قامت الدنيا ولم تقعد في إسرائيل، لأن شمعون بيريس، رئيس دولة إسرائيل، قال في المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي عقد الأسبوع الماضي، على الجانب الأردني من البحر الميت، بحل الدولتين، وربما لأنه بظهوره مع شريكه في صنع السلام، الذي أطلق وإياه أحلامه العام 93 في أوسلو، يعيد التذكير بالكابوس المزعج، الذي كافح الليكود واليمين الإسرائيلي طوال عشرين سنة مضت من أجل إغلاق الأبواب دونه، فما كان قد ظهر في لحظة ضعف لليكود بعد انتخابات العام 92، يجب أن لا يتكرر.ما كان نتنياهو بحاجة لأحد من أهل البيت - أي من داخل إسرائيل - لينطق بكلمة تقول بحل الدولتين، بعد أن أوصد الأبواب في وجه آخر محطات الضغط عليه من أجل فتح بوابة العملية السياسية، نقصد جون كيري، الذي من الواضح أنه اقتنع سريعا بمنطق نتنياهو، وشرع بالتفكير في الحل الاقتصادي، فمن خطة لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني، بقيمة 4 مليارات دولار، إلى مشروع إقامة مطار في أريحا، من الواضح، أن نتنياهو، قد تجاوز المحاولة الأميركية لمعاودة السعي لفتح بوابة أغلقها اليمين الإسرائيلي بعد "عذاب" تضمن شن حروب، واغتيالات، معارك سياسية، لا حصر لها، وأنه نجح لدرجة أنه لم يكن بحاجة إلى أن يرسل تسيفي ليفني، ولا حتى في زيارة لرام الله، تذكر بما كان قد اتفق معها بشأنه حتى تكون عضواً في الحكومة.المشكلة ليست هنا، فمن لديه عقل يعرف أن عدم قدرة إسرائيل على فرض الحل السياسي الذي تريده، على الفلسطينيين، في ظل الواقع العربي وحتى الفلسطيني الراهن، إنما هو إنجاز فلسطيني، وهذا الحل، بات واضحا دون أي لبس، وهو يتراوح في شقه السياسي بين الدولة بالحدود المؤقتة، والمساعدات الاقتصادية، وجميع الإسرائيليين مقتنعون بهذا، بمن فيهم لابيد، وغالبية الإسرائيليين لا تؤيد حل الدولتين، يتضح هذا من رفض نحو 70% من الإسرائيليين الانسحاب من الضفة الغربية، لماذا إذا يعود بيريس مجددا، ليعكر صفو نتنياهو ؟! المراهنة على الوقت، يبدو أنها باتت الأرض التي يراهن عليها الجانبان: الفلسطيني والإسرائيلي، وإذا كان استمرار الحال هذا يصب في مصلحة إسرائيل، فإن تغييره، هو الذي يكون في الاتجاه الآخر، أي في صالح الفلسطينيين، وتغيير الواقع، لا يعني أن ينتظر الفلسطينيون إعادة ترتيب المنطقة، والذي حتى لو جاء في مصلحة الشعوب العربية، فإنه سيحتاج وقتا، لكن المقصود هو أمران لا ثالث لهما، تحقيق المصالحة واعادة الوحدة الداخلية، ثم إطلاق مقاومة شعبية في الضفة الغربية، إسرائيل يبدو أنها تملأ يدها ثقة من استحالة أن تتحقق الوحدة الفلسطينية، طالما حافظ حلفاؤها الإقليميون على إبقاء كيان غزة الحمساوي، ولمواجهة احتمالات اندلاع المقاومة الشعبية في الضفة، تقدم الحل الاقتصادي، الذي من شأنه أن يمنع هذا الاحتمال، حيث إن مشاكل البطالة والفقر المتزايدة تؤجج هذا الاحتمال.لهذا فان كل الحديث عن الحل الاقتصادي، يهدف إلى تحقيق هذا الهدف، أما موضوع الوحدة والمصالحة، فإن التقدم باتجاه احتمالات الشروع في العملية السياسية، يضغط على حماس، خشية أن تجد نفسها خارج دائرة التأثير الإقليمي، وهي بعد أن صارت في السلطة، وعلى الأرض، لا ترغب في العودة إلى صفوف المعارضة، لذا فان الإبقاء على عباس معزولا سياسيا، بما يشبه عزلة حماس، لا يشجع الحركة الانفصالية على التقدم باتجاه المصالحة، لذا فإن كل محاولة لتغيير الحالة السياسية الفلسطينية، بمستوييها، يجد صدا إسرائيلياً / أميركيا.المستجد المهم الذي حدث قبل أكثر من شهر، تمثل في استقالة سلام فياض، حيث فتحت الاستقالة الباب، للتخلص من حكومتين "فلسطينيتين"، نشأتا بعد الانقسام، ولإقامة حكومة وحدة وطنية برئاسة رئيس يوحد الفلسطينيين، ولا خلاف بينهما على كونه الرئيس المنتخب، ومن هنا، كانت خطوة الرئيس التالية بعد قبوله استقالة فياض، على درجة بالغة من الأهمية، ولذا فإن لقاء القاهرة بين وفدي حماس وفتح، الذي جرى قبل أسبوعين، ونص على إصدار النظام الانتخابي للمجلس الوطني، كان مهما من هذه الزاوية.لكن وللأسف الشديد، فإن حماس التي كان لها وجه مقاوم منذ العام 87، مرورا بأعوام 96، وحتى العام 2000، صار لها وجه آخر منذ العام 2007، هو وجه الانقسام القبيح، لهذا رفضت وحدها إعلان (م.ت.ف) عن هذا النظام، بحجة واهية، وحماس في كل ما يخص مباحثات المصالحة، تذكر بالطريقة الإسرائيلية تجاه مفاوضات الحل السياسي، وكأنهما - أي إسرائيل وحماس - تنتميان لمدرسة سياسية واحدة! وما دامت إسرائيل تراهن على إقامة أمر واقع فلسطيني، حددته بنفسها منذ انسحبت من قطاع غزة من جانب واحد، وهو الدفع بإقامة كيان "مستقل" عن الكل الفلسطيني، في غزة، وكيان غير مستقل في الضفة الغربية، فإن الخطورة كلها، تتمثل في حالة اللاحرب واللاسلم الحالية، هي في تعايش الفلسطينيين الواقعي مع هذه الحالة، حتى ولو ارتفعت كل عقيراتهم ضدها!تغيير وجهة البوصلة، يحتاج إلى توجيه صفعة على وجه حماس الانفصالي، بالإعلان عن ضرورة إسقاط نظام حكمها في غزة، وفي نفس الوقت بإطلاق مقاومة شعبية في الضفة الغربية، دون ذلك، فإن دولة فلسطينية مستقلة وموحدة، لم تقم أصلا، ستكون خاضعة لمنطق إعادة الترتيب الإقليمي، والذي بات الجميع يعرف أن جوهره، هو إقامة كيانات طائفية وإثنية، أي فسيفساء سياسية، تصبح وفقها المنطقة العربية أشبه بقطعة الجبن التي يسهل على الفأر الإسرائيلي قضمها بكل سهولة، بهذه الطريقة أو تلك! Rajab22@hotmail.com