لقد بات اليوم واضحا اكثر من أي وقت مضى: الجهة المركزية التي تؤثر على بقاء الرئيس الاسد هي روسيا. لا ايران ولا حزب الله من جهة، ولا الثوار ومؤيديهم من جهة اخرى. روسيا هي التي ستقرر متى وكيف سينهي الاسد دوره. السياسة الروسية المغرورة، الفظة وغير المساومة في المسألة السورية هي صورة مرآة لصفرية وضعف السياسة الاوروبية والامريكية في هذه المسألة. وقد ضرب الروس امس رقما قياسيا اضافيا. سيرجيه ريباكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، لم يكتفِ بالاعلان بان روسيا ستبيع صواريخ اس 300 لسوريا رغم الضغوط الدولية بل وأيضا شرح بان هذه الصفقة تستهدف "لجم بعضا من المتحمسين". كما انه لم يخفِ من يقصد: تلك الدول في الاتحاد الاوروبي التي تميل الى نقل السلاح للثوار وبالطبع الخصم التقليدي، الامريكيين. اما اسرائيل فلا يذكرها ولكنه يقصدها هي ايضا.واذا لم يكن هذا بكافٍ، فانه يهدد ايضا: اذا رفعت دول الاتحاد الاوروبي الحظر عن تزويد السلاح للثوار، مشكوك أن يوافق الروس على عقد المؤتمر الدولي لحل المسألة السورية. من كان يصدق بان حتى قبل نحو سنة كانت روسيا تسير مصدومة في ضوء عداء العالم السني. لقد وجد الروس أنفسهم، فجأة، يؤيدون الشيعة، يدحرون من العالم العربي من جانب محور امريكي – اوروبي، ولا ينخرطون في الهزة العربية. ومنذئذ جمعوا أنفسهم، قرروا استراتيجية واضحة وهم يواظبون فيها. السياسة الروسية بسيطة ووحشية. لقد نجح الروس في عزل الاسد عن العالم الخارجي ووفروا له غلافا وقائيا ضد الضغوط العسكرية والسياسية للغرب ولاسرائيل. وابتداء من الوقفة المتينة الى جانب سوريا في مجلس الامن وانتهاء بالتهديدات الواضحة بالتدخل العسكري الروسي اذا ما حقق الامريكيون أو اي جهة اخرى التهديدات بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، بما في ذلك محاولة خلق مناطق حظر جوي في سمائها. كما أن الخطة الامريكية لنصب ثلاث بطاريات من صواريخ باتريوت على اراضي الاردن، يرى الروس فيها تهديدا على حرية طيران سلاح الجو السوري. جوابهم، ضمن امور اخرى، هو تنفيذ صفقة الصواريخ المضادة للطائرات التي تهدد حرية الطيران الاسرائيلي وكل طائرات غربية اخرى في محيط 200كم. والهجمات التي نسبت لاسرائيل كانت الثغرات الوحيدة في سور العزلة الذي بناه الروس حول الاسد. ان الروسي يشتمون ضعفا. وهم يشخصون بان الامريكيين لا يريدون الوصول الى تدخل عسكري في سوريا ويستمتعون بحقيقة أن وزير الخارجية جون كيري يغازلهم. فكيري في واقع الامر يطلب أن يخلق الروس حلا سياسيا للمسألة السورية. اما الروس من جهتهم فلا يكلفون انفسهم حتى عناء تحديد موعد لمؤتمر دولي. من اللحظة التي حصل فيها الاسد على المظلة السياسية والعسكرية الروسية ونجح، بالتوازي في الحفاظ على الجيش السوري الى جانبه – فانه في واقع الامر ضمن استمرار حكمه، مهما كان متهالكا، ولكنه موجود. هذا سيستمر حتى يقرر الروس بان الزمن ناضج لحل يحفظ مصالحهم في سوريا – بدونه.