّاً يمكنهم ان "يخيّلوا" عليه ويصلوا به الى نهاية السباق وكسب رهانه (إسقاط النظام القائم وإقامة نظام بديل على مقاسهم).وباستثناء تفصيلة واحدة، يمكن ان يكون لها تأثير على مجرى الأحداث، تتعلق بالقوى الجهادية وتنوع توجهاتهم ومرجعياتهم ومدى تأثيرهم على الأرض وإعلان أقواهم ارتباطها بـ"القاعدة"، فإن كل حديث عن المعارضة: وحدتها، وتعدد برامجها وتشكيلاتها وخلافاتها، وقوة وتأثير قواها العسكرية على الأرض .... الخ، هو نوع من التزيد. ـ وصول أميركا والغرب الى القناعة بأن النظام لا يزال قادراً على الصمود وان مؤسسة الحكم فيه وقواه الضاربة لا زالت متماسكة وفاعلة، بل إنها مستمرة في تحقيق تقدم ملموس على اكثر من جبهة عسكرية في الأسابيع الأخيرة. وان نسبة جيدة من الناس لا تزال تلتف حول النظام. يضاف الى ذلك ان النظام نجح بامتياز في الحفاظ على قوة وثبات تحالفاته الإقليمية والدولية الى المستوى الذي يعطي درجة من المصداقية لقول البعض ان النظام نجح في وضع نفسه ضمن القطب العالمي المواجه للقطب الغربي في نظام القطبية العالمي الجديد الذي تبلور وبدأ ظهوره الى العلن. ـ السببان المذكوران تفاعلا بعمق مع السبب الجوهري الثالث، وهو حالة القلق والتردد في الموقف الأميركي أساساً والغربي بشكل عام تجاه التدخل العسكري المباشر بالحدث السوري، لسبب داخلي بالدرجة الأولى هو عدم الرغبة في التورط في مغامرة عسكرية خارجية بعد درسي أفغانستان والعراق. إضافة الى ان الغرب وحلفاءه عجزوا عن الحصول على غطاء يشرّع تدخلهم من مجلس الأمن الدولي بسبب الفيتو الروسي - الصيني المزدوج في ثلاث محاولات متكررة.وإضافة الى خشيتهم الجدية من احتمال ان يصل ثبات وصلابة الموقف الروسي الى درجة مشاركة قواته المتواجدة بالمنطقة في التصدي لهجمات عسكرية مباشرة في حال أمرت دول الغرب قواتها بشنها.وهو احتمال على درجة من الخطورة يصعب الإقدام عليه. المعارضة السورية المرتبطة مع الغرب وحلفائه الإقليميين وجدت نفسها كبالع الموس، فهي على قناعة ان التفاهم الذي تم التوصل إليه ينبئ عن استعداد حلفائها الغربيين لعقد صفقة على حسابها في الوقت الذي هي فيه عاجزة عن الرفض النهائي للتفاهم او إبطاله. اما النظام فيجد نفسه في وضع افضل للأسباب التي ذكرت، لذلك بادر وبسرعة نسبية في إعلان موافقته الرسمية على المشاركة بالمؤتمر. لا احد يمكنه التأكيد على نجاح المؤتمر، ومن الصعب التصور ان الأمور ستجري بدون عمليات شد وجذب. وبالتأكيد فإن كل طرف سوف يسعى بكل الطرق لتحسين وضعه التفاوضي. ان تأخر ومماطلة المعارضة (الائتلاف الوطني) في إعلان موافقتها على المشاركة في المؤتمر بسبب تفرقها وتفاقم خلافاتها الداخلية وانتظاراً لترضية من حلفائها، وتجاوب الاتحاد الأوروبي حين قرر في اجتماعه الأخير وقف حظر تسليحها، والتأييد الأميركي للقرار، وسلبية تعامل بعض القوى الإقليمية مع فكرة المؤتمر، كل ذلك يصب في خانة تحسين الوضع التفاوضي. كما يصب في نفس الخانة بالمقابل، سعي النظام لحسم معركة القصير المهمة بالمشاركة المعلنة لـ"حزب الله" فيها، ولتحقيق إنجازات عسكرية إضافية قبل انعقاد المؤتمر، وإصرار روسيا على تنفيذ تزويد حليفها بصواريخ الدفاع الجوي الاستراتيجية "اس 300". ليس من المستبعد ان تلجأ بعض القوى المحلية (الجهادية بالذات)، وربما الإقليمية أيضاً أمام انسداد الأفق في وجه أهدافها ومطامحها الى أفعال درامية لقلب الطاولة وفرض حقائق مؤثرة على ارض الواقع من نوع ضربات عسكرية كبيرة ونوعية مهما كانت أكلافها، أو من نوع غارات على أهداف حساسة ومؤثرة.لقد تحول الأمر من نضال ديمقراطي سلمي بمطالب مشروعة في سورية، الى صراع على سورية، بين استراتيجيات كونية آخر همها المواطن السوري: حياته وامنه ووحدته وتطوره، وهمومه وتطلعاته.